إنه مدرس قدير ومدرس قديم ومدرس مخلص يستغل الحصة الدراسية من أولها إلى آخرها، إنه مدرس أمضى أكثر من عشرين سنة في التدريس، فمادته التي يدرسها من المواد التي تحتاج إلى تحريك الذهن والانتباه والمتابعة الدائمة خلال الحصة والشرح، فبين جودة الشرح وروعته وشدة الانتباه يخرج الطالب فاهما حاذقا لدرسه.
هذه النوعية من المدرسين تحتاج إلى تكريم, فعلى الطلاب ان يقبلوا رؤوسهم كلما رؤوهم وأما المسؤولون فعليهم تقدير واحترام واجلال مثل هؤلاء ولِمَ لا؟ فهو المدرس المخلص، تلك العملة النادرة في زمننا.
دخل هذا المدرس ذات صباح على فصله وطلابه ينتظرونه بكل شغف وحب، فهو المدرس المثالي والمدرس القدوة، ألقى عليهم تحية الاسلام ثم بدأ يكتب على السبورة عناصر الدرس والطلاب في هدوء عجيب، ثم بدأت الدراسة التي يتخللها النشاط الدؤوب المتبادل يهز أركان الفصل، وفي هذا الخضم من المعلومات المتبادلة فإذا بباب الفصل يطرق ثم يفتح ويفاجأ المدرس بأحد تلاميذه السابقين وهو واقف أمامه، فقال في نفسه يا له من طالب وفيّ وخلوق كما عرفته سابقا، جاء إلى هنا لكي يسلم علي،بل ومن حبه لي جاءني في مقر عملي بل وأثناء حصتي، يا له من طالب وفيّ فنعم الطالب ونعم الرجل، وسافرت به الذاكرة بعيدا على شاطئ الوفاء والطلاب مازال فيهم خير.
فقال الطارق: السلام عليكم يا أستاذ، ومد يده عن بعد للمدرس ليصافحه.
فقال المدرس: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلا بتلميذي السابق واني اشكرك على الزيارة اللطيفة فإني والله مغتبط بها.
فقال الطارق : عفواً يا أستاذ,, أنا موجه، أنا المشرف على مادتك، أنا في زيارة رسمية لك فجهز لي مقعداً وأكمل حصتك.
فوجئ المدرس بذلك فارتعدت فرائصه وتلعثم لسانه وتكسرت لغته وفقد معلوماته،
ماذا يرى وماذا يسمع، تلميذه بالامس والذي كان من أوسطهم علما هو اليوم موجه ومقوم ومشرف بل وناقد له، إنها مفارقات غريبة، عمري في التدريس اكثر من عمره في الحياة، فخبرته في العمل لم تتجاوز السنتين أو الثلاث على الكثير.
يا وزارة المعارف وإدارات التعليم:
ماذا يرتجى من موجه ومشرف كهذا خبرته في مجال التوجيه معدومة ويحتمل دخوله على مدرس خبرته في العمل اطول من عمره الزمني فهل يمكن ان يقدم له شيئاً يفيده في مجال عمله.
فقال المدرس في نفسه وهو ينظر إلى الموجه: طرقت ابواب المدرسة وانت لم تبلغ الحلم وها أنت الآن تطرق أبواب التوجيه وأنت لم تبلغ الحلم بعد.
محمد فنخور العبدلي
القريات