Sunday 4th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأحد 18 ذو الحجة


تحولات الأثر,,لغة الرؤيا,.
قراءة مختلفة للمجهول,,1-2
غالية خوجة

تضمن العدد التاسع من مجلة قوافل أربع قصص هي (الحسناء) للكاتب محمد حمد الصويغ وكويني للكاتبة شريفة الشملان و(خرائط) للكاتب عبد الحفيظ الشمري و(اعتقال ضفيرة) للكاتبة ندى الطاسان كما تضمن قصائد للشعراء (عبد الرحمن بوعلي/ عصام ترشحاني/ طلعت سقيرق/ فادي الخلف).
وما بين القصة والشعر نلمح اساليب اختلفت من حيث الكشف والتغلغل في الغياب واللغة لكنها ائتلفت في روح الابداع لتفني مثاقفة اللحظة الكاتبة بالنور.
في هذه القراءة سنحاور النصوص القصصية والشعرية من خلال استبطانها والانطلاق من جوف فضاءاتها المختلفة القابلة للانبجاس والتحول والحركة التي بالتالي تحاورنا.
(1)
احتمالية الرؤية/ محاولة المختلف:
تسعى القصة المعاصرة الى حداثتها مطورة بذلك بنيتها الكلية من حيث حركية الشكل والمضمون المنتجة لعلائق فنية جديدة بين مساحات الدال والدلالة والمدلول, وما هذه الدينامية سوى عملية التفاعل والمفاعلة بين ملامح الحلم واللغة والعالمين الذاتي والموضوعي, عملية تتنامى بقدر ما تخلق من صراع بين الملامح والعلائق والحركية، يمكننا تتبعها من خلال الآثار الحاملة - الجسد النصي كونها آثارا ثابتة تحمل الآثار المتحركة، اي الاثار الداخلية المحمولة عليها، والمشكلة كخلفية فضائية للعمل القصصي تتناسب طرداً مع ظاهره,, وبالضرورة تلك الآثار بنوعيها تمثل طاقة المبدع ومدى سيطرته على ادواته الابداعية.
وعلى هذه الرؤية سأناقش اشارات القصص الوامضة بالانسانية والمضيئة لحالات اجتماعية واقتصادية ووطنية.
(1) قصة (الحسناء) للكاتب محمد حمد الصويغ :
تبتدىء القصة بفعل قولٍ ماضٍ (وقالت زوجه) لتسرد لنا تقاطعات زمكانية ونفسية برز فيها الحوار كبعد من خلاله ولد الكاتب الصويغ حيزاً اسقاطياً للخطتين، لحظة الحاضر ولحظة الماضي مشكلاً منهما هدفاً قابلاً للديمومة وذلك لان القصة تشير الى التسامي والخروج عن المصالح المتضاربة والفانية نهاية.
ينسج الكاتب قصة داخل قصة وذلك عبر اسقاط مكان القول الأول (وقالت زوجه) على زمانية سابقة ظهرت كذاكرة حكائية: (اذكر عندما كنت في العاشرة انني قرأت مجموعة اقاصيص هندية قصيرة مترجمة الى العربية,, كان عنوانها المدينة المسحورة اعجبتني قصة جاءت في منتصف المجموعة هي الحسناء والدجاجة ,,).
وحول هذه الذاكرة الحكائية تمركزت القصة الثالثة المرموزة بين الأمكنة:
- مكان القول: كحيِّز تتداعى عبره الاحداث الناتجة عن الحوار.
- المدينة المسحورة: كمدلولات على الواقع الحياتي المزيف.
- الهند/ بومباي/ شارع فارس: كمكان واقعي تشابكت من خلاله علائق القص، وشكل المكان الاساسي للذاكرة وللحياة بالقصة ومن هذا المكان كحيز ظاهر ومتضمن للمكانين السابقين، نستشف حركية اللحظة الكاتبة وقد احالت الى انقسامات الذوات واختلاف مصالحها، فالحوار الذي يبدأ بين الزوجين يحيلنا الى حوار يجري في القصة المقترعة من القصة الاولى حوار يشكل ابعاد المنطقة المحيطة بالشخوص (النادل والأشخاص الأربعة) ويكشف عن نوايا الشخصيات من خلال رمز بسيط (الدجاجة) وكيفية اقتسامها والصراع الذي لخصه المشهد السردي التالي:
(ويبدأ الأربعة في شجار حاد حول قسمة يرضى بها الجميع,, الرابع غير راضٍ بالقسمة,, والثالث يساوره الشك في عدالتها,, اما الأول والثاني فهمهما الخلاص من صاحبيهما لينفردا بالدجاجة).
وبينما تكتمل درامية اللحظة الصراعية في النوايا,, يتدخل النادل كشخصية اظهر بها الكاتب رمزه الحسناء كرمز ينعطف بعناصر القصة الى لحظة دهشتها,, وبؤرة احتمالها والى ابعادها الاخرى,, والتي من خلالها يتم استلاب المتنازع عليه (الدجاجة) وتأويلاتها = الاشياء/ المراكز/ المصالح، ورغم بساطة القصة الا ان علائقها القائمة على تلك الاسقاطات حققت تركيبة على صعيد الآثار المتحولة للحدث بحيث ساعدت على تصعيده كإشارات من داخل النص القصصي ودرجته عبر شكل تناسب مع العناصر الاخرى التي ارادها الكاتب جاعلاً من القصة حالة مرتدة الى الخلف بحيث انها تقدم في النهاية حكمة - هدفاً - مغزى.
(2) قصة (كويني) للكاتبة شريفة الشملان :
قصة جعلت الواقع ارضية لتحولات الكوامن النفسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية وعندما ادخلت عليه تقاطعات شعرية من قصيدة السياب وتقاطعات اسطورية اسطورة الأرواح السومرية فانها نقلته الى ما فوقه (ما فوق الواقع) وذلك من خلال شبكية عميقة شكلت العلامة الحكائية التي وزعت عبرها الكاتبة الشملان ملامح الحلم والرؤيا وإسقاطاتها المختلفة حيث نرى تنوعاً احتمالياً اشارياً أحر في دينامية القص وجدل ابعادها في روح النص المتأرقة بالضدية (الحياة/ الولادة/ موت الأجنة والاستشهاد).
وحين نحلل هذه الروح فاننا نتبين آثارها من ظهورات عدة جسدتها الدوال واحالتها على حركة المدلولات فالظهور المكاني لعناصر القص انبث من خلال اشارتين تقابلت بينهما جدلية العدم والوجود: 1 - جيكور: كمدينة راصدة لحركة الاشياء المنطلقة منها, وقد اشارت اليها القاصة حين كانت تصف عيون اخوات كويني السبع مضيفة الى وصفها مطلع انشودة المطر : (واحياناً تركن بخضار عجيب وكأن شاعر مدينتهن وصفهن بقوله: عيناك غابتا نخيل ساعة السحر,,).
2 - رحم الأم كحيز ينعكس منه الموت على اجنة ثلاثة سقط اولها في الشهر الخامس وثانيها اكمل التسعة اشهر لكنه ولد ميتاً، وثالثها اسقط في الشهر الخامس وعندما نطحها تيس الجيران بعد ما دخل فجأة بيتها ثلاثة اجنة ذكور بعد سبع بنات، وقبل ولادة كويني الذي نصحتها باسمه الغريب (والذي يعني الخيش) احدى جاراتها وذلك كي لا يعرف الموت طريقه اليه.
وهكذا فإن اشكالية الاسم ودلالاته هي المفتاح الى تحول الأحداث النابعة من دواخل امرأة ترغب بولد فتتوالى الاحداث ضمن زمانية افقية تتوالى عبر ذاتين: الذات الساردة المرتكزة الى الاسم والمتمثلة بانا الكاتبة والذات المسرودة المرتكزة الى شخصية المرأة الاساسية والمنعكسة من خلال معاناتها كمحور دارت حوله القصة.
اما ما بين الذات الساردة والمسرودة فتشف لنا تقاطعات اللحظة المتصارعة من ايحاءات الموت وما بعدها كتوتر فجوي عبرته الاحداث الى النص.
1 - موت والدها يؤدي الى موت الجنين في شهره الخامس.
2 - موت الجنين بعد الولادة كحدث لاحق على الموت السابق، واشارة الى ايفاء نذرها (صوم شهر واطعام فقراء المدينة خبز تنوّرها) لأن الجنين الميت كان صبياً.
3 - وهي المرحلة التالية لموت الجنين الثالث، اي ربط الموت والحياة من خلال (الاسم) كرمز كثفت بوساطته الكاتبة تطورات الايحاءات الاخرى وانعطفت بها الى تداخلات راغبة بتجاوز الموت متوسلة في ذلك احالة الدلالة من ثباتها الموضوعي الاجتماعي الى لاثباتها الحلمي المونولوجي المضاء بتداخلات الأسطورة، وما بين الثبات واللاثبات تسرد الكاتبة نمو الولد الوحيد ورعاية امه له وخوفها وحرصها الشديدين عليه وذلك عن طريق ثلاث نقاط زمنية متتابعة (كبر كويني صار عمره اربع سنوات تخاف عليه من الختان/ صار في السابعة حان وقت الذهاب الى المدرسة، استلم كويني اوراق الجندية).
ومن النقطة الزمنية الثالثة تبدأ دلالات الموت - الشهادة بالظهور وتحديداً من لحظة وصف الجهات كمكانية اختلفت مدلولات تلاوينها تبعاً لإسقاطها من المونولوج على العالم فبعد تجنيد كويني ترتجف حالة الأم النفسية على النص: (تجبرت بالله واعتصمت بآياته تتلوها ليل نهار، ان يبعد كويني عن الجهة الشرقية,, راحت تنذر النذور للرحمن قعود موسم ان سلم كويني وقفت النار شرقاً وعاد للسماء صفاؤها عدا اللون الوردي الذي اعتادوه جنوباً,, اوفت ام كويني بنذرها,,) فمن تلاقي الجهات بين (النار ولون السماء ولون الجنوب الوردي) تنتج دلالات لا تكتمل ظلالها الا عندما يدخل الزمن النذير (وكان يوم غاب به القمر,, اخذ كويني,,) زمن النواة المتشظية على هيئة الموت، لكنها الصاعدة من لحظات الغامض المتمركزة بين دلالات الفعلين (غاب/ أخذ) كدلالات منزلقة الى اللااتجاه - اللامعلوم، والمتوترة كحدث انفجر من الاحداث السابقة، لكن هوامشه ستفترع الى اطياف حيرة تلقي مفاعلتها بين لحظة الدواخل والرحمية (الآم) كصلصال اول وبين لحظة الوطن كصلصال بدئي:
(صعدت امه للسطح ازالت غطاء رأسها، جرت جديلتها وفتحت جيبها بكت مر البكاء ودعت ربها ان يعيد لها ابنها سالماً، نذرت ان تذبح كل ما تملك من بط ووز، ان تبيع خواتمها والدبوس الذهبي في شيلتها وتتصدق بثمنها عندما يعود كويني ) تضحية الأم يجسدها الابن من خلال لحظته المجهولة اللحظة متعددة الاستشهاد والعائدة على ظلال الجهات الملونة، كمكانية ارتبطت مع مدلولات الغوص نحو الزمن النواة (النار شرقا),, ونحو جهات الحيرة: (ومثلما احار الكثيرون في لفظ اسمه حاروا في مماته بعضهم قال انه مات اثناء الانسحاب)/ (البعض الآخر يقول انه مات عطشاً وبرداً,,)/ (وبعضهم يقول ان جرافات كبيرة اكبر من ان تؤثر بها بنادقهم الهزيلة جرفت عليهم الرمل احياء,, فماتوا وطمروا للابد,,).
من خلال حركة الحدث هذه وصلت اللحظة القصصية ذروتها حين راكمتها القاصة في لحظة الأرواح الظاهرة والمختفية في النهر وذلك كاحالة الى الاسطورة حققها التداخل المتهامس بين الحالة وانعكاساتها مما اغنى البنية القصصية بمدار حلمي انكشف عن فضاء يرغب في الاتساع (ساعاتهم لم تصل لذويهم ولا بقايا اشيائهم، ولا كلمات بالصدر لم تنطلق ولكن وصلت ريح سموم محملة بأرواحهم,, ام كويني,, تملأ شوارع المدينة العتيقة لوعة ونداء تسير الى النهر الكبير,, تهمس للضفادع والطحالب بسؤال مر (أرأيتم كويني؟),, عندما لا تجاب عليه,, تجمع الطمي تضعه على رأسها وتصرخ صرخات تشق الأفق,, الذي يعرفها يبكي لحالها ومن لا يعرفها يعجب لهذه المجنونة التي تبكي من اجل خُييشة,)
فلولا الحركية المتوارية بين ذاكرة النص المتعالقة بتداخل شعري واسطوري وبين دلالات الزمكانية الحلمية المسقطة على عناصر القصة، لغاب الحدث الأم ولغابت تناسلاته التي صعدت درامية الظلال ذلك لأن شكل المضمون كان أعمق من شكل الكتابة الذي اقترب من اللغة الواقعية، اذاً التنامي انفجر في الداخل وسرب نصفه الى جسد النص، محتفظاً بنصفه الآخر في الداخل,, فلو كثفت الكاتبة الشملان دوالها بحركية اكثر وابتعدت عن العامية رغم توظيفها لأغنية ناظم الغزالي الا انني شعرت بحضورها كهوة داخل عمل قصصي كهذا, وانوه الى وجود خطأين لغويين اتمنى ان يكونا طباعياً (بعد ان مات ابوها فبكت عليه بكاء مر) الصحيح بكاءً مراً، وايضاً (فكان ان سقط الجنين اذا به ولد) يفضل ان تضيف (فاءً) او (واواً) على اذا لتتناسب الصياغة دون نشاز (فإذا) او (وإذا).
(3): (خرائط) قصة الكاتب عبد الحفيظ الشمري:
تعددت مدلولات العنوان لتنفجر منها القصة، على زمكانية لغوية كانت الارضية للغة تلك المداليل التي انفرزت منها لحظة الباطن الرافضة للزمكانية الواقعية، ولحظة الواقع المنسوجة بين الحلم وسخريته واحتمالات اللحظة الباطنة.
فالعنوان - الرمز اتى كبؤرة لانبثاق الزمن والحدث والمكان تناظره بؤرة الخارطة النفسية الشافة من مرايا الخارطة الجغرافية (لم يعد هذا الكم الهائل من الخرائط,, المعلق منها والمطوي مثيراً,, نشيطاً في ايقاظ اسئلتي عن هذا اللون الأزرق وذاك الاصفر,, والداكن,, والمساحات الخضراء, لكن امراً مشوهاً يبقى لدي,, كيف للخرائط ان تجمع هذا العالم وتطويه في اعطافها,, امتثالاً لمطلب المعلم وقفنا صغاراً صفاً واحداً على شكل قوس,, رؤوسنا مرفوعة قليلاً إلى الامام,, نحو الخريطة القديمة تلك التي يعلوها الغبار,, ندهش لقدمها).
بعد هذا الانبثاق ظهرت لحظة التحويل متفاعلة مع الحركة اللونية لايماءات الخارطتين (النفسية/ الجغرافية) وسبغة على الخارطة الثانية (الجغرافية) لغة الحياة، وذلك عن طريق وصف تداخل مع تداعيات اللون والقلق الحدودي، احيا بدوره الاجزاء الميتة من العالم كطرف موضوعي بعثه التطواف الذهني من بعثرة اللاواعية على اسئلة المونولوج وكذلك كفضاء فراغي حكم النص القصصي ووهج اشاراته المتحركة: (خارطة الجغرافية مشنوقة امامنا على الجدار,, اذا هي حل لتطواف اذهاننا بالقلق المدروس والاسئلة عن اصفرار، وازرقاق وخضرة ضاربة,, واخرى فاتحة الألوان,, تلك هي البحار,, والمحيطات والخلجان، نهر وحيد يتلوى,, أودية فارغة,, ورمل عاصف مميت يوحي بالكآبة,, وطبقة ملونة بخضرة فاقعة، قال عنها: إنها المراعي الخضراء,, والسهول,, بل إن الجليد أبيض ناصع لا نعرفه,)
نتبين من حواس الألوان، حاسة التأمل المتغلغلة الى لحظات الواقع الثابتة على الخارطة والمتحركة في ذات الكاتب الذي استخدم طاقته الابداعية في سبر أعماق الألوان واقتراف اختلافها بين الرموز العديدة (البحر/ النهايات/ الرمال/ الأودية/ النهر/ الخضرة/ الخلجان)، حيث تكاشفنا الاحتمالية بفضاءين انكسر فيهما الوجود، الأول فضاء الرموز، والثاني حركتها المتوازنة بين (التيه/ الحدود/ التناثر/ التواءات الفراغ/ الخصب - الآتي/ الانبعاث/ الوصول)، فما بين الرموز وحركتها نجد دلالات تقابلية تقاطعت لتختزل حاسة الرؤية الكاشفة عن معتم الموجودات بشكل إيحائي (البحر/ التيه)/ (النهايات/ الحدود)/ (الرمال/ التناثر)/ (الأودية/ التواءات الفراغ)/ (النهر/ الخصب - الآتي)/ الخضرة/ الانبعاث)/ (الخلجان/ الوصول)، ويبقى (الجليد الناصع) كحالة تستدرج فقدانها بين المستحيل والحلم والطيور والنقاء الانساني والسلام,, ومن هذا الرمز الجليدي - المفقود، تبتعد الخارطة المهجاة عن نفسها لتظهر بتحولٍ آخر تمحور حول أشكالٍ ثلاثة: (القوس/ كروية الأرض/ الأرض المربعة على الورق) بحيث تتناصر المفارقة بين صف الطلاب المقوّس، وبين شكلي الأرض المنبسطين على مكانين اختلفت زاوية الرؤية إليهما، حيث المسافة المضاءة بين الاشكال هي دلالة قابلة للالتحام، والتحول من منحنى الحيرة والاستفهام (اصطفاف الطلاب بشكل مقوس)، الى تأويلات المربع الجهاتية، الرامزة الى اربع الرياح والتحول، ثم إلى كروية الصلصال، أي إحالة مضمرة على دائرة الخلق والتكوين والتشكل، كما انها إحالة إلى الترابط مع حواس الرموز السابقة (البحر/ النهايات/ الرمال/,,,) وذلك كمتاهة ضاعت بين رموزها الجبال - القوة - الحياة - وتسمر فيها السكون الابدي - الموت، كصخور اشارت الى قبور الأجداد : (عنق تلميذ في الصف يمتد قليلا ليسأل عن لون داكن يحاذي زرقة البحار,, ما هو يا أستاذ,! (,,,) السلاسل الجبلية تلك التي,, وصمت,,)/ (رفعت سبابة معقوفة بذل,, لأسأل عن أحجار صفت بعناية, قال: قبور الأجداد,, العظماء,, والقادة,,).
وما بين الأجداد (القبور)، الحياة (الجبال الغائبة) تلمع الذات كسؤال انفصل عن السكون الى تحد للخرائط المسخور منها: (لذت بصمت,, وابتلعت معه سؤالا بحجم هواء الفصل,, لتلوكه ذاتي,, أللخرائط قدرة في تصوير قبورنا,,؟!,, وما يدريك لعلي أرى نصل سيف جدي,,؟ وغدارته، وبقايا حصون أوت إليها النساء منذ زمن,,؟!)
حاولت الرموز التحاور نافية المعلم الى حيز سلبي يدل على خوائه العلمي والمعرفي والجغرافي والتاريخي والتراثي، وما المعلم إلا رمز عن المحيط الخانع المحدد والمؤطر بينه كمسافة دلالية جسدت الخارطة كنقطة ارتكز عليها القاص (الشمري) ليحيلنا الى إصرار الواقع على لحظته وأمكنته: (وقف عند تعرجات خطوط سوداء,, متعرجة,, قطب حاجبيه وأشار إليها وبصرامة واصفا إياها بالحدود).
عرض القاص خفايا الوطن العربي، مرمزا ذلك بدرامية متصارعة شملت المختلف، وناورت عليه هناك,, في مخيلة القصة المنقسمة شكلا الى ثلاثة مشاهد، ضمها النزاع المتضاد ولغة المجهول ودائرة التيه، والارتداد الزمني المترامي بين الدلالات والظاهر على جسد النص كخلفية ربطت غبار الماضي، مع المستمر من الحاضر، والمنفلت نحو الضباب,, (إذ للخرائط لغة تتجمع فيها مجاهل الماضي، وخوف استاذنا من عناء لوحته القديمة تلك التي تصنع لنا غبارا تفركه راحتا المستحيل ليتطاير على وجوهنا، وفوق رؤوسنا).
ايماءة تطالب بتغيير خريطة العالم بما يتناسب مع الحضارة، تغيير اصاب القصة فجعلها متواشجة ومتنامية ومتراكمة هناك,, كأنها تحاول اللانهائي,, وتكتب احتمالاتها,, تاركة للقارئ استفهامات قد لا تبقى في الداخل، او المجهول، أو المستحيل,.
(4) قصة (اعتقال ضفيرة) للكاتبة,, ندى الطاسان):
قصة اجتماعية اضاءت أحوال الأنثى من الداخل والخارج,, ملتفة حول استفهامات الطفولة كطور يستمر في البلوغ,, لكن تبقى الإشارات البريئة أسئلة متعلقة بظاهرة البلوغ دون إجابة او مساعدة أو تفهم,.
تسلل العنوان (اعتقال ضفيرة) الى تفاصيل المراحل النفسية للقصة ,, فما بين الطفولة والطفولة تتجول حالة نضوج الانثى لحظة دخولها في الاكتمال الفيزيولوجي، هي لا تدرك اضطرابات هذه الحالة، ولا تستطيع التخلص من المرحلة السابقة عليها، والمجتمع لا يراعي حساسية هذه اللحظة، وبدلا من توعيتها واستيعابها ورفد تحولاتها تلك، فإن المجتمع يفرض عليها قيوده، المبتدئة من الأسرة والمنعكسة على حالات المرأة أينما كانت (أماً/ أختاً/ زوجاً/ بنتاً,,).
كشفت ندى الطاسان , عن هذه الأبعاد في قصتها بفنية تناسبت مع البيئة كمعادل موضوعي، عرّته من خلال ظاهرة منتشرة بكثرة في مجتمعنا العربي، تحتاج إلى الوقوف عندها ومعالجتها.
ابتدأت القصة بلغة شفّت عن معاناة الواقع (فساتين صغيرة، وأثواب بريئة,, تلتصق متجمعة في دائرة توسطت الشارع الترابي الذي يشق الحارة المنسية، حيث تتعانق البيوت متجاهلة عزلة القرن العشرين,, وحضارة,, صباح الخير يا جاري، أنت في حالك وانا في حالي,,)/ (طاق طاقية,, رن رن يا جرس,, محمد راكب على الفرس,,,) حملت القصّة مدلولات مختلفة، ابتدأت بالدخول إلى عالم الطفولة، من خلال الكشف عن مآل اللحظة الاجتماعية والسعي نحو الخلاص الفردي كما يؤكد ذلك المثل الشعبي المذكور عن الجار الذي احالتنا إليه الكاتبة بعد الايماء الى نسيان العادات الاجتماعية الجميلة ولم ترتفع حدة الدرامية إلا عندما ادخلت الكاتبة لحظة المفارقة على الطفولة، وأشارت الى انقلابات الداخل لدى الطفلة نورة : (نورة من أكثر الفتيات وقوعا، لكنها دائما تقوم بسرعة وهي تنفض التراب او تمسح الطين عن وجهها ويديها وملابسها مبتسمة أو مقهقهة دون أي ألم، اما اليوم فقد عانقت دموعها والتصق جسدها بالارض، وعندما جاء محمد ليساعدها على الوقوف شاهد البقعة التي لوثت فستانها الناعم وصرخ مندهشا: - دم,, لابد أنك جرحت,,), وما بين الخوف والبكاء والرعب تتداخل الأعماق النفسية لتنعكس كالموت على الداخل,, (هاتي ملابسك سأغسلها أنا، وتعالي معي سأعطيك اشياء اخرى ترتدينها,, كبرت يا ابنتي,, صرت امرأة,, غافلها السؤال وتسلل من شفتيها المستسلمتين: إذن لن أموت,, هل سأموت؟, ضحكة امها طمأنتها، جعلتها تنسى الخوف والآلام وكل شيء,,) بعد تهدئة الأم للطفلة، تتداعى لحظات الداخل لتظهر قرب الحرية: (اصبحت امرأة تستطيع الجلوس مع أمها وصديقاتها وتشاركهن الضحكات الغريبة والهمسات الأكثر غرابة، وتستطيع الآن أن تتحدث وهي تصب الشاي لصويحبات جدتها,, وستصرخ في وجه إخوتها الصغار,,), لكن لا يستمر الحلم الطفولي في التجول داخل المدلولات، بسبب اسقاطات اللحظة المعيشة من قبل نساء أخريات تجسّدن ب(الاخت لولوة/ الام/ العمة): (اختها لولوة التي تزورهم بين حين وآخر تجرجر اطفالها وشكواها وهي تريهم آثار الضرب,, على يديها وظهرها,, قالت لها بحسرة: - يا حرام، ستنضمين الى طائفة المهمومات,, سيزوجونك مثلي,,) اما ما قالته عمتها المنزوية والمنعزلة في إحدى الغرف (كبرت إذن!,, ستلازمين المنزل مثلي), لم تسمح لها الام بعد ذلك باللعب مع اصدقائها وصديقاتها في الحارة، فانتظرت الأب كمنقذ، لكنها فوجئت وارتدت نحو استفهاماتها وانينها (لا تعرف لماذا يطالعها؟,, ولماذا يومئ لامها موافقا؟,, - لا,, لن تخرجي للعب بعد اليوم,, لكن,, رد عليها صارخا,, قلت لك لا,, ألا تفهمين,,؟)
وهكذا تحرك في هذا النص القصصي مضمون مهم، طغى على فنية القصة,, فاللغة لم تبتعد عن الواقع ولا عن العامية (روح ولد,, مابي فلوس,, مابي آكل) ربما هدفت الكاتبة إيصال اللحظة المعالجة بوضوح تام,, مما أثر على حركية القص وجعلها تقليدية,, ولن انسى الاشارة الى وجود خطأ,, ربما من الطباعة (وللتاجعيد الكثيرة المحيطة بعينيها) أي، (وللتجاعيد).
أخيرا، تنوعت قصص هذا العدد من (قوافل) وتميزت قصتا (كويني) و(خرائط),.
(2)إيماءات الأثر/ تحوّلات الصيرورة:
الشعر متغير يثبت في اللاثبات، يخطف المجاهيل، ويشع بأرواحها التي لن تنطفىء,, ولأنه كذلك فهو النور الغائب الذي يترك لنا على القصيدة آثارا تفاعلنا معه,.
فكيف تلامعت رؤى قصائد العدد، وكيف اخترقت عتمة الواعية الكونية لتكتب لا واعيتها,,؟
(1) قصيدة زمن الأحجيات
للشاعر عبدالرحمن بوعلي :
قصيدة رفضت الواقع، فأشارت الى زمكانيته المعيشة، حذفت المعتم، المرفوض، ودخلت فضاءاتها الاربعة (مدن/ شاعر/ رجل آخر/ رياح)، موزعة الحلم على الوصف، والذات على النص، والعلائق على متضادات العالمين منطلقة مرة من الذاتي الى الموضوعي، واخرى من الموضوعي الى الذاتي.
فما بين (المدن) و(الشاعر) اتضحت آثار منقسمة الى محمولين (رجل آخر/ الرياح) بينهما نثرت الذات الشاعرة أبعادها الحاملة والقابلة للقراءة ضمن متوازيين: 1- العالم الذاتي (شاعر/ رجل آخر)
2- العامل الموضوعي (مدن/رياح).
(سلبتنا الاغاني
والأماني
والرجاء
واعطت لابنائنا
في الزمان الرديء
لغة باردة,,)
مقطع من (مدن) سنشاكله مع عنوان جزئي آخر (الرياح):
(الرياح التي اشتهي
أن أزوجها كلماتي
لم تصلني
الرسائل ايضا،
لم تصلني
والقصيدة ايضا.
لم تصلني
,,, ,,.
لم يصلني,.
منك غير الحطام,)
ما بين الرياح والاستلاب، دلالات توصل ظلال الزمن الى العدم,, وفي كلتا دلالتي الريح والاستلاب صوتيات لأنين مارسته المعاني الحاملة للرؤيا,.
ف (المدن) كرمز مكاني ضاع في (الزمن - الرياح) كمسافة ضيعت بدورها (المدن), اما ناتج الضياعين فهو المترامز بين (لغة باردة) وبين حركية الفعل المنفي (لم تصلني)، واعني درامية الزمني والحلمي، حيث تتداعى اللحظة الحاضرة الى فراغين، فراغ ورث الابناء ضياع المدن وهو ما تراكم من الدلالة بين لغة النص ولغة الزمن والاستلاب (سلبتنا الاغاني/ واعطت) فرغم ظهور الدال (أعطت) كفعل نقيض للدال (سلبتنا)، إلا أنه يبتعد عن مدلولاته الى نقيضها ايضا مشكلا في المشهد الشعري صورة ضمنية لتضعيف الاستلاب، وهذا ما تؤكده العلاقة بين صفتي الزمان واللغة (الزمان الرديء / لغة باردة ) وبين النفي الذي يثبت هذه الصورة الضمنية (لم يصلني) وذلك كفراغ ثان يحيل ذواته والاغاني والقصيدة الى اللاوصول، الى اللا انتهاء، وهنا يظهر زمن الآتي المكثف في الصورة - المحور (الرياح التي اشتهي، ان أزوّجها كلماتي = لم تصلني = القصيدة= زمنية الرؤيا النابعة من هذه الصورة الى حواس كل من المدن والرياح، والمتبعثرة في انساق الشعرية الاخرى المسقطة بين (شاعر) و(رجل آخر)، حيث يكمل مشهد الشاعر لغته الواقعية الواصفة بإحالتها الى ازدواجيات الزمن الذاتي للذات وللذات الاخرى، رافضا عبرها الشاعر زمانية المكان، ومكانية الزمن (عيبه/ انه عاش في زمن الأحجيات، شاعرا/ لم يقل غير لا ثم مات).
مسافة الرفض تعادل باطراد مساحة الموت (شاعر = لا = مات)، لكننا نلمح تحولية هذه المعادلة إلى خلفية تنبسط عليها دلالات حلمية، تسحب الحلم من الرؤى لتخلفه آثاراً لمسافة لغوية، منها انبثقت حياة ظلالية مرادفة لنوعين من الموت، موت يبتعد من نفسه ليصير الروح، وموت يبتعد الى مكانه الفيزيولوجي الجسد وما بين الموت الميتافيزيقي، والفيزيقي تتوتر الرؤيا لتتهيكل في حواس الصورة الضمنية المحور: فبنى بالحروف لغات، وبنى بالاظافر صومعة، ثم مات) وجه الاثر هنا، يحمل ملامحه في نقيض الموت (لغات/ صومعة) الملامح التي التقت مع زمنية الرؤيا في الصور (الرياح التي اشتهي ان ازوجها كلماتي/ والقصيدة ايضا، لم تصلني).
اما ما تداخل من هاتين الصورتين فهو ما انفتح علينا كزمان نصي متجادل مثلت طرفيه المتضادين صوتيات العمق الظاهرة عبر الدوال (لغات/ صومعة/ كلماتي/ القصيدة) كطرف اول عكس فضاء القصيدة الآخر، و(مات) كطرف ثان اما شرر اللحظة الكاتبة والمصالح بين هذه الاضداد فتجسد ب، (لم تصلني) كعمق مضاف فتح اجنحته داخل فضاء لم يأت,, لكن ,, ما شوش من هذه الكثافة هو سردية الصور ووصف حالاتها، مما ادى الى خفوت حدة هذه الرؤيا وتوتراتها وجعلها اقرب الى التسارد، ولقد ظهر هذا الخفوت على اشده في المشهد الثاني من العنوان (رجل آخر) رغم اشارته الى فروقات الوطن العربي وتناشز لحظات هذا الوطن (هكذا,, نحن في زمن الاحجيات امة واحدة).
