أخلاق الوسيلة الاعلامية اكثر حساسية من اخلاق المؤسسة الربحية التي تقف وراءها بالدعم والتي تفرض عليها المساحة الاعلانية بأنواعها المباشرة والتحريرية والترتيبية لان المؤسسة الربحية - وهي إما في بطن المؤسسة الاعلامية,, او خارجها - تحكمها دوافع نفعية قد تعميها عن بعض امور الصرف الاخلاقي بقصد او بغير قصد,, او بالنظر من زاوية رؤية مختلفة مع انه من حق القارئ عرفا (ونظاما في بعض الاحيان) الحصول على ما لا يقل عن ثلث الصفحة او بعبارة اخرى صفحة تحريرية جيدة من كل صفحتين وليس للاعلان المرئي اكثر من عشرين دقيقة من كل ساعة (هذا ليس قانونا او عاماً في كل مكان ولكنه عرف اخلاقي لبعض الصحف وأجهزة البث على الاقل).
ولكي نسوق المثال فهناك مخالفات لهذا النظام او العرف الصحفي,, وأحيانا لنظام النشر في مجال الاعلان عندما يندس الاعلان التحريري في باب الرأي او المقال اوبالترتيب الانقرائي دون وضع اطار او عبارة تنبه المستهلك إلى ان هذه مادة اعلانية وليست تحريرية خلاف ما تؤكد اخلاقيات الاعلام وتنص عليه بعض التشريعات الصحفية ومنها نظم الصحافة في المملكة التي تؤكد على وضع اطار او تأكيد بعبارة مادة اعلانية ولا يبدو ان أحدا يعمل بذلك.
ومن أبواب المساس بأخلاقيات الاعلان في الصحف الاعتداء على مساحة تفوق النصف من صفحات القارئ ووقته المرئي والمسموع في الفترة الرئيسية الى الدرجة التي صارت البرامج الاخبارية والتثقيفية والمكتوبات في الرأي في كثير من وسائل الاعلام في العالم العربي إما نادرة او مختفية بين بريق ألوان الاعلان في تجاوز للخلق الصحفي وإذا ما وجدت فلا تعدو ان تكون دعائية او اعلاناً تحريرياً.
وأول المخاطر لهذا المد الاعلاني ما نراه من حجب كثير من الصحف والمحطات لمعلومات مهمة عن حال المؤسسات المالية والاقتصادية مراعاة لخاطرها وبمراقبة ذاتية حتى لا توقف الاعلان مما يجعل القارئ والمتلقي عرضة لاستغلال مؤسسة تجارية اوقطاع انتاج او خدمات، بل ان المعلومة الموجهة اليه مراقبة اشد الرقابة من المؤسسة الصحافية أو التلفزيونية.
الوسائل الاعلامية على افتراض انها مؤسسات اجتماعية اذا خرجت عن دورها المحدد وهو دور الحارس والرقيب وانحرفت اكثر مما يجب للمجاملة فإنها تصبح فراغا خاليا في دائرة المعرفة وعائقا شديدا للقرار الذي يقع تحت وطأة تخبط همس التخمين او الضن اوالاشاعة لغياب المعلومة عن الرأي العام.
دعونا نعرض لشيء اسوأ من هذا وهو ان وسائل الاعلام (صحفية وتلفزيونية) من منطلقاتها الرقابية لصالح المؤسسات الداعمة بالاعلان جنحت الى التسطيح وعرض الرديء من المادة التحريرية واعتمدت على نوعية ثقافية لا ترقى إلى درجة ما يسمح بعرضه في مقاييس الجودة,, والغي الجانب التحريري تماما للمادة وهذا أسوأ رقابة سلطوية على الاعلام مما اعطى فرصة لمحطات بث وصحف اجنبية موجهة ان تدخل من باب المعلومة والجودة في العرض لطرح فكرها واتجاهاتها الفكرية.
ما أردت ان أصل إليه هو ان وضع المؤسسة الاعلامية التي تدار بعقل ربحي فقط خارج اخلاقيات الحياة والمجتمع يكون ضررها اكثر من ضرر المؤسسة التجارية الجشعة والمستغلة لأنها وسيلة لن يطول بها الامر حتى تبدأ بنشر الفكر مقابل المال.
|