Thursday 8th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 22 ذو الحجة


قضية للنقاش
ارفعوا العقوبات عن ليبيا
رضا محمد لاري

تسقط العقوبات المفروضة من مجلس الامن على ليبيا بوصول المتهمين عبدالباسط المقرحي والامين خليفة فحيمه الى هولندا يوم الاثنين الماضي 19 ذي الحجة 1419ه الموافق 5 ابرايل 1999م لمحاكمتهما امام القضاء الاسكتلندي فوق الارض الهولندية على جريمة تفجير طائرة البان امريكان في سماء القرية لوكاربي بأيام قليلة تسبق نهاية عام 1988م.
وصول المتهمين الى هولندا انهى الصراع الذي دار طوال الاحدى عشرة سنة الماضية حول منازعة القوانين بالاختصاص في النظر لهذه القضية بين الوطن الذي ينتمي اليه المتهمان (ليبيا) وبين البلد الذي تم تفجير الطائرة داخل مجاله الاقليمي بريطانيا وبين الدولة التي ترفع علمها الطائرة المفجرة امريكا.
هذه المنازعة بين القوانين التي يستند كل تبرير لها الى المنطق القانوني فالوطن له الحق في الانفراد بمحاكمة مواطنيه عن جرائمهم، والبلد له حق محاكمة المجرمين الذين يرتكبون جرائمهم فوق اراضيه، والدولة لها حق محاكمة من قام بتفجير الطائرة التي تحمل جنسيتها,, قد تم التغلب عليها باخضاع المتهمين لقوانين الاقليم البريطاني استكلندا الذي وقعت الجريمة على ارضه واختيرت مدينة لاهاي الهولندية ارض القضاء الدولي لاستضافتها المقر الدائم لمحكمة العدل الدولية لتكون ارضا محايدة بين الدول الثلاث ليبيا موطن المتهمين وبريطانيا الارض التي ارتكبت عليها الجريمة وامريكا المالكة للطائرة المتفجرة.
اكد سكرتير عام الامم المتحدة كوفي عنان ان مجلس الامن وافق بالاجماع على تعليق العقوبات المفروضة ضد ليبيا تمهيدا لرفعها نهائيا اذا جاء تقرير الامانة للامم المتحدة بعد تسعين يوما مؤيدا لرفع العقوبات عنها.
هذا المنطق الصادر عن مجلس الامن يقلقنا لان لفظ (تعليق) العقوبات يعني بقاءها واستمرارها حتى اشعار آخر يصدر عن مجلس الامن اما برفعها اذا اقتنع بتقرير السكرتير العام واما بمواصلة تطبيقها اذا لم يقتنع بتقرير الامانة العامة,, والتقرير في ذاته قد يطالب الابقاء على العقوبات او الغائها، وهذا الواقع يختلف تماما مع ما توصلت اليه الوساطة السعودية الجنوب افريقية المشتركة بين ليبيا من ناحية وبين امريكا وبريطانيا من ناحية اخرى برفع العقوبات عن ليبيا مقابل تسليمها لمواطنيها المتهمين بتفجير طائرة البان امريكان فوق قرية لوكاربي الى العدالة الدولية التي تحددت في لاهاي امام القضاة الاسكتلنديين.
الاخذ بمبدأ تعليق العقوبات على ليبيا بقرار من مجلس الامن يعني تجاوز الاتهام لحدوده الطبيعية ليشمل بجانب المواطنين المتهمين الوطن الذي ينتميان اليه دون قيام الادلة على هذا الاتهام او توافر مبررات منطقية عليه.
القلق الذي يسيطر علينا من هذا القرار الدولي بتعليق العقوبات وليس رفعها يأتي من احساسنا بسوء النية المبيتة لليبيا من امريكا وبريطانيا الراميتين الى مواصلة عزلها عن الاسرة الدولية حتى بعد ان استجابت لمحاكمة مواطنيها في لاهاي امام القضاء الاسكتلندي من خلال الوساطة السعودية الجنوب افريقية.
يؤكد ما نذهب اليه من قلق اعلان واشنطون عن عزمها على مواصلة العقوبات الامريكية على ليبيا حتى بعد ان ترفع الاسرة الدولية العقوبات عنها بعد تسعين يوما وبررت امريكا اصرارها على مواصلة العقوبات ضد ليبيا بتورط طرابلس في علاقات تفرض بواعث القلق الدولي حتى بعد غياب ازمة لوكاربي بمساندة الاعمال الارهابية فوق المسرح الدولي والغياب الديمقراطي فوق الارض الليبية.
هذا الجانب من التفكير الامريكي يدلل على العبث السياسي الذي تمارسه واشنطون في العلاقات الدولية بدليل الموقفين المتناقضين بين البيت الابيض الذي عبر عنه الرئيس الامريكي بل كلينتون بقوله انه سعيد بخطوة ليبيا الايجابية التي وضعت العالم على بداية طريق العدالة,,, وبين وزارة الخارجية الامريكية التي عبرت عنها وزيرة الخارجية مادلين كوربيل اولبرايت بقولها لا نستطيع ان ننساق في الثقة بليبيا في ظل مسلكها السياسي الذي يفرض الريبة في طرابلس حتى بعد ان قامت بتسليم المتهمين بتفجير الطائرة الامريكية فوق القرية الاسكتلندية لوكاربي الموقف البريطاني لا يختلف كثيرا عن الموقف الامريكي فرئيس الوزارة توني بلير يعبر بوضوح عن قلقه من عودة ليبيا الى التعامل الطبيعي مع العالم في الوقت الذي تكن فيه العداء للفكر الحضاري الغربي في الوقت الذي نسمع فيه وزير خارجيته روبن كوك يقول بان تسليم المشتبه فيهما الى الامم المتحدة تمهيدا لمحاكتهما في لاهاي امام القضاء الاسكتلندي يمثل لحظة تاريخية مهمة في العلاقات الدولية لانها تنهي الجمود الدبلوماسي بين ليبيا والعالم طوال العشر سنوات الماضية.
التزام واشنطون ولندن بخط سياسي واضح في علاقاتهما الدولية يجعلنا نقرر بان هذا التناقض في المواقف بداخلهما لم يأت بمحض الصدفة وانما جاء بتنسيق محكم بين البيت الابيض والخارجية الامريكية وبين رئاسة الوزارة في داونج ستريت والخارجية البريطانية ليكون للموقفين المتناقضين في واشنطون ولندن دلالاتهما على المسرح الدولي بتأمين التسليم للمتهمين من قبل ليبيا للعدالة الدولية والتخطيط في نفس الوقت لمواصلة العقوبات المفروضة على طرابلس ولكن هذين الموقفين الامريكي والبريطاني المعاديين لليبيا وانعكاسهما على قرار مجلس الامن بتعليق العقوبات وليس رفعها لم تلتزم به دول الوحدة الاوروبية التي اعلنت بانها اصبحت غير معنية بالحظر الدولي المفروض على ليبيا بعد وصول عبدالباسط المقرحي والامين خليفة فحيمه الى مطار فالكينبورج العسكري في لاهاي لان ذلك يلغي الاسباب التي كانت سببا لمقاطعة ليبيا بالقرار الدولي الصادر عن مجلس الامن وقررت دول الوحدة الاوروبية باستثناء بريطانيا اعادة التمثيل الدبلوماسي مع ليبيا وفتح كل طرق التجارة معها وكانت ايطاليا سباقة في هذا الاتجاه بحكم روابطها القديمة مع ليبيا وجاء سبقها بوصول وزير الخارجية الايطالي لامبرتو ديني يوم اول امس الاثنين الى ليبيا لينفتح الطريق مرة اخرى بين روما وطرابلس لتسير عليه كل سبل التعاون بين البلدين وتأخذ العلاقة بينهما وضعها الطبيعي في ثوبها الدبلوماسي الرسمي وفي ثوبها الاقتصادي التجاري.
نعتقد ان العالم كله باستثناء امريكا وبريطانيا سيفتح طرق العلاقات الطبيعية مع ليبيا بعد ان قبلت بمنطق العدالة تحت المظلة الدولية التي قد تدين المتهمين بالجرم المرتكب او تبرئتهما منه وفي كلتا الحالتين فان ذلك لا يمس ليبيا من قريب او بعيد وهي حقيقة تدركها واشنطون ولندن ولذلك سعتا لتبرير استمرار مقاطعتهما لليبيا ما اطلق عليه بلسان امريكا (بواعث القلق الاخرى الليبية) التي تدور حول دعم الارهاب الدولي وعدم الالتزام بالنهج الديمقراطي في الحكم مما يغيب العدالة عن ليبيا في علاقتها الدولية ومسلكها الداخلي.
التهمة التي ترفعها واشنطون ضد الدول بالارهاب تتناسى بعمد حقيقة ثابتة تؤكد بان الارهاب صناعة امريكية تجلت معالمها في علاقاتها بين الدول المختلفة بتصدير هذه البضاعة الارهابية لها بجندها الذين ارسلتهم الى فيتنام وبدعمها الاعمى للصهيونية في منطقة الشرق الاوسط وبتدخلها في خصوصيات الدول تحت مظلة حماية حقوق الانسان وضرورة الاخذ بمفاهيم الديمقراطية الغربية في الممارسة السياسية.
اذا نظرنا بتجرد وموضوعية لوجدنا امريكا معقلا من معاقل انتهاك حقوق الانسان في داخلها بعزل الهنود الحمر اهل الارض الاصليين عن معطيات الحضارة التي ينعم بها غيرهم من المواطنين وذلك بعزلهم في مستعمرات مغلقة عليهم اقل ما توصف به انها زرائب انسانية.
والديمقراطية التي تتشدق بها امريكا امام العالم وتطالب بتطبيقها في دول العالم الثالث هي في حقيقتها غائبة بديكتاتورية الدهلزة الصهيونية التي حولت القادة السياسيين فيها الى دمى تحركها الصهيونية في الاتجاهات التي تريدها حتى اصبح القرار السياسي الامريكي يخدم اسرائيل معقل الصهيونية اكثر من خدمته لمصالح الوطن الامريكي.
وامريكا بهذا الفهم الخاطىء للارهاب بخلط الكفاح الوطني بالعمل الاجرامي وادعاء الديمقراطية في ظل الديكتاتورية الصهيونية داخل البنيان السياسي الامريكي يجعلنا نرفض الصاق تهمة الارهاب بالدولة في ظل المفهوم الامريكي لمعنى الارهاب ونرفض في ذات الوقت الديمقراطية الغربية لان العدالة تنبع من الممارسة الحقيقية للديمقراطية المستندة الى واقع المجتمع الذي تعيش فيه مما يجعل زرعها في الاجسام الدولية المختلفة غير مجدٍ لعجزها عن التطبع مع واقع الحال القائم في تلك المجتمعات.
بهذه المناسبة القائمة برفع الحظر عن ليبيا نطالب الاسرة الدولية التي تحدد بدقة الارهاب لنفصل بينه وبين الكفاح الوطني خصوصا وان الارهاب جرم تعاقب عليه القوانين والكفاح الوطني عمل مقدس مشروع لانه مرتبط بحماية النفس والوطن ونطالب في نفس الوقت بترسيخ مفهوم الديمقراطية القائم على اساس حكم الشعب للشعب لصالح الشعب ويترك تطبيق هذا الفهم الديمقراطي للدول وفق المعطيات السياسية القائمة في كل وطن على حدة.
هذا المطلب ليس بالقضية الجديدة او الفريدة لان التطبيقات الديمقراطية متباينة بين الدول الغربية نفسها على الرغم من اتفاقها جميعا على الفهم الديمقراطي ولا نجد ما يمنع من التطبيق المتعدد للديمقراطية في الدول غير الغربية بما يتلاءم مع المعطيات السياسية القائمة في مختلف تلك الاوطان.
ادعو في النهاية مجلس الامن ان يصدر قرارا برفع العقوبات عن ليبيا حتى ولو كرهت ذلك واشنطون ولندن لان العدالة في ثوبها الدولي تتطلب الالتزام بالتعهدات التي الزمت الاسرة الدولية نفسها بها وهي رفع العقوبة عن ليبيا بعد زوال مسببات قيامها وبدون هذا القرار يتحول مجلس الامن الى سلطة ارهابية تمارس ديكتاتورية جماعية علىالعالم ويفقد بذلك ما تبقى له من ثقة الدول فيه بسبب فقدانه لمصداقيته.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved