Wednesday 24th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الاربعاء 7 ذو الحجة


فطرة إنسانية
الضحك علامة على صحة النفوس

عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يحتل الضحك مكانة مرموقة في ادبنا العربي وفي ادب الامم الاخرى فالضحك فطرة انسانية وتعبير عن الكثير من مشاعر النفس وأحاسيسها من متعة أو رضا او فرح اوتندر اوتعجب اوسخرية او مفارقة او تبكيت اوحتى في نقد النفس او مواقف الضيق والسوء حيث يأتي المثل الشهير القائل شر البلية مايضحك .
هذا وقد يقول البعض إن الضحك عكس الوقار والهيبة والحكمة والاتزان وان الانسان الوقور ذا المهابة والمكانة لاينبغي له الضحك.
ان الضحك جزء من حياة الانسان يعبر عن متعتها البريئة والاستمتاع بما في الحياة من لهو مباح ولفتة ذكية ونكته لطيفة وان الانسان الذي لايضحك لايمكن ان يكون انسانا سويا تجتمع فيه المشاعر الناضجة والتي تتسع لصفات الانسانية كلها في ضعفها وقوتها في جدها ولهوها في صرامتها ولينها.
نعم ان الضحك علامة على صحة النفوس فالضحك يجعل نحوا من الاربعين عضلة تتحرك في وجهك وبالذات العضلات التي تنفرد بها الاسارير وتظهر بشاشة الوجه ويشع من محياها التفاؤل وحسن الرجاء اما العابس الغاضب المقطب لجبينه فهو يحرك عضلات اقل عددا وذات وظيفة تكسب الوجه الصورة المنفرة العابسة التي لاترتاح لمرآها النفوس ولاشك ان الوجه المنشرح البشوش الضحوك يتوسم فيه الخير ويجلب المودة وأحدث الدراسات الطبية تؤكد ان الضحك يفيد الانسان من الناحية النفسية اذ يقلل من عناء الحياة وضغوطها وكذلك من الناحية العضوية بتقليل ضغط الدم المرتفع مثلا وتقليل عدد ضربات القلب وتهيئة جو الشفاء للمريض ورفع الروح المعنوية مما حدا ببعض المعالجين في الغرب الى انشاء مصحات علاجية تستثمر الضحك كأحد اساسيات العلاج للعديد من الامراض.
ولكن خذ حذرك ايها الضاحك فالنصيحة الطبية الاخرى الا تضحك حتى الثمالة فهناك حالات سجلها الطب للموت من الضحك.
وهناك من يرون ان الضحك امر مكتسب ووافد على الانسان لأن الانسان البدائي لم يعرف الضحك وهم في ذلك واهمون وعلى رأسهم برجسون لأنه قول يعوزه الدليل المادي الواضح فلا توجد لديهم تسجيلات محددة عن حياة الانسان البدائي الاول ليقولوا انه كان لايضحك، بل ان الانسان البدائي الاول له تسجيلات على الصخور تسجيل مراسم حزنه لموت افراد عائلته، فما يمنع ان يكون له تعبيرات ضاحكة بكافة انماط الضحك والتعبير عن المشاعر والاحاسيس السارة، وهو الامر الذي نميل اليه، ويترجح لنا بمقارنة ذلك بما نجده عند القبائل البدائية في استراليا وافريقيا والامازون اذ انها تمارس التعبير عن الشيئين الحزن والضحك بفطرة وتلقائية عادية.
واذا رجعنا للنص القرآني نجد الحسم في قوله تعالى في سورة النجم: وأن الى ربك المنتهى (42)وأنه هو أضحك وأبكى (43) وأنه هو أمات وأحيا (44) وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى(45),والمعنى واضح وبتعليق بسيط نقول ان الخالق عز وجل يخبرنا عن قضايا اساسية وموضوعات فطرية من عودة اليه واضحاك وابكاء واماتة واحياء وخلق لطرفي النوع الانساني، فانظر لأهمية الضحك بين موضوعات اساسية في حياة الانسان.
ولاشك ان الضحك فطرة تعبيرية وانظر لمناجاة ومناغاة الطفل ا لوليد الرضيع عندما يتعدى شهوره الاربعة الاولى، وتبدأ حواس السمع والابصار في التلقي بوضوح تجده عند اي مداعبة رقيقة يبتسم وبمرور المزيد من اشهر عمره تراه يضحك الضحكة البريئة القوية من خالص القلب.
والضحك يكاد يكون تعبيرا منفردا عند البشر لايشاركهم فيه احد عدا القردة التي نراها تضحك وبخاصة في مواقف تجمعهاتها ضحكات ذات معنى واضح الا انها لاترقى للضحك الانساني ومدلولاته من رضا وغيظ من حب وضيق من تندر اومفارقة او زهو اوضحكة صفراء او تبكيت,.
والضحك عند القردة وبخاصة القردة العليا منها ضحك بسيط لمعنى بسيط.
اما عند الانسان فهو انواع منها الضحك البسيط ذو المعنى المباشر، ومنها الضحك المركب ذو المعنى الغامض الذي تضطر للتفكير كثيرا حتى تصل لسببه ومغزاه ومنها,, ومنها,.
ومن الطريف ان تجد ان شتى امم الجنس البشري تختلف في استجابتها للضحك,, فهناك شعوب كما يقولون دمها خفيف سريعة التقبل للاضحاك وألوانه كالشعوب ذات الدماء الحارة وأمم حوض البحر الابيض المتوسط، وهناك شعوب تكاد تضحك بمشقة، كالانجليز والالمان فهم لايضحكون الا مع المواقف التي تحرك الجبال ولذا نجد الامثلة الكثيرة عن البرود الانجليزي والصرامة الالمانية.
ومن الطريف ان نذكر ان الضحك لغة انسانية مشتركة يفهمها كل البشر ومهما كانت الوانهم ولغاتهم فانك قد ترى موقفا تغرق فيه من الضحك ويشاركك فيه الامريكي والصيني والروسي والهندي,, وبخاصة في مواقف الاضحاك التي تعتمد على الصورة والايقاع لا على النطق والالقاء.
وشعوبنا العربية شعوب تنفعل بالكلمة والفعل بأسرع من غيرها, وهي شعوب تتذوق الضحكة الراقية والنكتة اللطيفة بإحساس وانفعال كبيرين لأنها شعوب حيوية المشاعر حارة الدماء,, ولاعجب اذن حين نقرأ في كتب الادب العربي ان فلانا حين ضحك على موقف استغرق في ضحكه حتى استلقى على قفاه وانطرح ارضا من شدة الضحك وانفعالا لما رأى.
اننا نضحك لأن الضحك تعبير عن موقف نفسي مفاجىء جديد تتغير فيه حالة الانسان من موقف الى موقف ومن حزن الى سرور مفاجىء ومن توقع لحدوث رؤية امر فيحدث عكسه بطريقة مباغتة.
وهكذا لن تخلو الحياة من المفارقات ومن تحول المواقف الى مواقف ومن تحول المواقف الى مواقف اخرى جديدة ومتضادة فنضحك حتى يمكننا ان نقول: (انا اضحك، فأنا انسان وأنا موجود) فالضحك وظيفة وعملية ا نسانية تعبر عن الحياة وتذوقها.
مالك ناصر درار

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
الركن الخامس
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved