قد لا يقدر الجميع على إعمال النقد الثقافي بادوات نقد الأدب,؟ محمد العثيم |
البعض منا يخاف علينا من العين لأن الدكتور عبدالله الغذامي بيننا,, والبعض يحسد الآخرين لأنه ليس بينهم مثل الدكتور يضجر نومهم - هذا البعض الثاني بكوابيس مقلقة حول أفكاره الجديدة وبالذات النقد الثقافي,, كما هو حال بعض (ربعنا الادباء) حرجي الصدور الذين اخذت المسلمات بتلابيبهم,, والغذامي - ما شاء الله عليه لا يمكن وصفه الا بانه مفاعل فكري يمكنه اضاءة الفكر الثقافي بمليون (ميقا واط) كما يمكنه دك جبال ثقافية بتفجير واحدة فقط من فكره العادية فاذا امعنت النظر في رصيده وترسانته الدفاعية علمت انه يسكت على كثير وان ما قال لا يذكر قياسا لما لم يقله,, وعلى طريقة الرياضيين واهل الخيل اقول مرة اخرى ما شاء الله عليه فاذكروا الله - جزاكم الله خيرا - حتى لا ينتبه اهل الارض فنصاب كلنا بالعين.
اعرف ان الغذامي يكتب فكره لكي يفكر معه الناس,, وهو لا يشغل نفسه بتجريد رماحه,, لانه منشغل بعمله وطلابه ومشروعه الثقافي,, وليس من دأبه الرد حتى على اولئك الذين طاعنوه,, وهو يعرف ان كثيرا من رماح خصوم فكره لن تصيبه ولن تصيب لبان الادهم ,, كما قال: ابو الفوارس العبسي.
الداعي لهذا الكلام ما نشرته الجزيرة في العدد قبل الماضي في محاورة معه اجراها الاديب الاستاذ (احمد زين) وعجبت حقيقة لماذا يجهد الدكتور عبدالله نفسه بكل تلك الردود التفصيلية حول مشروعه في النقد الثقافي بدل النقد الادبي او الشعري مع انه ابلغنا انه اطلق رصاصة الرحمة على الشعر لانه لم يعد يأتي بجديد او بعبارة اخرى من عباراته لن يأتي بما يخترق العادي او المألوف كما انه قتل النقد لانه كما قال - وأنا أوافقه يتحول - الى تكرار لانه ليس هناك اختراق,, فالغذامي ضاق صدره بضحالة الابداع الادبي وندرته ,, والغذامي لم يرد ان يقول بصراحته انه لم يعد هناك ابداع ادبي يستدعي النقاد ليبدعوا نقدا,, واقول انا من اين نأتي بالابداع ايها الصديق ونحن مفلسون من اي اتجاه او فكر اختراقي وكل هم مفكرينا فقط التحاليل السياسية الآنية.
الغذامي وان لم يقل ذلك هو يخرج من النقد الادبي معلنا من طرف واحد موته لأن ادواته العلمية ثابتة من ايام الجرجاني وابن عساكر وحتى المناهج الحديثة ويريد حسب كلامه إعمالها في النقد الثقافي وهو رديف للظواهر,, مع ان للظواهر مناهج خاصة بها في الفلسفة المنهجية وعلم الاجتماع وقرينه المنطق الرياضي,, علم الاجتماع لكنه يريد إعمال اداة المنهج الادبي لأن هناك انفصالا بين النخب الادبية والمجتمع على عكس ما كان الامر سابقا في الخمسينات والستينات حيث كانت هناك رموز لم تتخذ لأقلامها صفة نخبوية وتقصر القراء على هذه فئة النخب الادبية؛ ولم يقل الدكتور ان المنجز (بالذات النقد) مغلق لفئة النخبة - وكنت قلت ذلك قبل سبع سنين عندما كنت أكتب بجريدة الرياض وهو لا يريد ان يعود للفيلسوف هدجر في اطروحاته الاجتماعية واتباعه ومعاصرينا من امثال عالم الاجتماع مكلوهان وتابعيه في دراسة الظواهرية الاجتماعية، كما هي اجتماعية لا من جانبها التراكمي او الطارف وغير من ذكر من أهل الظواهر لان منهجه لا يلغي الجانب الميتافيزيقي لا جانب انا والآخر والمكان والزمان ولو اني اميل الى ادراج الميتافزيق في الزمان بصفته متغيرا؛ والغذامي لاينقصه المنهج المنطقي او حتى المنطقي الرياضي لكنه يريد ان يستعمل الاداة النقدية الادبية الطيعة لنقد عادات وتقاليد وظواهر بدل تعطيلها في بلاغة الادب واستنباط المعنى وهي قريبة,, ولا يريد ايضا التعامل مع اي من الثوابت فالمقولات تتحرك في المتغيرات الاجتماعية والصرعات وبعض التراكمات التي ظنها الناس ثوابت,, فاذا هز جذوعها فزعوا لانها المؤثرة في الناس اكثر من الادب النخبوي او الطبقي.
