عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد قرأت في عدد سابق من صحيفتنا الحبّوبة الجزيرة موضوعا في زاوية نهارات أخرى للكاتبة فاطمة العتيبي تحت عنوان حالة تسلل استنكرت فيه تسلل الشعر الشعبي الى معاقل الشعر الفصيح كالجامعات والمدارس، واعتبرت ذلك حالة تسلل، وهذا التسلل يعاقب في لعبة كرة القدم بضربة حرة غير مباشرة، حيث يرفع الحكم يده, ومن هذا المنطلق أود ان أعرض لاشياء دخيلة على أدبنا العربي الفصيح وكلام الفصحاء البلغاء واقرر لها العقوبة الكروية المستحقة - بنظري - وعليه فإن دخول الالفاظ غير العربية واستمراءها مثل: التليفون والتلفريك والفاكس والبليفون والبيجر والترين والسيكل والكوت والريل والبنطلون والتي شيرت والكاب والسايد جانب الطريق والهامبرجر والتوست والساندوتش والكودو والكافي القهوة الى غير ذلك من مثل باي باي وسي يو واوكي ومرسي وبونجور وبونسوار كل هذه الالفاظ تستحق بنظري بطاقة حمراء وضربة حرة مباشرة - وعلى الحكم الا يرفع يده, أما اللحن والخطأ في الكلام الفصيح كرفع المنصوب وجر المرفوع وما شابه ذلك - فأود استعراض بعض النوادر في اللحن ثم نقترح العقوبة, والمصدر في ذلك العقد الفريد لأحمد بن محمد بن عبدربه والإسناد: قالوا وقيل:
قال أبو عبيدة (من كبار النحويين وليس أبا عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه): مرّ الشعبي (عامر بن شراحيل من كبار التابعين ومن أعلام القضاة)- رحمه الله- بقوم من الموالي يتذاكرون النحو فقال لهم: لئن اصلحتموه إنكم لأول من أفسده , واقول: حتى قول الشعبي فيه لحن فالمفروض ان يقول: فإنكم لأول من افسده,
وقال عبدالملك بن مروان: اللحن في الكلام اقبح من المتضيق في الثوب والجدري في الوجه .
قلت : وبهذا شبه عبدالملك من لحن كمن كشف ما يجب ستره من الجسم وهذا فضيحة فاللحن في الكلام يكشف جهل المتكلم ويفضحه,كما ان تشبيه اللحن بالجدري في الوجه- على قبحه - واقعي فالجدري يخرب الوجه ويقبحه وقد يفقأ عين او عيني صاحبه ليزداد به بعدا عن أي جمال وهكذا اللحن يفسد جمال الكلام ويقبّحه ليصبح صاحبه بغيضا لدى السامع والقارئ,وقال عبدالملك : الإعراب جمال للوضيع، واللحن هجنة على الشريف.
قلت : فان اقامة الكلام بإعرابه تعجب السامعين بقائله، فإن احسن الوضيع ارتفع في اعين الناس وان لحن ازداد وضاعة، اما الشريف فان احسن الإعراب وابتعد عن اللحن ازداد شرفا واحتراما من الناس، وان لحن ذهب شرفه وبهاؤه واشتغل الناس بذكر خطئه ولحنه.
وقال الشاعر
النحو يبسط من لسان الأيكن والمرء تكرمه إذا لم يلحن فإذا طلبت من العلوم أجلّها فأجلّها منها مقيم الالسن |
والألكن من يلثغ في الكلام ولا يقيمه لعجمة فيه مما يدعو إلى الضحك والسخرية ولكن إذا اقام العجمي الكلام فإن لسانه ينبسط بعد تعلمه النحو, وجعل الشاعر النحو اجل العلوم لان كل العلوم محتاجة إليه لا تقوم إلا به.
ومن الطرائف نسوق هذه النادرة:
قال الشيخ للفتى: كيف مات ابوك يا بني؟قال الفتى : يا عم,, ورمت قدميه.
قال الشيخ : يا بني : قل ورمت قدماه, قال الفتى: ورمت قدماه.
قال الشيخ : ثم؟
قال الفتى : ثم امتد الورم الى ساقاه.
فقال الشيخ : يا بني! قل إلى ساقيه.
فقال الفتى : إلى ساقيه.
قال الشيخ : وبعدها ماذا حصل؟
قال الفتى : ثم ورمت ركبتيه.
قال الشيخ : يا بني! قل ورمت ركبتاه.
فقال الفتى : والله يا عم ما اظنك الا مولعا بمخالفتي.
وإذا كان يحسن اقامة الإعراب والبعد عن اللحن، فإنه لا يحسن التقعر في الكلام وخصوصا عند العامة, فإن لكل مقام مقالا.
قالوا ان نحويا وقع في كنيف، فمرّ به حمال ، فسأله عما به وماذا يستطيع ان يعمل له, فقال النحوي: احضر حبلا دقيقا، واربطني ربطا وثيقا، واسحبني سحبا رفيقا, فقال له الحمال: امرأتي طالق ان اخرجتك، واكثرنا يعرف ما قاله النحوي عند تجمع الاطفال عليه, قال: ما لكم تكأكأتم عليّ كتكأكئكم على ذي جنة؟ افرنقعوا عني , (والتكأكؤ التجمع، وذو الجنة المجنون), ولا أدري ماذا قال الاطفال له.
ونعود الى ماكنا فيه من العقوبات الكروية: فأما اللحن فلأنه يفسد الكلام ويهدم اركانه فنقترح له ضربة ركنية )Corner( وأما التقعر فيكتفى فيه بلفت نظر شفهي.
وأجيء إلىالنقد الادبي: فنقرأ مقالا نقديا يمدح النص الذي يعالجه مدحا يرفعه الى اعلى عليين، فنقول له: ألا خطأ واحدا بينت، وبالمقابل نقرأ نقدا لا يبقي ولا يذر، لا يدع لصاحب النص حسنة واحدة, فهل هذا نقد؟ النقد كما عرفناه ودرسناه بيان الاصيل من الزائف فإذا عرضت نقودك على اثير لديك فقال لك انها حقيقية لا عيب فيها فاذهب بها إلى الصيرفي فإن قال لك ما قال صاحبك فبها ونعمت وان كانت الاخرى فعليك وعلى نقدك السلام.
هذا هو النقد اللغوي، والنقد الادبي مثله، لابد لصاحبه من ادوات عدة يبيّن بها سليم الكلام من معطوبه: ثقافة ادبية وحفظ للنصوص القديمة واقامة للنحو والصرف ومعرفة للبلاغة: بيانها ومعانيها وبديعها، ومعرفة لبيئة الشاعر او الكاتب واثرها عليه، وتأثر صاحب النص بمن قبله، اهو مبدع ام مقلد ام سارق، وموافقة النص لما يعرف من كلام العرب، مع ثقافة دينية واسعة تكشف ما دخل على ادبنا من ايديولوجيات تتناقض مع ديننا وتراثنا وثقافة عامة واسعة فالاديب من يأخذ من كل علم بطرف، ولابد من معرفة العروض لاقامة وزن الشعر، مع ملكة نقدية اصيلة في نفس الناقد وبعد ذلك يتقدم الناقد بنقده ليبيّن الجيد من الحسن من الرديء، والاصيل من الزائف مع بيان الحسنات والسيئات، وأنا أميل الى بيان الاخطاء فهي التي تفيد، وكلٌ يُسرّ إذا مدحته، ويغضب إذا بينت له اخطاءه، ولكن ليتذكر صاحب النص الاثر المشهور: رحم الله امرأ أهدى إليّ عيوبي .
وعلى الناقد ان يبتعد عن التعميم،: اشعر الشعراء، واشعر الجن والانس - كما يقال قديما - وانما: هذا جيد لكذا وكذا وهذا رديء لكذا وكذا.
أما ما نقرؤه من نقد هذه الايام وما نسمع من اشياء: تقرأ مقالا كاملا أو اكثر في نقد ديوان شعر او قصة او رواية، ويأتي الناقد بكل الالفاظ الحديثة من التشييء إلى التحييث الى التناص الى المثاقفة الى التشظي (ياساتر) إلى العمليات الميكانيكية والدينميكية والاستاتيكية في قلب النص، حتى انك لتنس الاصل او النص الذي يتكلم عنه ودون ان يذكر جملة او بيتا من النص الذي يتعرض له بالنقد وأرى من عقوبات كرة القدم، أرى فيها رمية تماس آوت لان هذا مستورد وخارج عن نقدنا العربي الاصيل.
بقي لدي خطأ فاول يستحقه - بنظري وهو ما استحدث من قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة: فالمعروف ان كلام العرب قسمان شعر ونثر، والشعر يقوم الى جانب ما يشترطه المحدثون من العاطفة والخيال وصدق التصوير - يقوم على الوزن والقافية والبحور المقيدة بتفعيلاتها: اما ان تكتب مقالة او موضوعا من اوله لآخره تجمعه تفعيلة المتدارك: فعلن فعلن,, او التقارب فعولن فعولن ثم تسمي هذه قصيدة فلا، او يكتب موضوع مليء بالعاطفة والشعور والتصوير ثم يقال قصيدة النثر فلا,, فمن أراد ان يكتب الشعر فليلتزم بركنيه الوزن والقافية والا فباب النثر يدخل الجمل .
هذا وأشكر جريدة الجزيرة السامقة وصفحة عزيزتي الجزيرة البارقة والقراء الكرام,, والسلام ختام.
نزار رفيق بشير
الرياض