- أحمد (أبو سعد) صاحب مؤسسة من أكبر مؤسسات النقل البري في المملكة
- ابراهيم (ابو صالح) رجل كبير السن جاوز الستين بعام او عامين متزوج ولكنه لم يرزق بأولاد قال شعرا شعبيا ذات يوم لا يتذكر الان متى ولا كيف، وإنما هي مشاعر جاشت بها نفسه في إحدى الليالي عندما داهمته خطوب الحياة فأتى ببعض الابيات!
عمل ابو صالح فراشا في مدرسة سعد الابتدائية وبعد ان قدم استقالة مبكرة نظرا لاصابته بالسكر فتح بما وفره من مال يسير بقالة صغيرة ولكن منافسة الاجانب له والمتاجر الكبرى (السوبر ماركت) اقصته من السوق.
لم يتعلم أبو صالح الادارة في هارفرد ولا الاقتصاد في جامعة شيكاغو ولكنه بحدسه يعلم ان هناك شيئا غير نزيه وان المنافسة كانت غير شريفة فكبار التجار يعمدون الى خفض الاسعار الى اقل من مستوى شرائهم لها (اغراق السوق) وهم قادرون على امتصاص الخسائر المؤقتة من جراء ذلك، اما اصحاب الحوانيت الصغيرة امثال ابو صالح ومن هم على شاكلته فيفلسون ويبتلع الكبار زبائنهم, انه بحر يأكل القرش فيه الاسماك الصغيرة واحيانا المتوسطة الحجم اذا لم تبد مقاومة!
يأتي أبو صالح الى مؤسسة ابو سعد طالبا العمل كسائق ولكن ابو سعد لا يوافق فهو يريد شابا نشيطا ورخيصا ,, أبو صالح قد يكلف 3000 ريال شهريا بينما بالامكان شغل الوظيفة بسائق من جنوب شرق آسيا او سيريلانكا بحوالي 800 ريال فقط اي انه سيدفع 2200 ريال اقل على كل سائق وحيث ان اسطوله من النقل لا يقل عن 500 شاحنة فانه سيوفر,, وينقر أبو سعد بأصبعه على الآلة الحاسبة التي امامه ويبدو على الشاشة الرقم 000,100,1 يا الهي حوالي مليون ريال سيوفره شهريا بتشغيل الاجانب مكان السعوديين,, ولكن أوه، فهم الذين يطالبون بإحلال العمالة المحلية مكان الاجنبية، سيقولون لو اضفت مصاريف التذاكر والسكن والتأشيرات الخ,, الخ,, لكانت تكلفة الاجنبي مماثلة او تفوق ما يكلفه العامل السعودي, ولكن ماذا عن النشاط؟ فالسعودي كسول! وماذا عن الالتزام بالدوام؟ اوه لا تشغل بالك بما يكتبه بعضهم في الجرائد عن موضوع السعودة فهم يهرفون بما لا يعرفون يريدون فقط نشر صورهم في الجرائد وزاد حماسهم في الآونة الاخيرة بعد الفعاليات التي عقدها معهد الادارة العامة العام الماضي حول السعودة,ولكنهم اولئك الذين يطالبون بالسعودة لو دخلوا عالم التجارة والشطارة لتغيرت نظرتهم المثالية للامور, كان ابو سعد يحاور محاولا اقناع الجزء الحي في ضميره بأن ما يفعله هو الصواب.
لم يقبل ان يوظف ابو صالح لديه وذات يوم صدمت احد شاحنات أبو سعد سيارة ابنه وتوفي سعد رحمه الله, كان في طريقه الى الظهران للالتحاق بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن, كان سعد يختلف عن ابيه في تفكيره حول السعودة, كان رأيه باختصار شديد انه لأجل ان تضحي للوطن لابد ان تشعر بأنه لنا ومعنا وساعتها للكل ان يحاسبنا اذا نحن قصرنا في حقه, أبو سعد معجب بتفوق ابنه يباهي به في كل المجالس ويعذره في تحمسه للسعودة ففيه (حسب ما يرى ابو سعد) طيش الشاب ولابد انه بعد ان يكبر سينظر للامور بعين اخرى, ولكن ارادة الله اقتضت ألا يمتد العمر بسعد.
يتشاءم ابو سعد من وفاة ابنه، يقسم انها عين ابو صالح! وفي المقبرة يأتي ابو صالح معزيا, لقد كان صديقا خاصا للشيخ محمد رحمه الله (ابو احمد) ولكن النظرة السوداوية تعمي عيني أبي سعد فيظن ان أبا صالح جاء متشفيا وعندما تم الانتهاء من دفن سعد رحمه الله ركب ابو سعد سيارته الفاخرة خارجا من المقبرة ينتحب: ماذا؟ هذا ابو صالح! يا الله كم ظلمه انه فعلا صادق في مودته لأسرة أبي سعد فمن صدم ابنه سعد سائق اتى به ابو سعد ب200$ مع انه يعلم ان شهادته للسياقة مزورة!لابد من توظيف أبي صالح,, ولكن ليس الان قال ذلك ابو سعد لنفسه وتابع: انا الان مشغول بالميزانية العمومية ولديّ اجتماع لمجلس ادارة احدى الشركات,وبعد شهور اربعة تذكر ابو صالح وطلب من مدير مكتبه الاتصال به للحضور ولكن اتاه الخبر بأن أبا صالح يطلبه الرحمة,,وبينما كان جثمان أبي صالح في طريقه للمقبرة كانت روحه الطيبة ترفرف فوق الرياض في طريقها الى خالقها وكأنها تقول: (ايه! كم كبرت هذه المدينة ولكن كم فيها من قلة، نفوسهم لازالت صغارا), انتهت,.
د, محمد المهنا