Sunday 4th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأحد 18 ذو الحجة


في الريادة النقدية (1-2)
عبدالفتاح أبو مدين ناقداً
د, محمد صالح الشنطي

وناقش قضية التجديد في الشعر، وكانت له مداخله المتعددة كنقد النقد الذي ناقش من خلاله كتاب الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي الشعر والتجديد حيث اخذ على الخفاجي تعجله ومجاملته في الاحكام على هاشم الفلالي وحسين عرب ونقله عن المرصاد بلا روية، أما رأيه الخاص في التجديد فنستطيع ان نتبينه في تشجيعه بوصفه أحد القائمين على الشأن الثقافي للشعراء المجددين وعنايته بهم، وفيما كتبه عن شعر المناسبات واصفا إياه بالسطحية، وفي قوله: "إننا نفكر في التحرر من تلك القيود التي وجدنا عليها القدماء لاننا في عصر غير عصرهم وفي مجال غير مجالهم"، ويتحدث عن شعر الوجدان فلا ينكره ويرى انه تراجع في هذا العصر لأن المفكرين من الشعراء غيروا اتجاههم إلى مجال الحياة الفسيح، ونستطيع ان نتبين انه أكثر ميلا الى شعر الرؤية العميقة، فهو يصف المتنبي وأبا العلاء وابن الرومي وبشارا والشريف بأنهم هم الشعراء الحقيقيون لأن شعرهم شعر العقل والتفكير (5) ، وهو في مقالة اخرى يقول: "نحن نؤمن بالشعر الكلاسيكي لانه يخاطب القلب، ويمتاز بقوة التفكير وسمو المعاني وروعة الخيال وهدوئه,, الخ"(6) وهو وان لم ينكر الشعر الرومانسي فإنه لا يبدو متحمسا له، اما الشعر الرمزي فهو عنده خيالات وهمية وطلاسم ومعميات لا حدود لها.
** ويشير إلى آراء العديد من الكتاب والنقاد حول الشعر الامريكي المعاصر وانتفاع المهجريين به، موضحا من خلال ما يستشهد به من اقوال الشاعر عزيز اباظة ان ادباء الغرب لا ينظرون إلى الدين باحترام، وكذلك شعراء المهجر ويؤكد على لسانه انهم (أي شعراء المهجر)، لم يفتحوا آفاقا جديدة في الفن عجز عن الصعود إليها اخوانهم في لبنان ، ويستعرض آراء العديدين حول الشعر المرسل والشعر الحر، ولكنه في اعقاب ذلك كلة يرى وجوب التوسط في الامر بحيث لا تصبح الاوزان جامدة كما يريدها وردز ورث ولا تتطرق إليها الفوضى كما يبتغي كولردج، وانه من حق شعرائنا ان يجددوا ولكن بقدر وفي اناة، غير انه يعود فيقول "والشعر الحر دعوة خالية من كل معنى ولا اثر لها في مستقبل الشعر الحديث"وانه لا يجد متعة في موسيقاه، كما يقف موقف المنكر من دعوة مجمع البحور التي تتيح للشاعر ان ينظم في اكثر من بحر في القصيدة الواحدة، وهو يحاول الاستشهاد برأي جمهرة من النقاد المعاصرين كطه حسين وأنور المعداوي، وهو لا يثق كثيراً بالتحولات التي انتابت الشعر في الغرب والشرق ويرى ان الثقافة التي تغزو العالم الآن ليست ثقافة روحية فهي لا تعنى بشؤون الفكر والقلب والروح, ويفهم من ذلك كله ان الناقد يخشى من المغالاة في التجديد، ويرى في التراث ملاذاً من الانحراف إلى اتجاهات معاصرة مدمرة، وهو حذر كل الحذر من نزاعات التجديد في شعرنا العربي المعاصر (7) .
** وفي معالجته لموضوع حرية الادب والتزامه الذي طرحه عبدالعزيز الرفاعي رحمه الله للحوار، نجد أبو مدين يؤكد ان الادب مهما بدا خاليا من الالتزام مخلصا للفن المجرد فهو في الصميم منه لان منتجه لايستطيع ان يتحلل من انتمائه الى حركة الحياة وان النص السريالي او الرمزي او الفوضوي انما هو شيء خاضع لاحتياجات الحياة.
وفي إطار نقده النظري يتحدث عن فن القصة في مقالة له تحت عنوان آراء في القصة مشيرا بعد تعليقه على مقالة للمليباري تحت عنوان الرواية والاقصوصة كيف تكتبان إلى ان التقنينات التي تحدث عنها المليباري ليست قوانين مؤكدة لايمكن تجاوزها، لان القوانين تنقض وتتغير بين الحين والحين ويبدئ منها واضعوها ويعيدون كلما دعت الحاجة وأوضاع الحياة، وكلما تراكم منجز جمالي وظهرت نظرية جديدة، ويرى ان اهم العناصر التي يحتاج إليها كاتب القصة قراءة القصص التي هي دروس مفصلة ملونة لانها تصدر عن نفسيات مختلفة ومجتمعات وكذلك الثقافة العامة,, فهي شرط اساسي، ويتحدث عن علم النفس والالمام به فإن الالمام به قد لا يحتاج فيه الكاتب الى من يعينه، وقد ادرك هذه الملاحظات في معرض مناقشته لما كتبه المليباري عن قصة نشرت له.
** اما نقده للقصة فربما كان نقده لمجموعة الحفلة لباخشوين اوضح نموذج له، وهنا لابد من الاشارة إلى ان المنزع التعليمي ذاته الذي رأيناه في نقد الشعر يبرز في نقد القصة، فالكاتب يشير الى الاخطاء النحوية والاملائية، ويحصي بعضا منها على القصة الاولى فقط.
أما الجانب الجمالي في نقده لقصة باخشوين فأحسب ان ناقدنا كان فيه ابن جيله، فهو يرى في صاحب القصة كاتبا مبتدئا عليه ان يلتزم بالمفهوم الفني للقصة القصيرة التي يرى انها تفسر الاحداث التي تنمو نمواً عضويا كما ينمو الكائن الحي حسب دورة زمنية معلومة، فلا تكون هناك مفاجآت غير منتظرة إلا بقدر ما تسمح الحياة به من المفاجآت، وهي فجاءات تمثل الاستثناء ولا تمثل القاعدة، ويرى ان احداث القصة تتوالى متضاربة دون تمهيد يفسر وقوعها، وهو يتعامل مع القصة من منطلق واقعي محض فيتساءل عن سبب الانقلاب النفسي ومبرراته، ويخلص من جملة مؤاخذاته في هذا الباب إلى القول: ان المؤلف في حاجة الى دراسة قواعد القصة من ناحية، ثم قراءة فئات النماذج الناجحة لرواد هذا الفن, ويسأله ان يتدرب قبل الوثوب ولا احسبنا إلا مختلفين مع ناقدنا الرائد في هذا المجال، فالمجموعة التي قرأها لها منطلقاتها الخاصة التي لايمكن عقلها إلى المفاهيم المألوفة في انشاء القصة القصيرة، ونحن وان كنا نوافقه تماما على انتقاداته للكاتب في مجال الاخطاء النحوية والاملائية فإننا نرى في تشكيله الجمالي للرؤيا غير ما يرى فلم تعد القصة القصيرة رهينة مفاهيم المنظرين الاول بل تطورت وأصبح التشكيل الذي تنبثق من مجمل تفاصيله الرؤيا غير مرتبط بنظريات محدودة، وان عبدالله باخشوين وأضرابه من كتاب القصة القصيرة في المملكة قد قدموا ابداعات متميزة في هذا المجال، غير اننا لا نملك إلا ان نوافقه على ما ذهب إليه من ورود اخطاء لغوية عديدة لافتة للانتباه لدى باخشوين وغيره من بعض الكتاب ومنهم اعلام يشار إليهم بالبنان، وان الابداع الادبي في نهاية المطاف هو ابداع لغوي، ولابد ان تراعى فيه السلامة اللغوية، لانها اساس عمل الاديب ومادته، وان التفوق في مجال التشكيل لا يعفي الكاتب من العمل على تأسيس ثقافته اللغوية بما يضمن له عدم الوقوع في اخطاء من شأنها ان تشوه ابداعاته.
وفي مناقشته للرفاعي ينكر قوله: ان الادب فن والفن لا يعرف القيد كالحسن تماما، إذ يتساءل أبو مدين: فأي فن لا يعرف القيد؟ حتى الحسن نفسه يعرف القيد، فهو في ذلك والفن سواء، ان الحسن حر والفن حر، ولكن هذه الحرية تعرف القيد، اما ان يكون حق الادباء ان ينتجوا ماشاءوا من غير التزام اتجاه ما، فهو حق اشبه بالباطل، لانه اتجاه فوضوي لا غاية له ولا يصلح ان يكون هو غاية في نفسه.
** اما النقد التطبيقي عند أبو مدين فيمكن تصنيفه الى نقد الابداع ونقد النقد الذي يتجه إلى مراجعة بعض الكتب والدراسات النقدية: وسأبدأ بالحديث عن هذا النوع من النقد لانه اقرب إلى الجانب النظري الذي تحدثنا عنه فيما سلف، ففي حديثه عن كتاب شعراء الحجاز لعبدالسلام طاهر الساسي (8) يأخذ على الكاتب خلطه بين الكتاب والشعراء، واغفاله لبعض الشعراء الممتازين ويعدد بعضا منهم، ويناقش الاساس الذي نهض عليه الكتاب من حيث التعريف بالشعراء واختيار بعض نماذج من شعرهم، إذ لا ينبغي الحكم على من نظم قصيدة او قصيدتين او من قرض الشعر ونظم المقطوعات بانه شاعر، وركز النظر في مقدمة الشاعر حمزة شحاتة لهذا الكتاب إذ وصفها بأنها رموز ومعميات وليست ذات فائدة بالتعريف بالكتاب، وان المقدمة ليست إلا جملا انشائية تدور حول تعريف الشعر والتفريق بينه وبين النثر وتشبيهه بالغناء مرة وبالهندسة والبناء مرة اخرى, أما الجزء الخاص بنقد الاشعار التي تضمنها كتاب الساسي فسأعرض له عند حديثي عن النقد الفني لدى أبو مدين
يتبع

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved