يقول المختصون في علوم التربية والإبداع بأن العملية الإبداعية كانت وما تزال إيجادا لشيء جديد أو حلا لمشكلة صعب حلها، او ابتكارا لطريقة جديدة لم تكن معروفة من قبل.
اما جيلفورد فيرى في تعريفه للإبداع بأنه يتجلى من خلال السلوك الإبداعي الذي يشمل الاختراع والتصميم والاستنباط والتأليف والتخطيط وأنه نتاج قدرات تحليلية وتوليدية تتسم بالطلاقة والمرونة.
في هذا الإطار يجيء كتاب: في الإبداع الفني للصحفي والفنان الضوئي اسماعيل الطه الصادر عن دار المعارف في حمص، وقدم له الشاعر والباحث أحمد الدريس بعد ان قام بمراجعته وتدقيقه فكريا ومنهجيا ولغويا كما يقول في معرض تقديمه للكتاب، ومما جاء في ذلك التقديم:
ان الدراسة التي بين أيدينا دراسة جادة ممنهجة اراد من خلالها الصحفي والفنان المصور الضوئي اسماعيل الطه جمع الآراء التي قيلت في ماهية الفن وتفسيره وطبيعته ووظيفته لتكون بديلا عن قراءة العشرات من المراجع التي خاضت في تلك المسائل, ص 10.
وقد قسم الكاتب بحثه هذا الى اربعة فصول حملت العناوين: الفنان ومسؤولية الفن، تفسير الإبداع الفني، معنى الفن وصلته بالحياة، صلة الفن بالوعي الإنساني.
وحين نلج الى داخل الكتاب نحاول قراءة تلك الفصول، نبدأ بفصله الأول والمعنون (الفنان ومسؤولية الفن) في هذا الفصل يرى الكاتب ان الفن هو انعكاس لضرورات نفسية تضغط على الإنسان الذي لا بد له ان يسعى لخلق توازن وتوافق مع الواقع من خلال تفريغ الدوافع المختلفة بصورة تصعيد فني يتيح له التفاعل مع الوجود واغناء الحياة, ص 15.
ويبرز من خلال ذلك العلاقة بين عمر الفن الذي يوشك أن يكون عمر الإنسان،, ويرى ان التعبير الفني هو نتاج تمازج من العمل والإرادة والخبرة والتفكير والالهام والفنان الحقيقي الذي يدرك فحوى هذا التمازج, ص16.
ويستعرض تحت عنوان (مسؤولية الفن) ان هذه المسؤولية قد تنازعتها نظريتان هما نظرية الفن للفن والفن للمجتمع ويخلص الى المسوؤلية الأهم وهي المسؤولية الاخلاقية بعد ان يناقش آراء دارسي الفن حيث هناك من يؤيد او من يعارض ولكل رأي مبرراته.
وعن الفصل الثاني وهو بعنوان (تفسير الإبداع الفني) نرى ان هنالك عنوانين يتحدث عنهما الكاتب اولهما الإبداع بين العبقرية والمرض والثاني مناهج تفسير الإبداع.
أما عن العنوان الأول فيقدم من خلاله بعض الاحصائيات التي تؤكد على العلاقة الخفية بين الاختلال العقلي والعبقرية ويعرض أيضا للرأي الآخر، والذي يؤكد ان الامراض العقلية ربما تنجم عند الإنسان لفرط عبقريته وهناك دراسات حول تلك المسألة انقسمت الى تيار يدرس العبقري في صفاته وتيار يدرس العبقري في نشاطه الإبداعي ص 29.
أما عن العنوان الثاني (مناهج تفسير الإبداع) وفيه يقدم لمنهجين: 1 منهج التحليل النفسي والذي تناول فيه: 1 منهج فرويد 2 منهج يونغ 3 منهجي ريدلي وبينيه,, ويستعرض من خلالها طريقة البحث والدراسة عن كل منهج على حدة وحين تأتي على الفصل الثالث تقرأ العنوان التالي: (معنى الفن وصلته بالحياة), اما عن معنى الفن فيعتبره صعب التفريق لأنه شكل كبير من أشكال الوعي الاجتماعي المعقد بالنظر الى ارتباط الفن بالمهارات والعادات والخبرات المتراكمة, ص45.
ثم يتابع: ان الدراسات قد حددت ثلاثة معان للفن، وهي الفن بمعنى المهارة والفن بمعنى المتعة الجمالية والفن بمعنى الإبداع,,, ثم يدرس كل معنى على حدة مستشهدا بأسماء الكتاب والفلاسفة الذين بحثوا في تلك المعاني وفي حديثه عن صلة الفن بالحياة الاجتماعية يقدم لكلتا النظريتين, 1 نظرية الفن للفن, 2 نظرية الفن في خدمة المجتمع، وما تخلل هاتين النظريتين من قضايا ودراسات وآراء لأنصار كل نظرية.
أما في فصله الرابع والأخير فاننا نرى العنوان التالي: (صلة الفن بالوعي الإنساني، الصناعة,,، الموهبة, العلم,, الاخلاق,, السياسة,, وفيه يدرس تلك الصلة التي تربط الفن بالصناعة وبالموهبة والفن بالعلم والفن والاخلاق والسياسة.
وقد كنت اتمنى ان اوضح كل فقرة على حدة لما جاء فيها من آراء مهمة, إلا أن ما يعزيني عن ذلك ان القارىء العزيز بحاجة دائما الى ان يرجع الى مثل هذا الكتاب لما فيه من آراء وطروحات بعيدة عن الأساليب الجافة في تقديم الدراسات وتتمتع بخصوبة الأفكار وسلاسة الآراء ومنطقها.
ولا يسعني إلا ان اقف على ما خلص اليه الكاتب من ان الفنان ابن مجتمعه ولا يستطيع مهما حاول إلا ان يصدر عن أهداف هذا المجتمع، ذلك لانه لا ينتج فنه من أجله وانما من أجل الآخرين، لذلك ينبغي عليه ان يصل الى تآلف بين حريته الشخصية وحاجة مجتمعه، وهذا لا يتم إلا عن طريق الوعي والتثقيف الجماهيري, ص99.
|