الحب الحقيقي لاشكل له,, وهو ذاك الذي لايقبل الاهتمام بما ينتج عنه,, لان نتائجه هي حقيقته التي لاتمت لظاهره بأدنى صلة,, حقيقته معول بيدك ان تضعه تحفة ثمينة في ركن هادىء قصي في منزلك وبإمكانك ان تحمله على كتفك اداة قتال وظاهره شمعة تسمع على ضوئها اغنيات الشوارع الصاخبة او موسيقى ليل سواده اجنحة تطوف بك اجواء السماوات,.
ذلك التنافر الخفي,, الذي لاتدركه الا عين لاقطة للجمال هو سر قوته وقوت جنونه وهندامه الذي يسمع ولايرى,, فالحب في هذه الحالة لاشكل له,, يعيش في دمك ويهوى اتخاذ مقعده قرب الأذن التي تعد الحاسة الاولى لمن عرف الحب بقوتيه ظاهره وحقيقته الحب الذي يركل المعرفة,, ويصر على ان لادخل لها به,, لان المعرفة,, قادرة على تحويل مساره عن كينونته يقول,, انا فراش السماحة .
**ولعل حقيقة الحب وظاهره,, قد اخذت عندي شكل الشمعة وحجم المعول,, وكلاهما شيئان تافهان اذا ما اهملا,, لكن احدهما قابل للتشكيل بيسر بينما الآخر قادر على كسر ذلك الشكل بسهولة ومع ذلك ليس بمقدوري ان اعطي صورة دقيقة للحب الذي لاشكل له,, الحب الذي يأنف ذاك الذي يرفض نتائجه لكنني قادرة على رسم شكل نسبي قد يتناسب مع مزاجي الخاص، المزاج الفردي الذي يرفض مبدأ المعرفة ويكره الاشكال الهندسية ويحتقر الجدران حتى ولو كانت من طوبة واحدة.
**فذلك المعول المسنود على جدار الابدية,, آلة,, قديمة قدم الإنسان نفسه ومع ذلك لاتزال تتوالد وتخلق في الايدي التي تنحته وتسن حرفه ليجز شيئاً ما,, ذاك المعول معجون بدم المعرفة,, العلم,, الذي يفند لك التفاصيل,, يشعل لك المصابيح,, ويعمل كالدليل المزعج,,, فالحب في حقيقته لاشكل له,, وإذا ما أصخت لصوت المعرفة رافضاً نتائجه مؤمناً بظاهره فقط ساعتها بيدك انت تجز عنقك,, يدك,, قدمك وبالمقابل هناك فوق المناضد الموشاة بالحرير الأحمر تستقر شموع ملونة هادئة,, خافتة يميل ضوؤها مع هواء النفس الخفيف ورفة جناح الوردة,, فيما الروح الهائمة على ضوئها تضع الملايين من الصور,, من الاشكال,, من الحكايات السرية وكل يصنعها على طريقته وحده,, وبلغته وحده,, وهؤلاء هم الذين يحبون من اجل الحب نفسه,, الجوهرة الكامنة في النفس البشرية والبذرة التي تنبت نزعة الخير في المخلوق البشري,, شريطة ان يؤمنوا الايمان الكامل بنتيجة الحب,, الذي يمثل حقيقته الخفية,.
**وإذا ما حدث الايمان الكامل,, استطاعوا ان يحولوا الشموع الى زهر يضيء في شوارع مدنهم,, والمعاول المدفونة الرؤوس في الرمل الى نوافير لرذاذ يستبرد به الجسد العاشق,, تخيلوا معي مدينة بيوتها من الطين الاحمر وشوارعها مرصوفة بالحجارة الصغيرة ومضاءة الجنبات بالشموع,, ماذا يمكن ان يكون سكانها,, تلك المدينة مدينة اولئك الذين يسرقهم الاخرون علناً,, ومن هم اولئك الذين يتعرضون للسرقة العلنية دون ان يتحركوا بفزع لاهثين لاستعادة حقهم المنهوب,, انهم اولئك الذين يؤمنون بأن الحب لاشكل له,, اولئك الذين يؤمنون عن قناعة مطلقة بنتائجه ولعل قائلاً قد يقول كلنا نعشق وكلنا ذاق مرارة الحب اللذيذة وكلنا من حقه ان يسكن مدينة الشمع والرمل والحصى البارد,, نعم,, قد يصدق هذا على كل نفس بشرية,, ولكن من آمن بنتائجه التي هي حقيقته,, هو من يستحق ان تفتح له البوابات السحرية,, لان رفضها معناه ان تقطع عنقك بذاك المعول المسنود على جدار الابدية,,لأن الاكثرية لايعرفون الا ظاهر الحب وظاهره كما قلنا شمع في جردل قادر كل منا على تشكيله كيفما شاء,, اما حقيقته فإنها المعول الذي يجز العنق الذي يرفضها,, لان الحقيقة مناطها العقل والظاهر قد يتعاوره القلب والعقل معاً وان كان السبق دائماً لخفقة القلب,, لأن خفقته هي لذة الظاهر بينما حقيقته هي لذة العقل,, فإذا ما اجتمعت القوتان, لذة القلب السباقة دائماً ولذة العقل التي لايدركها معظم العشاق وغالبيتهم، مهما لهثوا في طرق الحب وبكوا وعربدوا,, ترسخ مايسمى بالحب في اسمى معانيه وصوره وعطائه التي لايبددها طول الدهر وتباريح الزمن.
**ذلك التوافق التقريبي بين روحين قام على القوتين اللتين هما المحصلة النهائية لتلك الاستمرارية المتعالية,, التي لاتصرخ هلعاً من الموت,, قدر ما تصرخ خوفاً على فقد احدى القوتين في حال اختفاء احد الطرفين لعلة من علل الدهر,.
**إذ قد ينام الحب في الصدر لكنه نوم المستبد,, وهذا ماعنيته بالتوافق التقريبي لانه من المحال ان يتطابق كائنان حد التكامل لأن الكمال في الحب صفة قد يفوز بها احدهم في النادر بينما من المحال ان تكون سمة للآخر فالتكامل مناقض للتوحد,, الذي قد يوجد في حالات خاصة ومعروفة,, وعادة ماتكون نادرة الا اذا تدخلت طرق ووسائل لعسفها,, لذلك كانت استحالة التكامل فقد يحب الانسان الواقعي الوجودي آخر,, رومنطيقياً مغالياً في رومانسيته ومغرقاً نفسه في التفاصيل الصغيرة التي لايدركها الواقعي ولاحتى يحس او يشعر بها,, لكن الرومانتيكي المؤمن بالحب لذاته,, والذي تولد في نفسه مع الوقت يهيىء لنفسه اجواءه التي يعشقها كما لوكانت زاد ذلك الحب العنيف,, وماذاك الزاد سوى التفاصيل الصغيرة جداً جداً السهلة الى حد أن الواقعي يرى انها تفاهات بينما هي العمد المتطاولة حتى السماء,, شجر الحب الذي لايموت,, الحب الذي يستمد منه الآخر,, الصدق,, الجمال,, الاستقامة,, والسحر الخفي وهنا وجه آخر لعدم التكامل,, وهو ان الواقعي يأكل من ثمر ذلك الشجر براحة لاتضاهى بينما الآخر,, يقاسي من جراء لهاثه الفطري خلف المنمنمات ووراء الفتافيت,, وحيداً,, عارياً,, لكنه مليء بالغبطة قادر على التوحد والذوبان حد التلاشي,, هناك تتمة,, لكنها تتمة تكتب,, بالعين,, وتقرأ باليد,.
|