في اللحظة التي تقع فيها عينك على ساعة بيغ بن او مبنى البرلمان البريطاني او التاكسي الأسود او الباص الأحمر ابو دورين ستعرف انك في مدينة لندن البريطانية او تطل عليها او تشاهد فيلما عنها, وعندما تشاهد ذلك البرج الحديدي الشاهق او تلك الدروازة التي تتوسط شارعا طويلا فستقول على الفور ان هذه باريس وهكذا في معظم مدن العالم العريقة ستعرف انك في نيويورك عندما تشاهد تمثال الحرية او في لوس انجلس بالجسر الكبير المعلق وكذلك في استانبول عندما ترى مسجد آيا صوفيا وستعرف ان هذه هي القاهرة بمجرد رؤيتك منائرها التاريخية فلكل مدينة وجهها الذي صنعه اهلها وسكانها وتاريخها,, ومخططو التطور فيها, فالمدن لها اختصارها الفني ورموزها التي تعرف بها فلم يعد هناك مدينة دون ان تختصر في اسم ورمز وصورة خاطفة.
عرفنا الرياض لفترة طويلة من خلال برج مياه الرياض الذي دخل في أسس الترميز للمدينة, كان برج مياه الرياض يشكل في فترة زمنية سابقة رمزاً حقيقياً لمدينة الرياض وتحولها الى العصر الحديث، فشكله المميز ودلالته ودوره في التطور يعكس حيوية المدينة وسرعة استجابتها للتقدم وقد بني هذا الصرح في الستينات عندما كانت الرياض صغيرة تقاوم عزلتها وتحاول ان تنفتح على العالم فجاء هذا الرمز لتضعه المدينة في مقدمتها كتتويج لتقدمها من حيث الشكل او من حيث البنية التحتية وتأصيل انضمامها الى العالم الحديث.
لكن الرياض تجاوزت الآن برج الرياض واصبح هذا البرج معلماً صغيراً معزولاً من معالم مدينة كبيرة صاخبة متنوعة كما لم نعد في حاجة الى تصاميم المهندسين الاجانب وحتى الوطنيين اذا كان الانتاج هو تصميم يرمز للعصر الحديث, ففي كل شارع وكل بيت وكل مصلحة ستواجه الحداثة والتقدم.
الرياض في حاجة الآن الى رموز اكثر عاطفة وحنيناً واكثر ارتباطاً بالرياض التي تعيش في وجداننا لا الرياض التي نستوردها او التي نبتكرها, هناك رياض قامت قبل مئات السنين وهناك رياض لها مجد كبير فهذه الرياض هي الرمز الذي علينا حمله وتصديره للعالم اذا اردنا ان يعرف مدينتنا العالم ,فأول رمز وأجمل رمز هو المصمك فهذه القلعة العملاقة يمكن ان تؤصل في وجدان الناس رمزاً حضارياً وتاريخياً يقاوم تغيرات الزمان وعوارضه, فكل انسان من الرياض يوجد في داخله شيء من المصمك من حيث التصميم ومن حيث العاطفة ومن حيث التاريخ ومن المجد لأنه عاش او عاش آباؤه واجداده في مثله, وقد خرج المصمك من حدود المنافسة وخرج من التحول التاريخي فتسامى على المنافسة والتغير وهو بهذا يمكن ان يكون رمزاً بامتياز, بينما تبقى المباني الحديثة تلغي بعضها بعضاً لاننا ما زلنا نعيش حضارتها, ولا نستطيع ان نقيم منها سوى رمز مؤقت والرياض تجاوزت المؤقت واصبحت مدينة ككل المدن, لها اتجاهان في التاريخ: ماض مجيد ومستقبل مشرق تمثل عودتها الى ماضيها مع بقاء عجلة تقدمها الى الامام جزءا اساسياً من حياتها المعاصرة.
والمصمك ليس بناءً معزولاً، بل هو ممثل لمبان كثيرة ما زالت موجودة متناثرة في كل مكان يمكن ان تبقى مع المصمك تتناغم معه في وجوده التاريخي وتكمل معه حكايات الماضي المجيد الذي بدأ منه.
ويمكن للفن والفنانين ان يأخذوا هذا الرمز الى مداه بطرقه من زواياه المختلفة بأدواتهم المفعمة بقوة التخيل بحيث لا يبقى شكلاً جامداً ولكن تلعب كل زاوية منه ملمحاً تاريخياً وفنيا لمن اراد.
وأعود مرة اخرى الى اقتراح سبق ان قدمته وهو وجود مكان لانتاج الادوات التذكارية عن الرياض وعن تاريخ المملكة, ووضع هذه التاريخ في قوالب فنية وملابس وتحف وغيرها حتى يستطيع الانسان حملها معه وتقديمها كهدايا ووضعها في منزله ضمن الديكور والاشكال الاجمالية الاخرى.
الرياض تستحق الكثير، فأمامنا الكثير لنمنحها إياه.
|