Saturday 27th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,السبت 10 ذو الحجة


من المشعر الحرام
أمين عام رابطة العالم الإسلامي يوجه نداءإلى قادة الأمة الإسلامية وشعوبها
د, عبدالله بن صالح العبيد
أمين عام رابطة العالم الاسلامي

* عرفات - بعثة الجزيرة
وجه معالي الدكتور عبدالله بن صالح العبيد امين عام رابطة العالم الاسلامي نداء إلى قادة الامة الاسلامية وشعوبها دعا فيه إلى الاحتكام للشريعة الاسلامية الغراء في امور الحياة والعلاقات الانسانية والدولية مذكرا بأن ما عانت منه الامة إنما كان بسبب الابتعاد عن شريعة الله مما جرأ اعداء الاسلام على بعض مجتمعات الامة الاسلامية وأقلياتها في انحاء المعمورة، ودعا إلى بذل المساعي الخيرة لحل هموم عدد من القضايا الاسلامية الساخنة التي تنتظر الحلول العاجلة والمبادرات الجازمة الحازمة,, ومن عرفة هذا المقام الكريم دعا إلى استشعار هذه الشعيرة ومعانيها السامية لتلمس حاجات المسلمين وحل قضاياهم وإنهاء مشكلاتهم مستشهدا بمضامين خطبة حجة الوداع حينما اعلن المصطفى صلى الله عليه وسلم حرمة القتل وحرمة الظلم وحرمة إراقة الدماء تكريما للانسان,, وفيما يلي نص نداء فضيلة أمين عام رابطة العالم الاسلامي.
بسم الله الرحمن الرحمين والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الامي الامين وعلى آله وصحبه اجمعين وبعد:
لبيك اللهم لبيك، لبيك لاشريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لاشريك لك لبيك.
أيها القادة المسلمون,, أيتها الشعوب الاسلامية,.
من عرفات الله احييكم جميعا وأدعو الله ان يتقبل هذا النسك العظيم الذي فرضه على الناس بقوله: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، ان الحمد والنعمة لك والملك، لاشريك لك,, إنه التوحيد الخالص الذي ينطلق اليوم من حناجر حجاج بيت الله الحرام الذين اجتمعوا في عرفات ملبين دعوة الله سبحانه متطلعين إلى رحمة الله في هذه الايام المباركة والسعي إلى رضوانه، ها هم وقد تساووا في مشهد مهيب على اختلاف بلدانهم وأجناسهم وأعراقهم وألوانهم,, من هذا الموقف العظيم اهيب بكم ايها الاخوة المسلمون - قادة وشعوبا - ان تستلهموا المعاني السامية العظيمة لشعيرة الحج، وأدعوكم إلى وقفة لمراجعة الذات واستشعار ما تضمنه الحج من معان سامية تؤصل في حياة المسلمين روح الاخوة والوحدة والتضامن والتآزر، فها هم حجاج بيت الله الحرام يلبون بنداء واحد، ويشتركون في تأدية مناسك واحدة وفي أوقات واحدة وفي عبادة واحدة، وهو تماثل نادر فريد يجمع بين المسلمين ويصوغ تصوراتهم وفق هدي الاسلام العظيم الذي انعم الله سبحانه به على هذه الامة، فكانت به خير امة اخرجت للناس.
لابد لنا نحن المسلمين ان نعلن للعالم اجمع بكل فخر واعتزاز ان امتنا الاسلامية العظيمة قد سطرت في سجلات التاريخ مآثر عظمى، كما سجلت عبر القرون افضالا عظيمة على الانسانية جمعاء عندما كانت تحتكم الى الشريعة الاسلامية الغراء في امور حياتها وفي علاقاتها الانسانية والدولية، وانني في هذا الموقف العظيم اذكر بأن ما عانت منه الامة من تخلف وانحسار بعد تلك القرون الزاهرة كان بسبب ابتعادها عن شريعة الله فقد ادى ابتعاد المسلمين عن دينهم إلى جرأة اعداء الاسلام على بعض شعوبهم حيث اذاقوها شتى انواع الاضطهاد وسوف تتوالى الهزائم ما لم تعتبر الامة بماضيها وتأتمر بأمر الله الذي به يكون الاعتصام والمنعة والقوة، قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وأكد سبحانه على ضرورة التزام المسلمين بما اختاره الله وسار عليه رسوله صلى الله عليه وسلم بعيدا عن الاهواء في قوله تعالى في سورة الاحزاب (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).
وأود هنا أن أذكر بأنه ليس مثل الفرقة والتنازع ما يحقق النيل من الاسلام وحقوق المسلمين وهذا الواقع - أيها القادة - يحتاج الى المسارعة وإلى التعاون والتضامن في ظل طاعة كاملة لما أمر الله به أو نهى عنه وطاعة رسوله الكريم لقوله تعالى: (ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) ولابد ان يكون التضامن قائما على اساس من العدالة التي قامت عليها شريعة الاسلام.
إن الامة المسلمة تعيش وهي تحمل هموم عدد من القضايا الساخنة في الساحة الاسلامية التي تنتظر مساعيكم الخيرة بل انها تنتظر منكم المبادرات الجازمة والحازمة وعلى رأس هذه القضايا قضية القدس الشريف والمسجد الاقصى المبارك والمقدسات الاسلامية في فلسطين المحتلة، فها هي سلطات الاحتلال الاسرائيلي مازالت تعمل على تهويد مدينة القدس وهدم المسجد الاقصى اولى القبلتين وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال والذي اسري بنبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم إليه ثم عُرج به إلى السماء، وإن رابطة العالم الاسلامي التي يؤلمها ما يحدث في القدس اشد الالم لتتابع الانتهاكات التي ترتكبها السلطات الاسرائيلية في هذه المدينة المقدسة وفي مسجدها المبارك وضد اهلها، فقد فرغت العديد من الاحياء داخل القدس من اهلها واسكنت مكانهم المستوطنين من يهود اضافة إلى الانتهاكات المستمرة لقداسة الاقصى المبارك بمداهمته ومهاجمة المصلين فيه وقتلهم مراراً داخله، كما حفرت الانفاق تحت اساساته وجدرانه وتمت مصادرة الاراضي الوقفية التابعة له مما يعد انتهاكا صارخا لكل المواثيق والقرارات الدولية التي تمنع اسرائيل من احداث اي تغيير في الاراضي التي احتلتها عام 1967م بما فيها مدينة القدس، وها هي اليوم تسعى إلى جعل القدس عاصمة يهودية لدولة اسرائيل حيث تعمل بمختلف الوسائل على حمل دول العالم لنقل سفاراتها إلى هذه المدينة المقدسة، كما تعمل على منع قيام الدولة الفلسطينية في مايو القادم بحسب ما قرره المجتمع الدولي، ولاشك ان هذا عدوان آخر على فلسطين وشعبها، وإزاء هذا العدوان الصارخ لابد - أيها القادة المسلمون - من اتخاذ المواقف الحازمة المناسبة وتكثيف العمل والاتصالات الدولية وحمل المجتمع الدولي ان يتخذ الوسائل المناسبة لمنع اسرائيل ابتداء من سلب مدينة القدس ويوقف انتهاكاتها واعتداءاتها واحداثاتها فيها لتعود القدس امانة في اعناقكم عربية اسلامية كما كانت عبر التاريخ الاسلامي المجيد ولتكون عاصمة للدولة الفلسطينية المرتقبة، ولابد ايها القادة المسلمون من عمل منسق يبطل اباطيل اليهود.
ايها الاخوة المسلمون:
إلى جانب قضية القدس هناك العديد من القضايا الاسلامية التي تحتاج إلى معالجة ومن تلكم القضايا قضية المسلمين المنكوبين في اقليم كوسوفا المسلم الذي يفعل فيه الصرب اليوم ما فعلوه بالامس من جرائم في البوسنة والهرسك، وها هي نداءات الاستغاثة تتصاعد من كوسوفا من اجل نجدة اهلها وعونهم واغاثتهم ونصرتهم, فالله الله ايها المسلمون باشقائكم في هذا الاقليم المنكوب، وفي هذا الخضم ينبغي ألا ننسى قضية شعب كشمير المسلم وضرورة نصرتهم والوقوف الى جانبهم حتى يتمكنوا من نيل حقهم في تقرير المصير.
أيها المسلمون:
إن للحج خصائص بين العبادات في الاسلام كما ان ايامه مخصوصة بالبركات واجابة الدعاء وقد اظلنا يوم عرفة وهو يوم لم تطلع الشمس على خير منه وها هم حجاج بيت الله الحرام يؤدون مناسكهم في موقف عظيم كريم يبسط فيه الله رحمته على عباده، ومع انطلاق الدعوات المخلصة اتوجه اليكم في مشارق الارض ومغاربها لنستشعر بعض ما يتمضنه الحج من معاني حسن الجوار والتعامل بين الاقوياء والضعفاء ومن احكام منحت الانسان حقوقه كما أرادها الله، فلقد تضمن الحج أيها الاخوة اول اعلان لحقوق الانسان، فمنذ اربعة عشر قرنا ونيف اعلن نبي الامة عن ذلك في خطبة حجة الوداع حيث اعلن حرمة القتل وحرمة الظلم وحرمة اراقة الدماء تكريما للانسان فقال: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ،ذلك إلى جانب ما تضمنته خطبته صلى الله عليه وعلى آله وسلم من توجيهات عظيمة نظمت المجتمع الاسلامي وصاغت بنيته الروحية والاجتماعية والسياسية والتربوية وان أمتنا اليوم بأمس الحاجة للافادة من ذلك التوجيه النبوي الكريم ومن هذه الروحانية التي تعبق بها هذه الايام المباركة ليعم السلام ديار الاسلام وينتهي الخلاف والصدام الذي تشهده بعض الساحات الاسلامية كالجزائر وافغانستان، فقد اهرقت الدماء الزكية وازهقت الارواح البريئة خلافا لامر الله سبحانه وتعالى الذي نهى عن القتل وأكد حرمته فقال: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) وكذلك لابد ان يعي المتخاصمون ان قتل النفس في منظور الاسلام جريمة بحق الانسانية فقد قال تعالى: (من اجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا).
أيها القادة,, أيتها الشعوب الاسلامية:
لقد شهد التاريخ ومازال يشهد ان توجيهاته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع آتت أكلها يانعة حين تربى عليها جيل الصحابة رضوان الله عليهم فكانوا حماة الاسلام وصرحه الشامخ وقد عاش الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم مشدودين إلى اوامره ونواهيه فكانوا متضامنين متحابين، وان امتنا في عصرنا هذا بأمس الحاجة الى الاقتداء بتلك الاسوة الحسنة في التحاب والتعاون والاخاء وتحقيق العدالة بين الناس (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة).
وتظل هذه الاسوة هي اسوة الخيرية التي وصف بها الله سبحانه هذه الامة الوسط التي جعل امرها كله وسطا لا إفراط ولا تفريط ولا مغالاة او جنوح، ولا تهاون او غلو,, وإنما منهج الاسلام الوسط الذي اختاره رب هذا الكون للامة المسلمة (وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً), وفي الختام اضرع إلى الحق سبحانه وتعالى ان يؤلف بين قلوب المسلمين وان يحقق ما تصبو إليه آمالهم المشروعة وادعوه سبحانه ان يصلح ذات بيننا وان يهدينا سبل السلام وينجينا من الفتن ماظهر منها وما بطن وان يوفق قادة هذه الامة وشعوبها إلى ما يحبه ويرضاه واسأله ان يتقبل منكم ايها المسلمون عباداتكم في هذا اليوم المبارك وان يجعل فيكم الخير للناس جميعا انه سميع قريب مجيب, ربنا لاتزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من امرنا رشدا، ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم,,, والحمد لله رب العالمين.

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
الركن الخامس
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير