تعاقبت على الأرض حضارات مختلفة من ابرز سماتها قيادة الفكر البشري بحيث تتربع الحضارة على التوجه البشري في حقبة من التاريخ، ثم تتراخى قليلاً قليلاً ثم تتوارى وتسلم القيادة الى حضارة اخرى، ومن المؤكد ان تلك الحضارات تلتزم بالمثل العليا في الأخلاق بل ان ذلك جامع لها، فالحضارة الاغريقية اشتهرت بحرية الفكر فبرز فيها المفكرون من فلاسفة ومؤرخين وادباء وكان المفكر لا يمنع عما يريد قوله، فازدهر الفكر وألفت الكتب وكونت المكتبات، ولكن الاخلاق الفاضلة هدف يسعى اليه الصغير والكبير، واعظم فلاسفة الاغريق افلاطون كان يفكر في الليل والنهار من اجل الوصول الى المدينة الفاضلة التي تسمو عن الرذائل في جميع امورها، ولم يعرف ان الفكر دعا الى الرذيلة او الى الاباحية بل ان المسعى دائماً الى تثبيت المثل العليا وعندما توارت الحضارة الاغريقية وسلمت القيادة الى الحضارة الرومانية كان فكرها ملتزماً بالاخلاق، وقد توافر ذلك عند الرومانيين قبل دخولهم في النصرانية وبعد دخولهم فيها، فهم ورثة الفكر اليوناني وممثلو الديانة النصرانية، وقد دامت الحضارة الرومانية حقبة من التاريخ ما عرف عنها التراخي في الاخلاق والانحدار في الرذيلة, وبرزت الحضارة البيزنطية بفكرها المختلط من اغريقي الى روماني غربي الى ديني (نصراني) ومع تنوع مصادر الفكر في الحضارة البيزنطية بقيت الاخلاق مطلباً عاماً لجميع المفكرين على اختلاف توجهاتهم، فلم تهن الاخلاق ولم ينحدر الفكر الى سفاسف الأمور وجاءت الرسالة المحمدية داعية الى كل فضيلة فتوارى التأثير البيزنطي وسادت الاخلاق الاسلامية في جل المعمورة، وقد سيطر المؤلف الاسلامي بفكره السامي ومثله العليا وولج الى كل بقعة في الأرض وكانت له السيطرة عبر قرون طويلة، وكان الكتاب الاسلامي يدعو الى الخير والحق والصدق والفضيلة بعموم انواعها, وتراخت الحضارة الاسلامية عن السيطرة عندما زاحمتها الحضارة الغربية الحديثة، وقد بهرت العالم بالمكتشفات الحديثة فنابليون جعل وسيلته في مصر المكتشفات الحديثة فقد تعجب المصريون مما رأوا وأقروا لما جاء به الفرنسيون كان ذلك قبل قرنين من الزمان اما اليوم فقد خطت الحضارة الغربية خطوات واسعة في جميع المجالات الفكرية والبحثية والاجتماعية وقد افسحت تلك الحضارة للحرية الشخصية مساحة اوسع مما حددتها الحضارة الاغريقية فاستغل ذلك من طبعوا على الشذوذ في امورهم فهم يرغبون في كون عموم الناس على نمطهم في الشذوذ فسعوا جادين الى نشر الفضائح حتى تصبح اموراً عادية وقد استغلوا المكتشفات الحديثة من تصوير وسرعة نقل الخبر وغيرها لتعميم الأعمال الفردية لتكون قاعدة فقد عاش العالم التابع للحضارة الغربية سنوات وهو يتابع فضائح ديانا،ولما اسدل الستار على فضائح تلك المرأة بحثت الحضارة الغربية عن بديل ينشر الرذيلة فوجدت ضالتها في مونيكا التي لم تجد غضاضة في نشر فضيحتها في وسائل الاعلام المختلفة من صحافة وفضائيات وغيرهما، فالاعلام الغربي بني على الرذيلة فهو يبحث عنها وهو وجه تلك الحضارة.
ومن المعروف ان العالم يتابع الغرب في الخير والشر.
د, عبد العزيز بن محمد الفيصل