خلق الله سبحانه وتعالى الكون الذي نعيش فيه واخضع مواده الطبيعية لدورات بيوجيوكميائية تدور من خلالها العناصر الضرورية للكائنات الحية بحيث تتسم هذه الدورات بالدقة والتوازن المرسوم لها من خالقها، ويُحدث الانسان بتداخله العشوائي غير المقنن خللا في توازن هذه الدورات مما يؤدي في كثير من الاحيان الى تبسيط النظام البيئي المتزن، ومن ثم إلى شلل في دورته تكون نتيجته تدهوره دون بصيرة منه للنواميس البيئية التي سنها الله سبحانه وتعالى لتدور عجلة هذا الكون وفق المنظور المرسوم له من خالقه جلت قدرته.
فالنظام البيئي عبارة عن مساحة من الكون الطبيعي وما تحتويه هذه المساحة من كائنات حية (نباتات - حيوانات - كائنات دقيقة) ومواد غير حية (الاوكسجين وغيره) تتفاعل هذه المكونات بتجانس واستمرار، ويختل النظام البيئي عندما يطغى مكون من هذه المكونات على آخر.
ولعل من ابرز الامثلة التي قد تضيئ جانبا من جوانب هذا الخلل تضجر مربو الدواجن في احدى الولايات الامريكية من كثرة الصقور التي دمرت دواجنهم فاستجابت لهم المؤسسات الخاصة بمكافحة الحيوانات وقضت على معظم تلك الطيور، لكن الفئران في السنوات التالية اتلفت محاصيلهم، وتبين فيما بعد ان غياب الصقور تسبب في كثرة الفئران حيث ان الصقور تتغذى عليها مما حتم التوقف عن ابادة الصقور، ناهيك عن إتلاف الارانب المنقولة إلى استراليا لبعض المحاصيل الزراعية مما استوجب حقنها بفيروسات قاتلة للحد منها لانها حيوانات دخيلة وغريبة على البيئة الاسترالية.
ونقص عدد الضفادع في الاراضي المجاورة للهند اثر على الاتزان البيئي حيث تسبب ذلك في زيادة الحشرات في الاراضي الزراعية مما ادى إلى اتلاف بعض المحاصيل حيث كانت الضفادع تتغذى على الحشرات الضارة بها، ومن المنغصات البيئية التي لا يقتصر تأثيرها على هز النظام البيئي بل قد يتعدى مباشرة الى الانسان زيادة غاز ثاني اوكسيد الكربون في الغلاف الجوي زيادة قد تكون مؤذية للبشرية في المستقبل بسبب تدمير الغابات وازالة الغطاء النباتي المؤدي الى التصحر.
ولعله من المناسب الاشارة إلى بعض الجوانب الايجابية لحماية الانواع الفطرية غير الاقتصادية في اتزان النظام البيئي ونفع الانسان، والتي تبرز بعض معالمها في اكتشاف نوع بري من الذرة في غابات المكسيك حيث يمكن بعد تهجينه مع الذرة التجارية انتاج هجين ينمو تلقائيا في اماكنه الاصلية مما يوفر على الفلاحين كلفة البذر والحراثة، واكتشاف نبات بري آخر في مدغشقر دلت البحوث العلمية فيما بعد على اهميته في علاج السرطان اللمفاوي.
ولا يغيب عن البال ما قدمته الاسماك غير الاقتصادية عندما دقت ناقوس الخطر البيئي عندما تلوثت بعض بحيرات المياه العذبة في امريكا الشمالية بالامطار الحامضية، وما قدمته ذبابة الفاكهة الصغيرة للدراسات الوراثية المتنوعة لامتلاكها عدد قليل من الكروموسومات، وما ساهمت به الفئران والقردة في التجارب الطبية المتعددة.
وتُجرى حاليا في المختبرات الطبية في بعض الدول الاوروبية دراسات على الهيرودين المفرز من العلق الطبي لمعرفة دوره في تجلط الدم فلعلها تضفي جانبا مشرقا لحل معضلة الذبحة الصدرية في الانسان بالاضافة إلى امكانية استخدام سموم الثعابين في علاج بعض الامراض ومنها تخثر الدم.
ولا يقتصر دور الحيوانات في النظام البيئي على ماذكر بل امتد الى منافع اخرى تزيد من اتزانه مثل ما تساهم به بعض الحشرات حيث انها تنقل حبوب اللقاح فتساعد على تأبير النباتات البرية والزراعية، كما تبعثر بعض الحيوانات البذور عن طريق نقلها بجهازها الهضمي او التصاقها في شعرها فتوسع بذلك رقعة انتشار الغطاء النباتي، كما تخلخل القوارض التربة السطحية فتزيد من قدرتها على امتصاص الماء وتقليل السيلان السطحي المدمر للماء.
وتزيد دودة الارض من خصوبة التربة الزراعية بالانفاق التي تحفرها والمواد العضوية التي تخلفها والتربة التي تقلبها، كما تساعد بعض الحيوانات على غرس البذور فعندما تطأ الابل باخفافها التربة تغرس البذور فتتيح لها فرصة الانبات في المواسم التالية وتحميها التربة من تقلبات الجو ومن تأثير الحشرات، ومن ناحية اخرى تتحكم بعض الحيوانات المفترسة (مكافحات حيوية) في اعداد الحيوانات الاخرى فتساعد بذلك على توازن النظام البيئي.
هذه بعض الجوانب التي تدعم حماية النواع الفطرية غير الاقتصادية، فلعل الضب في جزيرتنا يجد الحماية المناسبة لتتاح الفرصة للمختصين في كشف ما يكمن فيه من فوائد قبل اختفائه,.
حمود بن فارس القحم البلوي
كلية العلوم/ جامعة الملك سعود - الرياض