Saturday 27th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,السبت 10 ذو الحجة


عبدالرؤوف دقاق في كتابه (مذكرات ورسائل)
عرض: مصطفى النجار

ثمة أنماط من الكتابة تندرج تحت عناوين اليوميات والمذكرات والاعترافات والسير والتراجم تنطوي على كثير من الاهمية والقيمة حاول الاديب الاستاذ عبدالرؤوف دقاق في كتابه المعنون ب(مذكرات ورسائل) ان يعيرها اهتمامه، وان يسلط الضوء عليها في الوقت الذي شغل فيه الادباء بأجناس مثل الشعر والرواية والقصة والمسرحية والسيناريو, فقد اشار في مقدمة كتابه منحازا بتطرف الى هذه الانماط المهجورة قائلا: ان هذا اللون من الكتابة قد اثبت جدراته وشموخه وتفوقه على سائر الاجناس الادبية الاخرى من قصة ورواية وشعر.
ثمة علاقة وثيقة بين الشخص وآرائه والظروف التي عاشها والامكنة التي ارتادها والشخصيات التي تأثر بها، فالانسان ما هو الا خلاصة تربيته وظروفه وتجاربه وخبراته في كافة مراحلة حياته.
إذاً فالمؤلف هنا لا يُعنى بالنص دون صاحبه ومبدعه ولا ينادي على طريق البنيويين بموت المؤلف، انما المبدع لا ينفصل عن بيئته وعصره وما الاديب وآراؤه المبثوثة في يومياته او مذكراته واعترافاته الا وجهان لعملة واحدة.
لذا فيجدفي كتابة التراجم والسير مثلا رغم تطورها بتغير الزمان واللغة ونظرة العصر للابداع - على حد قوله - لها غاية واحدة هي إغناء الحياة بأوسع معانيها.
فيبدأ كتابه بلمحة عن نشأة التراجم والسير في انكلترا على يد صموئيل بيبس 1633 - 1703 في كتابة يومياته ومذكراته التي تعد أول خطوة في كتابة التراجم الذاتية وعلى يد المؤرخ ريتز في فرنسا في كتابة مذكراته ايضا عام 1672م وانما مال هذا النمط الى النضج في القرن الثامن عشر منذ كتب جونسون كتابه حياة الشعراء ويقول المؤلف: واخذت التراجم والسير تتأثر بالتطور العالمي الجديد في ميادين السياسة والتجارة والصناعة منذ القرن الثامن عشر فراحت تترجم لصغيرهم وكبيرهم ثم يقول: ولقد اخذت التراجم والسير العربية في القرن العشرين تنزع اثواب القدم وتخرج عن ذلك النهج الرتيب من غير تبويب ولا تحليل ولا تركيب ولقد ظهر هذا التحول في الثلث الثاني من هذا القرن فظهرت العبقريات للعقاد وسيرة محمد صلى الله عليه وسلم وابوبكر وعمر للدكتور محمد حسين هيكل وعلي وبنوه للدكتور طه حسين كما ظهرت السيرة الصريحة التي كتبها ميخائيل نعيمة عن حياة جبران خليل جبران,,, الخ.
ويقف المؤلف امام ادب المذكرات في عصرنا هذا ويختار ما خطته يراعة احمد امين تحت عنوان حياتي نموذجا ويقول بعد ان يضع امام القارىء ستة ايام من مذكرات هذا الاديب: اذا تعمق الباحث في دراسة ظاهرة ادب المذكرات وجد انها اصبحت مجالا لعرض العمل الادبي او نشر مذهب جمالي او فني او اكتساب مجد معجّل او بسط آراء وافكار يحرص الكاتب على ايضاحها , وحاجة التعبير الطبيعي عن الذات امر طبيعي ومعقول وكائن عند الناس جميعا وقد بلغ من قوة هذه الحاجة انها تفوق - على حد تعبير تولستوي - غريزة الطعام والشراب والتكاثر.
ثم يعرج الاستاذ الدقاق على ادب الاعترافات فيقف في معظم صفحات الكتاب من ص 21 الى ص 85 على الاتيان بشخصيات اجنبية وعربية فيشير الى محاولة محمد كرد علي بالتحدث عن نفسه عدة صفحات في آخر كتابه (خطط الشام) والى كتاب الايام لطه حسين وقصة حياة لابراهيم عبدالقادر المازني وانا لعباس محمود العقاد وقال الراوي للشاعر المهجري الياس فرحات وسبعون لميخائيل نعيمة ويخص ميخائيل نعيمة وسبعون بالحديث المفصل تحت العناوين التالية:
مبررات الاعترافات - حديث النفس والقلم - من يومياته في روسيا - في نيويورك مع الاصدقاء - العودة الى الوطن, ويشير الى مواطن الجمال والآراء الناضجة في هذه الاعترافات ومنها قول نعيمة: وما نفعنا من اكتشافات الفضاء ما دامت الارض آهلة بالشرور؟ وقوله: اما الجريمة الافظع فهي ان تقتل الانسان من غير ان تريق قطرة من دمه كأن تسلبه اللقمة او تسد عليه سبل العيش, وقوله: لا غربة في الكون على الاطلاق الا غربة الانسان عن ربه، غربة الانسان عن نفسه.
اما عن الاعترافات عند الآخر فيقوم الاستاذ الدقاق بجولة مكثفة ثرة تدل على سعة اطلاع تبدأ باعترافات جان جاك روسو مرورا باعترافات اناييس نن، فتعترف هذه الاخيرة قائلة: في البداية تنازعت اليومية مع الرواية وكان عليّ ان اختار اي ان اتخلى عن احداهما من اجل الاخرى وارادني الدكتور رانك بوصفة محللا وهنري ملر بوصفه روائيا وصديقا ان اتنازل عن اليوميات لعلي بذلك اصبح روائية واليوم لم يعودا يتنازعان وكالجدل بين الحلم والعمل انتهيا الى ان يغذي احدهما الآخر,.
ويقف المؤلف مليّاً امام جوته 1749 - 1832 وامام شخصيته وامام اعترافاته على وجه الخصوص حيث كان يدون الحوادث التي تمر به يوما بعد يوم لكي يحاسب نفسه على ما انجز من اعمال وهو القائل في شيخوخته: انني اجد في ذهني افكارا جديدة، انني احتاج الى حياة اخرى .
ويختتم الدقاق كتابه القيم بنماذج تطبيقية: مذكرات دجاجة لاسحق موسى الحسيني ومذهبي في الحياة لاحمد حسن الزيات ورسائل البدوي الملثم لولده ولقاء بالعمر كله لمحيي الدين صبحي وشيء يشبه الحب ليحيى الجمل.
حقا,, انه كتاب جدير بالقراءة لانه يُعنى بأنماط من التعبير تكاد تكون مهجورة ولانه يطلعنا على الوجه الآخر للشخصيات والاعلام وعلى شخص المؤلف.

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
الركن الخامس
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved