اسهم ائمة وامراء آل سعود منذ تأسيس الدولة السعودية الاولى في اعمال كان يقصد من ورائها افادة المجتمع، وتحقيق نمط من التكافل الاجتماعي لأفراده، هذا الجانب من التاريخ غير معروف نظرا لعدم عناية المؤرخين المحليين به، واغفالهم لمظاهره الانسانية التي تنم عن اهتمام حكام وافراد آل سعود بأوضاع عامة الناس ومشاركتهم لهم في كثير من الامور الاجتماعية والثقافية، كما توضح ذلك بعض الوثائق المتاحة وهي قليلة، اضافة الى اشارات متناثرة اوردها بعض المؤرخين.
ولعل من اقدم الدلائل التي تبرز دور آل سعود في مجال الخدمات الموجهة الى عامة الناس وقفية الامام عبدالعزيز بن محمد بن سعود التي احتوت على معلومات تخص وقف نسخة من ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري لأحمد بن محمد الخطيب القسطلاني تقع في سبعة مجلدات يعود تاريخ نسخها الى القرن الثاني عشر الهجري، ونص الوقفية هو:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الاولين والآخرين، اما بعد فقد وقف وسبل عبدالعزيز بن سعود تقبل الله منه هذا المجلد من شرح البخاري وبقية المجلدات، وهن سبعة مجلدات، وجعل نصفهن سبالة للشيخ محمد الله يعفى عنه ونصفهن سبالة لابيه وأمه عفا الله عنهم، وشهد على هذا ابراهيم بن الشيخ محمد وعبدالله بن عبدالعزيز، وكتبه وشهد به عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب، كفى بالله شهيدا، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
واذا عرفنا ان الامام عبدالعزيز توفي في عام 1218ه/1802م ادركنا قدم هذا التوجه لدى الاسرة السعودية الكريمة، ووقف كتاب ارشاد الساري بمجلداته السبعة هو دون شك جزء من اوقاف اخرى لم تصلنا معلومات عنها، وقد ذهب احد الباحثين الى الاعتقاد وبعد دراسة الوقفية بان الامام عبدالعزيز كان يملك مكتبة خاصة عمل على وقفها لتكون منارة لطلاب العلم، الا ان مقتنياتها لم تحظ بالعناية المطلوبة فتفرقت بين ايدي الناس ولم يبق منها أي عنوان محفوظ في مكتبة معروفة.
وليس بمستغرب عناية الامام عبدالعزيز بالعلم قد عرف عنه منذ نشأته اهتمامه بهذا الجانب فقد ارسل الى الشيخ محمد بن عبدالوهاب عندما سمع بدعوته السلفية وهو في العيينة قبل ان ينتقل الى الدرعية يطلب منه تفسيرا لسورة الفاتحة، وكان الامام عبدالعزيز في ذلك الوقت دون العشرين.
وعندما انتقل الشيخ محمد بن عبدالوهاب الى الدرعية اصبح عبدالعزيز بن محمد من ابرز تلاميذه، وعندما تولى الحكم اولى العلماء وطلبة العلم رعاية فائقة، وهذه الرعاية امتدت الى الصغار منهم، فقد كان الصبيان من أهل الدرعية اذا خرجوا من عند المعلم يصعدون الى الامام عبدالعزيز في مقره بالواحهم فيعرضونها عليه، فمن كان خطه متقنا اعطاه عطاء جزيلا ويعطي الآخرين أقل منه لحفزهم على التنافس في طلب العلم.
واذا كان الامام عبدالعزيز يعد رائدا بين افراد اسرة آل سعود منذ فترة التأسيس في العناية بالعلم وتوفيره لافراد المجتمع، فقد تعاقب من بعده جملة من الائمة الذين اهتموا بالعلم والعلماء ابرزهم الامام تركي بن عبدالله (1240 - 1249ه:1825 - 1838م) الذي ابدى اهتماما ملحوظا بالعلم والعلماء يؤكد على ذلك انه جعل له مجلس علم مفتوحا في كل يوم اثنين وخميس يحضره عامة الناس للاستماع الى ما يلقيه الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب عالم الدولة في ذلك الوقت.
ثم جاء من بعده ابنه الامام فيصل بن تركي (1250 - 1254ه/ 1834 - 1838م) (1259 - 1282ه/ 1843 - 1865م) فاظهر حبا للعلم وشغفا بجمع الكتب، وكانت فترته فترة ازدهار ثقافي واسع (5)، وقد تأثر به افراد اسرته تأثرا واضحا، حتى ان اغلب النماذج المتوافرة بين ايدينا اليوم والتي تدل على اهتمام افراد آل سعود بتوفير الخدمات الثقافية والعلمية للمجتمع، جاءت من فترته ابرزها مجموعة من وقفيات الكتب تحمل اسماء بعض ابنائه مثل الامام عبدالله بن فيصل بن تركي الذي وقف كتبا كثيرة موزعة اليوم في مكتبات عدة بمدينة الرياض، كذلك وقف ابنه محمد مجموعة من الكتب التي تحتفظ المكتبات الرسمية والخاصة في مدينة الرياض ببعضها، ووقف الامام عبدالرحمن بن فيصل مجموعة من الكتب كما اهتم الملك عبدالعزيز بهذا الجانب فوقف كتبا وامر بنشر مجموعة من الكتب على حسابه الخاص.
ولم يقتصر الاسهام في فعل الخير من قبل آل سعود على الرجال منهم، بل تعداه الى نسائهم اللاتي تسابقن في الاسهام في خدمة مجتمعهن بطرق شتى كما كان حال رجالهم، منها تقديم العون للمحتاجين، والعناية بطلبة العلم والحرص على تشجيع الصغار على قراءة القرآن وحفظه وتحفيزهم على تعلم الفروسية، وتقديم المساعدات للنساء المقدمات على الزواج.
واقدم النماذج المتوفرة بين ايدينا في هذا المجال تتركز على وقف الكتب مما يجعلنا نستنبط انهن سعين سعيا حثيثا الى توفير الكتب لطلبة العلم في وقت كان الحصول على الكتاب غير متيسر الا للقادرين والاثرياء لغلاء ثمنه واقدم نموذج في هذا المجال وقفنا عليه وقفية للأميرة نورة بنت الامام فيصل بن تركي يعود تاريخها الى عام 1276ه.
والأميرة نورة هي كبرى بنات الامام فيصل بن تركي وكانت عزوة آل فيصل، وقد عرفت بقوة الشخصية دليل ذلك انها اظهرت مواقف مضادة لآل رشيد الذين بسطوا نفوذهم على الرياض في اعقاب موقعة المليداء عام 1308ه التي استتبعها خروج الامام عبدالرحمن بن فيصل واسرته الى الكويت، ونتيجة لمواقف نورة اخرجت من الرياض بامر من سالم بن علي بن سبهان في عام 1316ه وقد عانت الاميرة نورة في تدبير مسألة خروجها الى الدرعية معاناة كبيرة حتى وصلت اليها بعد ان تكبدت الامرين، وبقيت مقيمة فيها الى وفاتها عام 1318ه.
ويعود تاريخ وقفية الاميرة نورة الى عام 1276ه وهي مدونة على نسخة من كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين لابي عبدالله محمد بن ابي بكر بن ايوب الزرعي ابن قيم الجوزية.
وفي نص الوقفية دلالة على رغبتها ان يستفاد من الكتاب على نطاق واسع غير محدد اذ جعلته وقفا على طلبة العلم من المسلمين لايمنع منه من ينتفع به، ولعل من المناسب ايراد نص الوقفية وهو كما يأتي:
بسم الله الرحمن الرحيم، يعلم الناظر اليه والواقف عليه ان هذا الكتاب اوقفته رجاء الاجر والثواب نورة بنت الامام فيصل بن تركي على طلبة العلم من المسلمين لا يمنع منه المنتفع، اعظم الله لها الاجر في ذلك وتقبله، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، 19 جمادى الاولى سنة 1276ه .
ويتبين من النص ان هدف الاميرة كان البحث عن الثواب والاجر من الله من خلال هذا الكتاب الذي اتاحت من خلاله لشريحة من المجتمع الانتفاع من كتاب مهم لعله لم يكن يتوافر بين ايدي الناس قبل ان تقوم هي بوقف هذه النسخة منه.
كما وقفت الاميرة نورة كتابا اخر هو صحيح البخاري في مجلدين، وخصت بالوقف حمد بن عبدالعزيز,, ومن المعروف انه في مثل هذه الحالات من الوقف لا يعني تحديد الاسم ان تقتصر الاستفادة على الموقف عليه بقدر ما يكون هو الناظر والقيم على حفظه واتاحته للاخرين، ونص وقفيتها هو:
بسم الله الرحمن الرحيم لقد وقفت وحبست نورة بنت الامام فيصل هذا الكتاب على العبد الفقير الى ربه حمد بن عبدالعزيز بن محمد بن عبدالعزيز (,,,) سنة 1277ه، وصلى الله على (,,,,).
ووقف ايضا نسخة من الادب المفرد للامام البخاري، وورد النص كما يأتي:
بسم الله الرحمن الرحيم، يعلم من يراه ان نورة بنت الامام فيصل بن تركي حفظها الله تعالى اوقفت هذا الكتاب المبارك لوجه الله تعالى اوقفته طلبا للثواب من رب الارباب وعملا بحديث اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث: صدقة جارية، او علم ينتفع به، او ولد صالح يدعو له فمن بدله بعدما سمعه فانما اثمه على الذين يبدلونه ان الله سميع عليم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، سنة 1278ه .
وشاركتها الاهتمام بهذا الجانب عمتها الجوهرة بنت الامام تركي بن عبدالله التي ولدت على وجه الترجيح في نهاية العقد الثالث من القرن الثالث عشر الهجري، وقد تزوجت من عبدالله بن علي بن رشيد وحظيت بمكانة كبيرة في نفسه يدلل على ذلك نظمه القصائد والابيات فيها.
ووقفت الجوهرة في عام 1281ه نسخة من كتاب اقسام القرآن والكلام على ذلك، لابن قيم ونص وقفيتها كما يأتي:
يعلم الناظر اليه ان الجوهرة بنت تركي بن عبدالله بن محمد السعود وقفت هذا الكتاب لوجه الله تعالى طلبا للثواب من رب الارباب لايباع ولايرهن فمن بدله بعدما سمعه فانما اثمه على الذين يبدلونه ان الله سميع عليم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، 29,,, سنة 1281 ه .
ووقف ايضا نسخة من كتاب العلو للعلي في ايضاح صحيح الاخبار وسقيمها للذهبي في السنة التي وقف فيها الكتاب السابق، وجاء نص وقفيتها كما يأتي:
يعلم من يراه بان الجوهرة بنت تركي بن عبدالله بن سعود وقفت هذا الكتاب طلبا للثواب من رب الارباب لايباع ولا يرهن فمن بدله بعدما سمعه فانما اثمه على الذين يبدلونه ان الله سميع عليم، وصلى الله على محمد 29,,, سنة 1281ه .
ووقفت الجوهرة ايضا كتابين لم يحدد عليهما تاريخ وقفهما اولهما: رفع الملام عن الائمة الاعلام لابن تيمية وجاء نص الوقفية:
هذا ما وقفت الجوهرة بنت الامام تركي لوجه الله ترجو بذلك ثواب الله ويبدو انها وقفته بعد عام 1284ه اذ ان النسخة تحمل تاريخ تملك عليها باسم محمد بن عبدالعزيز ,, ولعلها اشترته منه بعد ذلك التاريخ ومن ثم وقفته.
اما الكتاب الاخر فهو شرح حديث معاذ بن جبل لابن رجب الحنبلي ووردت الوقفية كما يأتي:
هذا ما وقفت الجوهرة بنت الامام تركي لوجه الله ترجو بذلك ثواب الله,, ولتشابه نص هذه الوقفية مع سابقتها وكذلك لتشابه الخط فاننا نذهب الى انها وقفته كما السابق بعد عام 1284ه.
وكان لسارة بنت الامام تركي بن عبدالله التي لا نملك أية معلومات عن حياتها من مثل ميلادها، زواجها، او ابنائها ان كان لها ابناء، اضافة الى تاريخ وفاتها، غير ان ما نملكه معلومات عن مشاركة واضحة واسهام بيّن في هذا المجال (وقف الكتب) فقد وقفت في عام 1286ه نسخة من فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد لعبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب ويحتوي نص الوقفية على معلومة تدل على انها اشترت الكتاب من شخص يدعى عيسى بن مفتاح، ومن ثم وقفتها على طلبة العلم في مدينة الرياض.
ونص الوقفية طويل نورده فيما يأتي:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده انتقلت هذه النسخة المباركة من ملك عيسى بن مفتاح الى ملك الحرة المصونة سارة بنت الامام تركي بن عبدالله آل سعود، وقد اوقفتها لوجه الله تعالى على طلبة العلم في بلد الرياض وقفا صحيحا لايباع ولا يوهب ولا يرهن فمن بدله بعدما سمعه فانما اثمه على الذين يبدلونه، ان الله سميع عليم وصلى الله على,,, سنة 1286ه .
كما اسهمت في هذا الجانب الخيري الموجه الى دعم العلم زوجة الامام فيصل بن تركي ووالدة ابنيه عبدالله ومحمد وهي منيرة بنت مشاري بن حسن بن مشاري آل سعود فوقفت نسخة من كتاب تطهير الاعتقاد من ادران الالحاد للصنعاني، وذلك في عام 1286ه، وجاء نص الوقفية كما يأتي:
يعلم الناظر اليه ان حسين بن نفيسة شهد عندي بان منيرة بنت مشاري اقرت بانها وقفت هذا الكتاب الشريف على يد ابنها محمد بن فيصل ليكون معلوما عند من نظر اليه ، كتب شهادته عنها عبدالعزيز بن صالح بن مرشد وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم سنة 1286ه .
واذا كانت الوقفيات السابقة تظهر ما كان لاميرات آل سعود من اهتمام بفعل الخير ودعم احتياجات مجتمعهن في القرن الثالث عشر، فان هناك مشاركات لهن جاءت عقب ذلك، واقدمهن مشاركة الاميرة الجوهرة بنت الامام فيصل بن تركي، التي ولدت على وجه الترجيح في اوائل العقد السابع من القرن الثالث عشر الهجري، وتنتمي الجوهرة من ناحية والدتها الى آل معمر فوالدتها سارة بنت عبدالعزيز بن حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر، التي تزوجت من الامام فيصل بعد عودته من مصر في عام 1259ه خلال اقامته في سدوس قبل دخوله الرياض، وانجبت له عدة ابناء ماتوا جميعا ماعدا الجوهرة التي حظيت كما اخواتها الاخريات برعاية والدهن، كما ان نشأة والدتها في بيت علم كان له دور واضح في تكوينها العلمي ويبدو ذلك جليا في المام الجوهرة ومعرفتها بالتاريخ والسير وحفظها للقرآن واستيعابها لكثير من السنة والاستنباطات الفقهية واهتمامها بجمع الكتب ووقفها على طلبة العلم من مثل ما وقفته في عام 1318ه، اي في فترة وقوع الرياض في يد آل رشيد وهو كتاب حادي الارواح الى بلاد الافراح لابن قيم الجوزية، ونص الوقفية هو:
وقفت الفقيرة الى الله سبحانه الجوهرة بنت الامام فيصل على من ينتقع به من المسلمين لوجه الله تعالى، فمن بدله بعد ما سمعه فانما اثمه على الذين يبدلونه ان الله سميع عليم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم، جرى ذلك سنة 1318ه .
ونعرف من خلال الاحداث التاريخية ان الاميرة الجوهرة في ذلك العام كانت مقيمة في الرياض ، وان اقامتها كانت آمنة من مضايقات رجال محمد بن عبدالله بن رشيد نتيجة لطلب الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ من رجال آل رشيد عدم التضييق عليها، في الوقت الذي غادرت اختها نورة الى الدرعية خوفا منهم.
وفي فترة بقائها داخل الرياض كانت تعيش بالقرب منها ابنة اخيها سارة بنت الامام عبدالله بن فيصل بن تركي حيث تولت رعايتها وتربيتها،ولذلك فاننا لا نعجب ان تتأثر الاميرة سارة بنهج عمتها الجوهرة فتوقف في مرحلة لاحقة مجموعة من الكتب على طلبة العلم.
ويتضح لنا من النصوص السابقة انها جميعها كانت من قبل اميرات يبدو عليهن التأثر بمنهج وسلوك الامام فيصل بن تركي الذي كان كما اشرنا من قبل محبا للعلم والعلماء هن اثنتان من بناته واثنتان من اخواته وزوجة من زوجاته.
وقد انعكس هذا التأثر على محيط اسرة الامام فيصل بن تركي فهذه الجوهرة بنت مساعد بن جلوي حفيدة جلوي بن تركي أخ الامام فيصل بن تركي والتي ولدت في عام 1318ه وعانت مع اسرتها وهي رضيعة الخروج الى الكويت، وزاد الامر صعوبة وفاة والدها في الكويت، ويذكر البعض انه توفي وهو في طريقه الى الكويت.
وقد تزوج الملك عبدالعزيز من الجوهرة بنت مساعد في عام 1326ه/1908م ، وكان ان وجد فيها نبض حب افتقده من زمن، فاحبها حبا غامرا وتعلق بها الى درجة انه كان يتألم لألمها كما كان ينظم فيها قصائد تعبر عن حبه لها، وعلى الرغم من انه كانت له زوجات اخريات في حياتها الا انه احتفظ بحبه الحقيقي لها وحدها من دونهن جميعا، وتوفيت الجوهرة في سنة الرحمة عام 1337ه واشتهرت الجوهرة بحب الخير والسعي الى فعله فقد وقفت مجموعة من الكتب منها كتاب الترغيب والترهيب من الحديث للامام زكي الدين عبدالعظيم بن عبدالقوي المنذري ونص وقفيتها.
قد اوقفت هذا الكتاب الفقيرة الى الله الجوهرة بنت مساعد بن جلوي لوجه الله تعالى ورجاء لثوابه على طلبة العلم، ومن كان عنده فلا يحبسه ولا يمنع من اراد القراءة فيه ويتحفظ عليه من الخلل (فمن بدله بعد ما سمعه فانما اثمه على الذين يبدلونه ان الله سميع عليم) وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم ، حرر سنة 1337ه .
وتبين لنا من خلال ما قمنا به من تقصٍ ان اغلب من اسهمن في القرن الثالث عشر واوائل الرابع عشر الهجريين من النساء في الفعل الاجتماعي الذي تركز على وقف الكتب كن من اميرات آل سعود وان كان هناك نساء اخريات شاركن بوقف كتب على طلبة العلم.
اما الجوانب الاخرى اللاتي اسهمن فيها واردن من خلالها مساعدة مجتمعهن وتوفير بعض الاحتياجات لافراده فإن من اقدم نماذجه ما فعلته الجوهرة بنت الامام فيصل بن تركي التي خصت وقفا لزينة العروس يتمثل في تقديم ثوب وبعض القطع الذهبية للمقبلات على الزواج، ثم قصرت هذا الوقف على ادوات الزينة من حناء وطيب وديرم وغيرها.
وصنيع الجوهرة هذا يدل على حس اجتماعي، ووعي بأهمية الاسهام في جوانب من حياة المجتمع في ذلك الحين، إذ من المؤكد ان غالبية النساء كن يفتقرن حال زواجهن الى الملابس وادوات الزينة المناسبة.
واضافة الى ذلك كان للجوهرة مسقاة ماء بجوار سور دخنة، كانت تعد من اشهر مساقي الرياض في وقتها، وقد انتفع بها اناس كثيرون.
كما كانت الجوهرة بنت مساعد بن جلوي بن تركي تعمل على تحفيز الشباب والصبيان على مزاولة الفروسية وتشجيعهم على اتقانها.
وكان للأميرة نورة بنت الامام عبدالرحمن بن فيصل شقيقة الملك عبدالعزيز دورها المتميز وافعالها الكريمة نذكر منها:
1- انها كانت تشفع عند الملك عبد العزيز لكثير من المحتاجين، ومن لهم مشكلات تحتاج الى حل، وكانت الاميرة نورة تدقق فيما ينقل اليها وتمحصه قبل ان تقدم على الشفاعة.
2- انها كانت تهتم بتنمية قدرات الاطفال وتوسيع مداركهم العلمية وتحفيزهم على التعلم ويبدو ذلك من اهتمامها بالاطفال الذين يختمون القرآن إذ كانت تكافئهم على فعلهم.
3- كانت توزع العطايا على الفقراء، شفوقة حنونة تعامل كل من يلجأ اليها بكل لين وعطف وتحرص على احترام مشاعرهم.
وامتد اسهام اميرات آل سعود الى أنماط اخرى من العمل الخيري من مثل ما عملته الاميرة سارة بنت الامام عبدالله بن فيصل بن تركي التي وقفت نخلا يعرف بالدريبية واوصت ان يصرف من ريعه على اضاح لوالدتها واخواتها، وان فاض عن حاجة الاضاحي فينفق في امور خيرية من عمارة مساجد واحسان الى ضعفاء وارامل من النساء، وخصصت اوقافا تصرف على حفظة القرآن الكريم، وقد احتوت وثيقة شرعية على كل ما فعلته من عمل خيري نجد ان من المستحسن سردها هنا حتى يتبين للمستمعات مقدار ما قدمته هذه الاميرة الفاضلة وهذا هو النص:
الحمد لله وحده اقرت لديّ سارة بنت الامام عبدالله آل فيصل في جواز صحة الاقرار منها شرعا، وذلك بحضرة محمد بن عبدالمحسن بن دهمش قائلة ان نخلي المسمى الدريبية الآيل إلى اصله بالاقطاع من جلالة الملك الراحل عبدالعزيز والآيل اليّ غرسه من راشد بن عبدالله بن تويم، واخيه عبدالعزيز بخمسة وستين الف (65000) ريال نصيب راشد بخمسة وثلاثين الف (35000) ونصيب عبدالعزيز بثلاثين الف (30000) ريال موجب الوثيقتين اللتين احداهما بإملاء الشيخ عبداللطيف بن ابراهيم على نصيب راشد وعليها ختمه والمؤرخة في 2/6/1382ه، والثانية بإملائنا وعليها ختمنا المؤرخة 3/2/1389ه، وبعد استقلال الملك لها ارضا ونخلا وغير ذلك، اقرت لديّ بأنها أوقفته وقفا وجعلت فيه ثلاث أضاحٍ واحدة لها، وواحدة لوالديها عبدالله بن فيصل ووالدتها رقية بنت شايع بن فجري، والثالثة لاخواتها الاربع بنات عبدالله بن فيصل هيا وسارة وموضي ولولوة، وان احتاج النخل الى زيادة حيث لم يكف نفسه فيصرف له من غلة العمارة التي اوقفتها على شارع القري ما يكفيه، وان كفى النخل نفسه وراع فيه زيادة على الاضاحي فيصرف فيما ينفعها بعد موتها من عمارة مساجد او احسان الى ضعفاء من اقاربها، او غيرهم، والأرملة والنساء اولى في الاعطاء منها، او تفطير في مساجد في رمضان,,,
واذا كانت الجهود السابقة لاميرات آل سعود هي جهود فردية، وذات ثمار محدودة تخص منطقة واحدة من مناطق المملكة العربية السعودية، فإن جهودا تالية جاءت اكثر انتشارا وذلك بحكم الواقع التاريخي المبني على تأسيس دولة شامخة عمت اغلب اجزاء شبه الجزيرة العربية مكونة المملكة العربية السعودية.
ففي خلال هذه الفترة الزمنية اسهمت بعض اميرات آل سعود في اعمال اخذت صبغة عامة في تأثيرها بحكم ان المقصود منها في الاصل كان التوجه الى كافة الناس ليستفاد منها.
كما تميز اسهام اميرات آل سعود في فترة تكوين المملكة العربية السعودية بتوجهه نحو النساء وتركزه على التعليم شعورا من الاميرات بان هناك حاجة ملحة لانتشال المرأة من الامية والعمل على رفع مستواها اجتماعيا من خلال التعليم, والمبادرة الاولى في هذا الجانب جاءت من الاميرة عفت الثنيان آل سعود، حرم جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، حيث اسست في عام 1375ه مدرسة دار الحنان.
وأرى انه من المهم التعرف على شخصية الاميرة عفت قبل الحديث عن اسهامها، فنسباً هي عفت منيرة بنت محمد سعود بن عبدالله بن عبدالله بن ثنيان آل سعود، وقد اقام عبدالله بن عبدالله بن ثنيان اقامة جبرية في استانبول بعد ان قبض عليه الانجليز في الهند وسلموه للعثمانيين، وهناك تزوج من شركسية هي تازرو هانم (ومعنى اسمها الروح الخفيفة) حيث انجبت له محمد سعود، واحمد، وسلمان، وجوهران، ثم تزوج محمد سعود من آسيا هانم التي انجبت له عفت في عام 1912م وزكي.
وواجهت الاميرة عفت في فترة طفولتها وصباها مع اسرتها بعض الصعاب، نظرا لوفاة والدها، مما اضطر والدتها للزواج من رجل آخر سافرت معه الى مكان اقامته، وبقيت عفت برعاية عمتها جوهران التي كانت هي الاخرى تعتمد على عفت نظرا لأنها كانت مشلولة.
وبالرغم من قساوة الحياة وضيق ذات اليد الا لما يكفي عيشها وعيش عمتها الزهيد واصلت الاميرة عفت تعليمها الاولي والثانوي في المدارس التركية، مكتسبة بذلك ثقافة حديثة نظرا لأن التعليم في تركيا في ذلك الوقت كان متطورا.
وكانت الاميرة عفت في ذلك الوقت تعرف مكانة اسرتها في شبه الجزيرة العربية، فخططت مع عمتها على انهاء مرحلة الغربة والعودة الى موطن الآباء والأجداد، فكتبتا الى الملك عبدالعزيز ليأذن لهما بالعودة، فرحب الملك عبدالعزيز ووجه نائبه في الحجاز سمو الامير فيصل بتسهيل مهمة دخول عفت وعمتها جوهران، فقدمتا الى الحجاز وكان ذلك في عام 1350ه - 1932م، وهناك تزوج بها الامير فيصل بن عبدالعزيز، وانجبت له سمو الاميرة سارة، وسمو الامير محمد، وسمو الاميرة لطيفة، وسمو الامير سعود، وسمو الامير عبدالرحمن، وسمو الامير بندر، وسمو الامير تركي، وسمو الاميرة لولوة، وسمو الاميرة هيفاء.
ومنذ زواجها من الملك فيصل عندما كان نائبا للملك في الحجاز ووزيرا للخارجية، ثم وليا للعهد الى حين توليه الملك، اتخذت الاميرة عفت مواقف تصب جميعها في صالح خدمة المرأة، تحل مشاكل بعضهن في مجلسها المفتوح، وتعين من يحتاج الى العون، وترفع الى الملك في امور تحتاج الى تدخله للنظر فيها.
ولم يبعدها اهتمامها بمشاكل عامة النساء عن الاهتمام بأفراد اسرتها الصغيرة فاعتنت عناية كبيرة بتربية ابنائها وابناء الملك فيصل الآخرين، ذكورا وإناثا، مركزة على غرس روح التواضع وحسن التعامل وطلب العلم في نفوسهم، ويوضح ذلك انها احضرت مدرسين خصوصيين لهم لتدريسهم اللغة العربية، وعلوم الدين، كما اعتنت بأن يتحصلوا من خلال المدرسين على اللغة الانجليزية والتركية.
واذا ركزنا على دورها في خدمة المجتمع بشكل جماعي واضح فإن اول ما فعلته هو انها اتفقت والملك فيصل على انشاء المدرسة النموذجية في الطائف في اوائل الاربعينات الميلادية، التي التحق بها أبناؤها الى جانب آخرين من عامة الناس، تلقوا فيها تعليما نظاميا، واشتهرت هذه المدرسة بمدينة الطائف ثم نقلت فيما بعد الى جدة وتحول اسمها الى مدارس الثغر النموذجية.
والحقت الاميرة عفت بالمدرسة النموذجية قسما خاصا لتدريس بناتها كان يشرف عليه بعض النساء، ثم التحق بهذا الجزء بنات اخريات من بنات عامة الناس.
وكانت هذه المدرسة كما يوحي اسمها ويعكس ذلك واقعها في تلك الفترة نموذجية في ادائها اذ كانت تمارس فيها الانشطة الرياضية والاجتماعية الى جانب المواد التعليمية.
واما الجهد الامثل والابرز للأميرة عفت فكان عند افتتاحها مدرسة دار الحنان في جدة عام 1375ه، ففي تلك الفترة لم يكن هناك تعليم نظامي، بل كان السائد في تعليم المرأة هو الكتاتيب، وبعض المدارس الأهلية التي لم تكن على مستوى متطور بل كانت تقترب في ادائها من روح الكتاتيب مع توسع في تدريس بعض المواد الحديثة، وتنظيم الانتقال من مرحلة الى اخرى.
وجاءت مدرسة دار الحنان لتكون نقلة فعلية في تعليم المرأة، ووفقا لما ترويه صاحبة السمو الملكي الاميرة لولوة الفيصل فإن الاميرة عفت كانت تخطط لانشاء هذه المدرسة، وكانت تسعى الى تحقيق الفكرة وتنفيذها بجهدها وما لها عارفة في داخلها ان الملك فيصل سيسعد ويسر بهذا الأمر لأنه هو نفسه كان يشجع تعليم المرأة، ويسعى الى انتشاره.
وكانت فكرة مدرسة دار الحنان ان تكون مدرسة داخلية تعنى باليتيمات ومن هنا جاء اطلاق دار الحنان عليها، وقد واجهت المدرسة في بداية تأسيسها صعوبات تتمثل فيما يأتي:
1- قلة الاداريات اللاتي يمكن أن يعملن فيها.
2- قلة المدرسات المؤهلات القادرات على تقديم عطاء يتناسب واهداف المدرسة.
3- عزوف الأهالي عن الحاق قريباتهن من اليتيمات في هذه المدرسة.
وقد تم التغلب على الصعوبة الأولى عندما استعانت الاميرة عفت بالسيدة مفيدة الدباغ الفلسطينية الجنسية لتتولى ادارة المدرسة، كما استعين بمدرسات من البلدان العربية للعمل فيها.
وفيما يخص الصعوبة الثالثة فقد عملت الاميرة عفت على شرح دور هذه المدرسة واظهار اهدافها واستطاعت ان تقنع بعض الأهالي بالحاق من لديهم من اليتيمات فيها، وكان لدور الاميرة عفت في المدرسة النموذجية في الطائف اثره في اقدام افراد جاءوا من مدينة الطائف ببنات يتيمات ليلحقوهن في دار الحنان، وشعرت الاميرة عفت ان هذه المدرسة يمكن ان تقدم دورا اكبر من مجرد الاكتفاء بتدريس البنات اليتيمات ففتحت مجال الالتحاق فيها لمن يرغب.
وكانت بداية هذه المدرسة بثلاثين طالبة، وبذلت الاميرة عفت دورا كبيرا في احتضانهن ورعايتهن رعاية كريمة بنفسها، فكانت تشرف على خياطة الزي المدرسي لهن، ونظافتهن الشخصية وابعاد الوحشة عن نفوسهن.
ومنذ عام 1376ه بدأت اعداد الطالبات تتزايد في هذه المدرسة، فقد بلغ عددهن في ذلك العام خمسين طالبة، وارتفع العدد في العام الذي يليه.
ولم تكن دار الحنان مدرسة عادية بل كانت كما ارادت لها صاحبتها ومؤسستها الاميرة عفت مدرسة متميزة لا يقتصر التعليم فيها على مواد جافة بل كانت هناك انشطة مساندة تتيح للطالبات استغلال مواهبهن وتقديم ابداعاتهن، كما كانت المدرسة تسهم من خلال طالباتها في اعداد برامج الاطفال التي كان يقدمها التلفزيون السعودي.
ولا تزال هذه المدرسة قائمة اليوم تستقبل الطالبات من الحضانة الى نهاية المرحلة الثانوية، وقد كان في خطة الاميرة عفت عند تأسيس هذه المدرسة ان تستمر مراحل التعليم فيها الى المرحلة الجامعية، غير ان الظروف لم تساعدها في ذلك الوقت على تحقيق هذه الفكرة فقامت بفتح مركز للتدريب المهني، وظلت فكرة التعليم الجامعي راسخة في داخلها يوضح ذلك انها اظهرتها من جديد في مشروع كلية عفت الاهلية في جدة التي سوف ترى النور قريبا ان شاء الله، وبها تكون الاميرة عفت قد حققت هدفا اساسيا سعت منذ فترة طويلة الى تحقيقه رغبة منها في خدمة مجتمعها وعلى وجه الخصوص المرأة فيه.
وللأميرة عفت اسهام طيب في مساندة كليات البنات في مرحلة بداياتها الاولى حيث انها كانت ترعى بعض الانشطة فيها، وتقدم الدعم المعنوي لها، من امثلته مساندة الرئاسة العامة لتعليم البنات في تشجيع البنات على الالتحاق بالكليات.
واذا كان الجانب الذي تحدثنا عنه ركز على التعليم، فإن للأميرة عفت اسهامات اخرى منها دعمها للجمعيات الخيرية، فقد كانت اول رئيسة فخرية للجمعية الخيرية في جدة، ثم رئيسة فخرية لجمعية النهضة في الرياض، وكانت اجتماعات مؤسسات الجمعيتين تعقد في قصرها في فترة التخطيط والانشاء، وكن يحظين منها بكل الدعم والمساندة.
إن ما تحدثت عنه وما عرضت له من اسهام وتميز بارز للأميرة عفت هو نزر يسير من اسهاماتها وجهودها التي لا يتسع المجال الى تقصيها ورصد كل جوانبها في محاضرة موجزة كهذه، غير ان ما ينبغي الاشارة اليه والتأكيد عليه ان اسهام الاميرة عفت يوضح بجلاء ما قامت به من اجل اعطاء المرأة بعض حقها في ظل احكام الشريعة الاسلامية وتقاليد مجتمعنا العربي المسلم، وهي في ذلك تقدم أنموذجا رائعا لتفهمها لمسؤولياتها وواجباتها نحو مجتمعها.
ومن الإسهامات التعليمية الاخرى ما قامت به سمو الاميرات نورة وموضي وحصة كريمات الملك سعود رحمه الله، وقد تلقت سمو الاميرة نورة وشقيقتها سمو الاميرة موضي تعليما بسيطا كما هو السائد في تلك الفترة والمتمثل في تعليم الفتاة القرآن عن طريق المطوعين او المطوعات.
أما الاميرة حصة والتي ولدت في عام 1940م على وجه التقريب في مدينة الرياض فقد تلقت تعليمها على يد مدرسات احضرهن والدها الملك سعود عندما كان وليا للعهد لتعليم بناته.
وفي عام 1376ه كان انتقال مدرسة الكريمات الى مبانيها الخاصة في قصر الناصرية، ونتيجة لتزايد الإقبال على تلك المدرسة اخذت الأميرة حصة تخطط لفكرة إنشاء مدرسة اخرى في الرياض ينضم اليها قطاع اكبر من المواطنات لاكتمال اعداد الطالبات في مدرسة الكريمات، ومضت في هذا الطريق بالاتفاق مع اختيها الاميرتين نورة وموضي حيث عرضن على والدهن الملك سعود عند عودته من خارج المملكة، فتح مدرسة للبنات اليتيمات واشعرنه ان فتحها هو احتفاء بمقدمه، وكان الهدف من المدرسة خدمة الفتيات اليتيمات وغيرهن في مدينة الرياض، وقد اذاع راديو المملكة العربية السعودية انه احتفاء بعودة الملك سعود بسلامة الله الى البلاد، ومشاركة الامة الكريمة في افراحها، فقد تبرعت كريمات جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز بإقامة مبرة ميمونة لاقامة اليتيمات في دار تضمهن .
كما نشر في مجلة المنهل في عددها الصادر في ذي القعدة 1376ه موضوعا عن هذه المبرة بعنوان مبرة كريمات جلالة الملك المعظم ومما جاء فيه ان مبرة كريمات جلالة الملك مشروع اجتماعي عظيم تقوم به المرأة في بلادنا .
وتوضح سمو الاميرة حصة ان عدد الفتيات الملتحقات بالمبرة في سنتها الاولى كان اربع عشرة طالبة التحقن جميعا في القسم الداخلي ثم ارتفع العدد في العام الذي يليه الى خمسين طالبة في القسمين الداخلي والخارجي.
وقد وزعت الاميرات الثلاث العمل فيما بينهن فكانت الاميرة نورة هي رئيسة المبرة والاميرة موضي نائبتها اما الاميرة حصة فقد كانت امينة السر والمشرفة العامة لها تعمل يوميا من الساعة التاسعة صباحا حتى الساعة الثانية بعد الظهر،
وقد لقيت المبرة بعض الصعوبات عند إنشائها اذ اعترض بعض الاهالي على قيامها وطالبوا باقفالها وقدموا اعتراضا للملك سعود الا انه وقف الى جانب بناته وشجعهن على استمرار بقاء المدرسة.
كما واجهت المبرة عقبة الكادر الاداري والتعليمي، فاستعانت بالسيدة زاهية عسيران من لبنان كمديرة، وتمت الاستعانة بعدد من المعلمات من البلدان العربية المجاورة.
وبمرور الوقت بدأ الاهالي في قبول فكرة هذه المدرسة وخاصة بعد ان عرفوا ان التعليم فيها مجاني وان القائمات على المدرسة يوفرن للفتيات كل ما يسهم في راحتهن ويساعدهن على التحصيل العلمي.
وحظيت هذه المدرسة بدعم ومساندة من الملك فهد (الذي كان وزيرا للمعارف آنذاك) حيث امد هذه المدرسة بالمناهج التعليمية وفي فترة لاحقة ارتفع عدد طالبات المدرسة الى 220 طالبة في القسمين الداخلي والخارجي مما يدل على قبول الناس واعترافهم بدورها الفاعل.
وكانت مراحل التدريس فيها تتدرج من الروضة الى نهاية الاعدادية، وكانت المبرة توفر للطالبات احتياجاتهن المدرسية كما كانت توفر لهن الحافلات التي تنقل من يحتاج منهن من منازلهن الى المدرسة ثم الى منازلهن مرة اخرى.
واستمرت المبرة في جهودها التعليمية حتى عام 1385ه - 1386ه ضمت الى الرئاسة العامة لتعليم البنات واصبح اسمها المدرسة السادسة عشرة بالمربع.
الخاتمة:
يتبين لنا من هذه المحاضرة التي جمعنا اطرافها من مصادر شتى مطبوعة ومخطوطة وشفاهية ان اميرات آل سعود منذ نشأة الدولة السعودية وهن يسهمن في خدمة مجتمعهن، ويعملن في كثير من الاحيان على التقدم بمبادرات تصب في تطوير ونماء المجتمع، وكما هو واضح من هذه المحاضرة فقد تركز جانب كبير من جهودهن على النواحي التعليمية والثقافية، ففي القرن 13ه كان اكثر اسهامهن منصبا على وقف الكتب على طلبة العلم، ثم في عهد التوحيد برز إسهام واضح لهن في إنشاء المدارس والعناية بغير القادرات على التعليم، وان كان لهن جهد واضح في مجالات اخرى من مثل وقف الزينة والوقف على المساجد وتوفير الطعام للصائمين عن طريق الوقف.
هؤلاء هن أميرات آل سعود اللاتي بذلن وقدمن مما يملكن ماديا ومعنويا من اجل رقي المجتمع وتطويره، وبرز اسهامهن منذ بدايات هذه الدولة وهو مستمر من خلال بناتهن وحفيداتهن صاحبات السمو الاميرات اللاتي يسرن اليوم على خطاهن.
* محاضرة القيت ضمن نشاط دارة الملك عبدالعزيز الثقافي النسائي في يوم الاحد 26 ذي القعدة 1419ه والموضوع جديد في طرحه ومادته العلمية وقد لقي استحسان الحاضرات وتجاوبهن معه.