ليس الغذامي في مقولاته باحثا عن النجومية فقد اخذ الكثير من منجزاته الادبية كأستاذ لجيل ولكن ماذا عن غيره اذا ما سعوا الى الجماهيرية عبر نجومية النقد الاجتماعي من باب جماهيرية المثقف ومنافسته للظواهر والمحدثات الثقافية الجماهيرية ونحن اهل الاعلام اقرب منه اليها ومنها نجوم الغناء والكرة والتمثيل,, لأننا في زمن التلفزيون مباريات كرة القدم والاغاني الشبابية وستكون الاكثر تداولا من عالم الادب في النقد الثقافي فهي حسب رأي الدكتور الاحرى بقراءتها وسبرها بمسابير النقد الادبي لأنها تؤثر في النفس.
الغذامي يتحدث عن الدونية ولم يشر الى ان الثقافة في السبعينات,, اعني وسطها وآخرها سلكت سلوكا سلطويا بيرجوازيا في منجزها مبعدة الناس عن ينابيعها بفرض خطاب مغلق واحسبه,, عاد مشيرا لذلك في مقال نشره الدكتور الغذامي في جريدة الحياة (الاحد 21 مارس عدد 13162) من واقع تعالي وطموح اهل الثقافة فأراد ان يسحب الهواء من بالونها لينزل لمستوى الناس العاديين,, القارىء البسيط,, ولم يتطرق الدكتور الغذامي الى اهمية بريق النخبة في المرحلة؛ ولذلك فإن مقولات مبكرة من هذا النوع تفهم على انها زعزعة للثوابت مع انها بالتأكيد ليست كذلك - هذا من ناحية - ومن ناحية اخرى فانها زعزعة لكرسي سلطات الثقافة الجامدة مما يثير حفائظها؛ لان الواقع الساكن هو خير ما يكون للثقافة الجامدة التصور في الادب والفكر ,, ومن جانب ثالث فان فئات الغاوين والمرددين والكورس والجوقات وغوغاء الضجيج الثقافي والاخيرة هي الاكثر ليست متأكدة من نفعها على اي من المدى القريب او البعيد مما يجعل اصواتها تعلو ضد اي مشروع من هذا النوع.
وصدقني ايها القارىء المحايد -كما هي حالي - اننا سنرى الكثيرين يتهافتون بمنهج او بدونه مرة على دراسة الظواهر عبر اعمدة الصحف مفتخرين بذواتهم الفكرية من اجل النجومية ,, حتى ولو كانت نهايتهم الفلسفية لا تتعدى الحكيم (وول ديورانت) والهبيز النزعة (وكولن ولسن) وهما ربما من ابسط المروجين لفلسفة يستطيع قراءتها من هم اقل حظا او المبهورون بالامثال والحكم لكونها اختزالا لعالمهم الثقافي البسيط.
ما قلته اخيرا هو مشكلتي الحقيقية مع اطروحات الدكتور الفذ عبدالله الغذامي فقد يغري سحابه باللمس حتى من لا يملك اليد الاكاديمية البارعة التي تقيس وتشرح وتستنبط المضامين,, لان الدكتور عبدالله لا يؤلف المجتمع وانما يخضع ظواهر مألوفة لمناهج متقدمة هي نفس الحالات التي رأيناها مع اكثر من دارس اكاديمي للشعر العامي لكونه قيمة اجتماعية ,, وعانينا من تسطيح الامر على يد العوام اعتقادا منهم ان احدا يريد قطع مصالحهم.
اذا ما قفز عوام الثقافة بحثا عن النجومية فسيندم الدكتور عبدالله لأن مشروعه اصبح لعبا مسلية لقاذفي كرات السيرك,.
|
|
|