لحظات تأمل د, فهد المغلوث |
أسلوب الانسان منا في الحياة ومستوى تفكيره ونظرته للامور الحياتية المختلفة هي ما يحدد - بعد الله - والى حد كبير نمط شخصية هذا الانسان ومدى علاقته بالاخرين ممن هم حوله، ومدى احترامهم له من عدمه وثقتهم به من عدمها، وتقربهم منه وحبهم له من عدمه,فثقتنا بالاخرين مثلا ليست مبنية على الشكل الخارجي لهم او لمجرد سماعنا عنهم وما يعجبنا فيهم ولكن هناك امورا اخرى مهمة وضرورية بالنسبة لنا لعل اهمها ذلك التوافق والانسجام الذي نشعر به حينما نستمع اليهم او نقرأ لهم او نجلس معهم فانت ومن دون ان تدري تشعر بأن هناك تقاربا في الافكار والآراء والميول تشعر وانت تستمع اليهم او تقرأ لهم بأنهم يتحدثون باسمك يخاطبونك بما تحس به يجيبون عما بداخلك من تساؤلات يقدرون ويحترمون ما تعانيه وتشعر به وتؤمن به,, والاهم من ذلك انهم يصغون اليك بكل جوارحهم حتى النهاية ليس من باب المجاملة او الفضل او الشفقة، بل من باب الاحترام والحق في ان تقول مالديك وتعترض على ما تعتقد انه لا يتفق مع اهدافك وميولك ومبادئك,, وهذا ما نفتقده نحن اليوم في جميع شؤون حياتنا اليومية التي اصبحت شبه مسيّرة وموجهة نحو ما يريده الاخرون لا وفق ما نريده نحن اصحاب الشأن الاول.
ولأن الثقة معدومة فنادرا ما تجد حبا صادقاً بين الناس فالحب الذي لا يقوم على ثقة واحترام لا يسمى حبا لان الحب امتزج في كل شيء توحد في كل شيء والحب لكي يكون حقيقيا فلابد ان يؤمن اصحابه بمبدأ الاختلاف في الراي فأنا حينما اعارضك او اعتب عليك اولا اقر بما تفعله او تقوم به، فهذا لا يعني انتقاصا من قيمة الحب بل دليلا على الفهم الحقيقي لمعنى الحب فالمسألة اذن مسألة وعي اجتماعي لكل ما يدور حولنا من مفاهيم وادراك لما ينبغي تصحيحه او تنميته.
فنحن الان نرى بعض الاشخاص وصلوا الى اعلى المراتب العلمية وليس ذلك فحسب بل انهم حصلوا على تلك المراتب العالية من ارقى الجامعات في الخارج مما مكنهم من الاطلاع على التطورات الحديثة في كل شيء ومما مكنهم على الاطلاع على ثقافات الشعوب الاخرى وكيف تفكر وكيف وصلت الى ما وصلت اليه من تقدم ورقي في الحضارة مما قد يغبطون على تلك الفرص التي لم تتح لغيرهم ممن يحلمون بها ولكنك مع الاسف - ما ان تجلس مع بعض امثال اولئك الاشخاص ذوي المراتب العلمية او تستمع اليهم ولمستوى تفكيرهم ومنطقهم او ترى تعاملهم حتى مع اقرب الناس اليهم او مع من حولهم حينئذ تصاب بالذهول وقد تستخسر هذه الشهادات عليهم، تستخسر هذا العمر الطويل الذي قضوه في العلم وبين دفات الكتب واروقة المكتبات والمعامل العلمية وغيرها لانهم لم يستفيدوا من المعنى الحقيقي للعلم!
وهنا يتبادر الى ذهنك سؤال في غاية الاهمية وهو هل الوصول الى اعلى درجات العلم ينمي وعي الانسان الى الافضل؟ هل يساهم في اتساع مدارك الانسان وافقه بالفعل؟ هل يساعده على تقبل آراء الاخرين المعارضة لارائه؟ هل تغير فيه معتقدات اجتماعية عفا عليها الزمن؟ هل يجعله انساناً موضع ثقة ومصداقية مع كل من يتعامل معه و يرتبط به؟ وهل يساعد في ان يكون هذا الانسان عجلة دافعة لزيادة الوعي المجتمعي بشكل عملي وفاعل وعن قناعة؟ وهل ؟ وهل,,,؟
المسألة اذن ليست بالشهادات والرتب التي نقتنيها ونتفانى من اجل الحصول عليها ونفتخر بها، المسألة أكبر من ذلك بكثير المسألة مسألة وعي ادراكي واحساس مجتمعي، والمسألة فيما قدمناه ونقدمه لغيرنا ممن هم بحاجة لثقافتنا ووعينا.
طبعا هذا لا يتعارض مع التصرفات الشخصية البحتة لكل انسان طالما انها وفق الشرع وتراعي الحقوق والعدل والانصاف وطالما انها حق من حقوقه فحينما يعارضني فلان مهما كانت درجته ووضعه الاجتماعي في تصرف ما مثلا فهذا لا يعني انني على خطأ وهذا لا يعني ان ابدل من تصرفي او اغض النظر عنه لمجرد انه لا يعجبه تصرفي؟ وهل انا ملزم لارضي الناس على حساب نفسي؟ وهل انا مجبر ان اعدل من آرائي واحرم نفسي من حقوق اباحها الله لي فقط لانها لا ترضي فلاناً؟ او لمجرد ان فئة من الناس سوف تفسرها وفق اهوائها؟
نحن نعرف اناساً كثيرين باسمائهم الكبيرة والقابهم البراقة وسمعتهم التي يحسدهم عليها الكثيرون ولكن ما هي حقيقتهم؟ وما هو حجم ما لديهم من قيم سامية؟ ما هي نظرتهم لمشاعر الاخرين واحاسيسهم؟
والاجابة بالطبع لاشيء! لان الصورة المرسومة عنهم اكثر بكثير من تلك الاقنعة المزيفة وهذا ربما يجعلك تشعر بالراحة النفسية كونك مازلت متمسكا بكل شيء جميل وسام ومازالت نظرة من حولك لك فيها الشيء الكثير من الاعجاب والاحترام وهذا في حد ذاته لا يعوض بثمن ولا يشترى بسهولة، المهم ان تنظر لتلك الصفات الجميلة فيك والخصال الرائعة لديك وتعرف قيمة نفسك ومقدار اهميتك وحجم مكانتك وان لم يكن مع الاشخاص الذين يفترض ان يشعروك بهذا الشعور والحجم والمكانة فسوف يكون مع اشخاص آخرين مهما كانوا بعدين عنك بغض النظر عن بعد المسافة بينك وبينهم.
شيء مؤسف ومؤلم اننا ونحن على مشارف العام 2000 ومازلنا نتخبط في بيروقراطيات سمجة وقرارات متذبذبة وواسطات مخيفة ومحاولات مبالغ فيها على حساب انفسنا وروتين عفا عليه الزمن,شيء محزن بالفعل ونحن على اعتاب قفزة حضارية تقنية مذهلة في كل المجالات مازلنا نفكر بعقلية العصور السابقة الرجعية.
ترى كيف نتقدم ويزداد وعينا والكثير منا مازال يفكر بانه من مستوى اجتماعي راق يحتم عليه تفكيراً معيناً وارتباطاً معيناً وغيره من مستوى اجتماعي اقل؟!
ترى كيف نتقدم ويعلو شأننا والكثير من اعمالنا قائم ويقوم على البركة رغم ان لدينا لوائح وقواعد تنظم وتسيِّر دفة العمل؟! فهل الخطأ في تلك النظم البيروقراطية والادارية وعدم مسايرتها للواقع ومتطلبات الحياة العصرية؟! فهل الخطأ فينا نحن من يطبق تلك اللوائح والانظمة؟! أم الخطأ في تركيبتنا وتنشئتنا الاجتماعية الحساسة لكل عاصفة تغيير تهب علينا مهما كانت عاصفة خفيفة؟!
لابد ان هناك خللا ما يحتم علينا معرفته وتشخيصه ووضع العلاج الناجع له والتأكد من مدى تطبيق هذا العلاج ومتابعته ولكن هل ننتظر من الاخرين ان يكتشفوا عيوبنا؟ هل نتوقع منهم تقديم المساعدة لنا؟
لِمَ لا نبادر نحن بتلمس عيوبنا ومعرفة جوانب الضعف فينا فكل منا له عيوب ولديه جوانب قصور واحتياجات لم تشبع بعد ولكن هذا لا يعني اننا غير قادرين على فعل شيء لا يعني اننا عاجزون ان نعترف بتقصيرنا ولو لانفسنا؟ ابدا فانا وانت وغيرنا اقوى من كل شيء فقط ما نحتاجه هو ان نضع ايدينا بأيدي بعضنا البعض، ان ننسى خلافاتنا وان ننحيها جانبا.
نحن بالفعل بحاجة للحظات تأمل لواقعنا وللعالم المحيط بنا بحاجة للحظة توقف بسيطة نلتقط فيها انفاسنا نتنفس فيها الصعداء نسترجع فيها الذكريات الجميلة.
نحن بحاجة لتقييم ما في ايدينا ومالدينا وما حولنا ولان التقييم هو الخطوة للتقويم الذي يعني التحسن والتطوير والتعديل فلماذا لا تبدأ الان بتعديل وضع جلوسك والتفكير بكل شيء تريد تعديله في حياتك ضع قائمة بتلك الرغبات والاماني حدد ايها الاهم ثم حاول التفكير في الكيفية التي تجعلك راضيا عن نفسك سعيدا بوضعك.
تناس كل من يحاول ان يضع العقبات في طريقك، تجاهل كل من يحاول ان يقلل من أهميتك، ويلغي شخصيتك او يهمشها فقط تذكر الأشياء الجميلة التي تريد تحقيقها ولا تكن مشغولا سوى بالطريقة المشروعة التي تسعد بها نفسك، قد تعجزك طريقة ما ولا تملك تحقيقها، ولكن هناك طرق اخرى من شأنها ان تنسيك همومك، واحباطاتك والأهم من ذلك كله، تذكر ان الله معك أينما ذهبت ووقتما ذهبت في كل الظروف والأحوال فقط حاول ان تتذكره دوما قبل ومع كل خطوة تخطوها ويكفي ان تعلم انه (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
همسة:
اعلم يقينا
أنه لا مجال للمقارنة,.
بينك وبين غيرك,.
***
أدرك تماما,.
انه لا وسيلة للمفاضلة,.
بينك وبينهم
***
ولكن,, مقارنتي لك بالأخرين,.
ما هي إلا تأكيد مني لحقيقة واحدة,.
أود تذكير نفسي بها دوما,.
***
وهي أنك الأفضل والأروع,.
أنك الأجمل والأبدع,.
أنك الألذ والأمتع,.
|
|
|