العيد عليكم مبارك وعساكم من عواده.
وادعو الله ان يبلغكم امنياتكم في العيد القادم فتتقلص ساعات انتظاركم دخول الإنترنت الى ساعتين فقط, قل امين.
اما انا فقد قررت بمناسبة العيد ان انحرف عن عاداتي القديمة في الخوض في مشاكل خلق الله وفي قلقهم ووساوسهم.
اريد ان ابعد عن الاكتئاب لاتحدث عن امرأة مدهشة.
ولا ادري من اين ابدأ دهشتي التي تتجدد كلما زرت القصيم او سمعت عن انجاز جديد للأميرة نورة بنت محمد, رغم انني اشعر بالتقصير لانني لم اتناول نورة كحالة دراسة تطرح مدى قدرة الانسان المستمرة على التطور لكي يحقق قدراته كحقيقة واقعة,, او القدرة على اثبات الذات كما يسميها مازلو عالم النفس الذي لم يهتم بالمرضى بل بالاصحاء الذين تفوقوا في اثبات ذواتهم وتجاوز الأنا حتى الفناء في العمل الجمعي والشعبي لأجل الناس لا لأجل الأنا, اما ما منعني عن ذلك فهو بصراحة ثلاثة اسباب اريد ان اشرككم بها.
أولاً: كمية الاستخفاف التي املكها نحو كتاب وكاتبات الزوايا لدينا ممن تتورم زواياهم بشطحات شخصية والمديح لمن هب ودب والنواح على الاقارب من ام زوجة الخال التي رحمها الله فجأة الى عم زوج الخالة الذي دهسته سيارة وقد كان - رحمه الله - نعم المربي الفاضل للكاتب ولاخوته.
ولكن ما ذنب القارىء واخوته؟.
اما السبب الثاني فهو انني لا اتقن الحديث عن الجودة قدر الحديث عن العطب, وهذا عيب يشترك به السيكولوجيون عموماً وقد دربت عيناهم على ان تلتقط المرض.
اما السبب الثالث فهو ان نورة صديقة قديمة وقد يقال ان شهادتي لها مجروحة, ولكن جنادرية هذا العام لن تترك مكاناً للجرح في هذه الشهادة.
فمنذ يومين كنت مع مجموعة من صديقاتي في حديث عن التراث حين انتهينا الى استنتاج عجيب: لقد عرفنا القصيم من خلال نورة وليس من خلال اهالينا,, ذلك لأن ذاكرة الأهل جزئية ومتحيزة كعادة الذاكرة لدى البشر اما ما قدمته فعاليات جناح القصيم في الجنادريات فهو صورة علمية مزركشة بالشعر لما عاش فيه اجدادنا سواء من بقي في القصيم او من نزح.
واعتقد ان هذا التركيز على ابراز تراث المناطق عموماً فكرة رائعة نحو الوحدة والانتماء, فالمعرفة بالماضي وبالتراث وليس مثل المعرفة من قوة ترسخ الانتماء وتحقق توازن الشخصية من خلال ترسيخ الهوية, هذا ما يؤكده علم النفس حالياً وتجاهل على عكس الدعوة التي سادت العالم في الستينيات والتي تدعو الى الوحدة بين الناس من خلال الغاء الفروقات الثقافية والعرقية بينهم, وبمرور الزمن اكتشف الناس بانها ليست الا دعوة ببغائية دعائية لا تلمس عمق الانسان بقدر اهتمامها بالاغاني العاطفية حول وحدة العالم الذي صار يتفجر باحثاً عن هوية, والهوية ليست في ان تعرف الجميل فقط بل نتعرف على كل ما في السلة الثقافية من جيد ورديء.
لذا اقترح الاكثار من الفعاليات التي تؤكد على خصوصية المناطق المختلفة لكي يتعرف اطفالنا على تراث اجدادهم لأن ذلك يساعدهم على ترسيخ الهوية من خلال الانتماء الى تراثهم الجانبي ومن ثم الى انفسهم، الأمر الذي يشكل الخطوة الاولى للانتماء الى الوطن وليس العكس.
فانت لا يمكن ان تنتم الى شيء ان لم تنتم الى نفسك اولاً.
وقد كنا نتحدث عن الاهتمام الرائع من قبل امارة القصيم بثقافة جانبية لم تحظ قبلاً بما تستحقه، فالامارة مهتمة بجمع تراث العقيلات الأمر الذي لم يسلط عليه ما يكفي من الضوء قبل هذه اللفتة الرائعة, واقول بثقة بأننا سوف نخرج من ذلك بكم هائل من المعرفة الانسانية, فقد كان لهذه الطاقات البشرية التي غادرت القصيم على فترات متفاوتة قصص وروايات بعضها يصلح لافلام الرعب والمغامرات وبعضها يصلح لافلام الرومانس.
والبعض يصلح امسيات للشعر في عيون اخرى.
د, هناء المطلق