(2) قصائد قصيرة للشاعر عصام ترشحاني
ثلاث حالات عزفتها الرؤيا الغائرة في مجاهيل اللحظة الذاتكونية انبنت على ايماءات الاثر وعلى المدلولات المتوارية في حركية حلم لاتثبت لكنها متدرجة البياض, ففي الحالة الاولى تماوجت الابعاد الدلالية على شكل ظلال نصفها تناوب احاسيس الذات الشاعرة والذات الاخرى، ونصفها المتبقي سحب بعضه الى الواقع، ومن حركة هذين المنصفين انبثقت الحالة وكشفت عن وقعها المكاني والزمني (على ابواب حدائقه/ تغادر نحو الشارع/ حين تحس بان الشمس هناك تدور وحيدة) دوران حمل دراميته على محمولات الصور وحواس الطبيعة، وانفلات الدلالة من مألوفها (ترسمه مهجورا بين الناس ومحتميا بالوحدة والاوهام واشلاء قصائده,,) حيث الاختلاف يتناسج مغيرا شكل الهجرة والاحتماء وموترا فجوة النبض بين الذات والذات، وبين القصيدة الفجوة التي تكتسب شكلا اخر من خلال صورة جمعت امتداد الهجرة وحولته الى المناقض:
(هاهي تسحب من كفيه الخنجر.
والاوراق،
وبعض الاسماء,,،
وتعطيه رغيفا
مسكونا بالاطفال,.
وزهرة قنديل,.
قمرا,, وفراشة,,)
تتصالب اشارات الدوال ، ومن نقطة التقائها ينتج فضاء هو حيز الحاسة الرؤيوية الكامن بين:
1 - (ترسمه مهجورا بين الناس) و(تعطيه رغيفا مسكونا بالاطفال).
4 - ( اشلاء قصائده) و(زهرة قنديل، قمرا، وفراشة)
وما هذا الفضاء سوى بوح القصيدة المضاء عبر وجدانيات الرموز (زهرة قنديل/ فراشة) كرموز ظللت رمز الصورة اللاحقة (تترك بعض ملامحها المجنونة في كأس الماء,,) فعبر هذه الدرامية المترامزة ظهر البياض نافرا بخفوت لم يتوهج الا في الحالة الثانية، حيث كثف اثاره في الخافية النصية.
(هذا المأخوذ بما اكتمه
يستوقف حال قيامته،
شعري
وعليه يفتح قدرة خضرته
تترابط تداعيات الكشف في الجانب الخفي من المدلولات، وتتحرك بين الكاشف (المأخوذ) والمكشوف (بما اكتمه) وذلك كحدين للحركية الصاعدة الى جسد النص، وواعية الكلمات(يستوقف)، فرغم ما تحمله هذه الدلالة من سكون وثبات، الا انها صعدت دينامي الحدث الشعري بين (حال قيامته، شعري) كمجهول تناسبت اضاءته من قبل الصورة اللاحقة، كمرتكز لون البياض باللمح والخضرة (وعليه يفتح) وهي اشارة على انبثاق (اكتمه) الانبثاق الذي لونته مخيلة الصورة المحمولة على (قدرة خضرته) ثم تتوالى اللحظة المختزلة لتتوتر فجوة تتلامح فيها الذات كوجود متسع ضم عناصر التكوين:
(كم بخرني بالورد
وزفرني
بايادي الماء,.
القى نيزكه في قلبي وطغى).
(بخرني) رمز نتج عن الماء ليتحول الى هواء، ويبقى رهين التحول (المجنون/ الانواء) وذلك لما لهذه الدوال من تغيرات لا تعرف الاستقرار لكنها قابلة للحواس المركبة والمتفاعلة بين العناصر الاخرى (الخضرة/ الورد/ الماء) و (2) (نيزكه = النار) المتناقضة مع (3) (الظلماء)، فالعنصر الاول يرمز الى انقلابات الصلصال (الخضرة/ الورد= التراب - الانسان) (الماء) = الخصب.
من هذا التباين الاختزالي نستشف كيف اتحدت الذات بنفسها وانسجمت مع كونها تاركة للمأخوذ المسحور، دهشة التكوين التي دارت حول نفسها لتتشظّى الى محورين (الدم/ الوطن) وهذا ما أومأ اليه المقطع الثالث كحالة استدرجت حضرتها الى حلم اشتبكت فيه مدلولات (الشجر/ المطر) لتنعكس بين وقعين (يقرع الحلم/ نبض النخيل) ولترتفع الى فضاء الدم والوطن، وذلك ضمن دلالية الرؤيا المتأرجحة بين الفعل (يذرف) وبين (اجراس المطر):
(انه الآن على
مرمى الشجر
يقرع الحلم
وفي نبض النخيل
وطن يذرف الحب
واجراس المطر,,)
دلالته رؤيوية شكلت من البياض حالتها المختلفة ، والمتلاطمة على جسد القصيدة.
(3) (بطاقات) للشاعر (طلعت سقيرق):
عناوين اربعة (نهار/ النقيض/ الحياة/ أمنية) داخل الشاعر ذاته بينها ليخرج من حالاتها روح الواضح ويتركها في اول عمق للكلمات الطالعة الى شفافية الحلم وانينه في آن.
(أطير قلبي غمامة عشق
لتمطر حبا على كل دار
لعلها الزمان يعيد الامان
ويزهر في الطرقات النهار).
غنائية النبض تعالت بين الرفيف (أطير) وبين مدلولات التحول (قلبي/ غمامة) المستمرة في العبور الى ملامح فسرتها آثار (لتمطر) مشيرة الى تصحر الزمن، والى مسافته الاتية من (القلب) كاحالة على اشعاع اللحظة (يزهر/ النهار)ومفردات الخصب, اما (النقيض) فهي حالة وازت بين (البكاء/ الفرح، الابيض/ الاسود) مرتكزة على وقع (القلب والروح) ومبتعدة عن الزمكانية (يأخذني القلب في كل الجهات وتطويني الروح) ومقتربة من حاسة الانكسار المتضادة بين (اعيش لحظة البكاء والفرح) وبين (يعود القلب قتيلا وعلى باب الصدر والروح، ينقط حلما ودما وشيئا من رماد) فما بين البين هذا توترت العلائق لتكون فجوة المدلولات المحورية الناهضة من مخيلة النص الى مخيلة الصورة وذلك كحواس تأملية تكثفت بالرموز (الحلم - الرماد)، ولونت فضاءها باللا اتجاه.
اما (الحياة) و(امنية) فهما حالتان تراوحت ظلالهما بين المباشرة والالتماع فمهدت الاولى رؤى الثانية، وذلك عندما عرى الشاعر الحياة (اجمل اجمل ما في الدنيا انك تحيا) (انك تمشي,, تركض,, تحكي,, تمطر تشعل فيك هواك) وقرأ التضاد (تمطر تشعل) على انه البعد الذي اختار انعكاساته من دواخل فضائه (فيك) الى دواخل العالم ( اجمل ما في الدنيا انك تحيا)، اشارة من الذات الشاعرة على اتساع الفضاء الاخر والمترامي في عنوانه الثاني (امنية) وذلك ليحاور الانسان عبر خباياه الكامنة (يا صديقي يتسع العالم للجميع، فلماذا تدور حولي لاهثا، تحاول ان تهدم كل ما ابنيه) هل ضاقت الدنيا الى هذا الحد؟) ورغم سردية اللحظة المقروءة الا انها ترصد اليومي المعيش، والزمن المتحلل داخل النفوس كاشفة عن امكانية للتغيير تتجادل مستفهمة لتظهر في نهاية القصيدة على شكل الم محب يضم حلمه الى الآتي:
(كم اتمنى ان تكون كبيرا
ان تفهم سر الحياة
ان تكون صديقي,, ياصديقي).
(4) معلقة للغياب للشاعر (فادي الخلف):
توترت القصيدة في اللا مألوف، غابت عن الواقع لتدخل في الرؤيا ناسجة من اللاثبات (الرحيل) لحظة الكامن (السر) ولحظة الموت: (الرحيل انتقام من السر/ واذ تغربين يموت النهار) ومن هاتين اللحظتين تفتقت اللحظة الغائبة لتكون من الكامن ما يرتعش بعد الموت (تصير الخرافة بيتا من الشعر - يزحف نحو الرماد ليحفر قبرا) درامية الحواس تتصعد كفجوة اختزلت الرؤى وعكست احالاتها على مدلولات الروح الساطعة بين (الموت - القبر/ الشعر - الرماد) لما تضمه هذه الرموز من تفاصيل تؤدي الى بروز العمق - ذات الشاعر، على جسد النص كمعادلة وازت الشعر بالموت، لكنها اوحت بما وراءه مجردة المجهول من سره والآتي من الموت (ستطمره الريح بعد القصيدة) متوسلة في ذلك عودة الحيز الابيض الى فاعليه القصيدة (ستطمره) مستقبل البياض ( القصيدة) سر هذا الآتي, فرغم دلالات فعل (تطمره) الا انه الكشف يُراكب ابعاد الطمر في الصور اللاحقة ليجانس مخيلة الرحيل كحركة تستمر في اللاثبات وليس في القبر .
الرحيل:
1 - انتقام من السر
2 - اعتراف من السحب والاقحوان.
3 - ارتجاف من النور.
وبعد هذا لارتفاع الحلمي تخفت دينامية المستمر لتعود الى قاع اللحظة المستقرة (شنق الضفاف) ثم الى اللحظة المتوترة (خوف من القبل الهائجات) (وتسبيحة للجفاف).
وعن طريق تضاد الرموز (السحب/ الجفاف) ينفي الشاعر النقيض الثاني (الجفاف) موهجا الابعاد المتنامية من خلال الصورة المنفلتة من الغياب (لست السراب الذي تنزفين) والدائمة الخفق الظاهر من تراكمية المداليل على جسد الحضور المرموز له ب (حائك لخيوط العناكب) وذلك للتأكيد على النفي (لست) باشارة حملت أنا الشاعر الى مكانية لغوية، واهية وشفيفة اولا (سوى حائك لخيوط العنكبوت) ثم منطوية في حلظة من الابد، لحظة ولجت قلق الشاعر وشكلت مكانية مجردة بين الحلم والحرف (في حجرة اغلقتها الحروف الى المنتهى,,) نتراءى هذا المجرد يكور الرحيل على الرحيل، ثم يسبقه الى لامألوفه المسقط بين (المنتهى) و(الغياب)، ومن هذه المفارقة التي شكلت تفاعلية انكشاف السر (الرحيل انتقام من السر) شعّت في القصيدة دينامية الغامض، وتناسبت مع بنيتها الشاملة (قبيل الرحيل احرك معلقة للغياب).

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved