تكتسب منظمة التجارة العالمية WTO أهمية بالغة على خارطة التجارة الدولية لكونها الجهاز الدولي الوحيد الذي يعنى بتنظيم التجارة الدولية والتدفق التجاري بين الدول الاعضاء في المنظمة, ولقد جاء ميلاد هذه المنظمة في اليوم الاول من الشهر الاول من عام 1995م ليكمل الضلع اجهزة ما يعرف بالبرتن وودز )Bretton Woods( أو حاليا بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في إحكام السيطرة على التعاملات الدولية وبالشكل الذي يلغي التفاوت والتباين التنظيمي والاجرائي بين الدول الاعضاء, ومما لا شك فيه فإن تسابق الدول على الانضمام الى عضوية المنظمة قد جاء نتيجة لما يتضمنه ميثاق العضوية من تسهيلات تجارية وتنظيمية قد تساعد الدول الاعضاء على تحقيق الاستغلال الامثل لميزاتها النسبية بعيدا عن الحرب التجارية التي تشهدها ساحة التجارة الخارجية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن, ونتيجة لاهمية هذه المنظمة وعلاقتها الوطيدة بكافة العناصر النشطة في مجال الاقتصاد الوطني، فإن من المفيد ان نستعرض اهم ما تتضمنه بنود اتفاقية التأسيس خاصة ما يتعلق منها بالنظام التجاري )Trading System(.
يشتمل النظام التجاري لمنظمة التجارة العالمية على مجموعة من المبادئ التي تتمركز حول تسهيل عمليات التبادل التجاري عبر الحدود الدولية عن طريق إزالة أو الحد من معوقات التدفق التجاري للسلع والخدمات, ولعل أهم هذه المبادئ.
1- تجارة بدون تفرقة )Trade Without Discrimination(: تنص اتفاقية منظمة التجارة العالمية على معاملة الدول الاعضاء معاملة متماثلة بحيث تمنح كل دولة عضو صفة الشريك التجاري المفضل )Most - Favoured - Nation( والتي تعني تمتع جميع الدول الاعضاء بأي ميزة تعاملية او ضريبية قد تمنح لاي شريك تجاري, كما تنص الاتفاقية على تحقيق المعاملة الوطنية لجميع المنتجات والسلع الاجنبية على الاقل بعد وصولها لمرحلة التسويق او بعد دخولها حدود السوق المحلية.
2- العمل على توفير تجارة حرة بين الدول الاعضاء عن طريق المناقشات الثنائية والجماعية بين هذه الدول: مما لاشك فيه فإن ازالة (أو الحد من) الحواجز الجمركية وغير الجمركية تعتبر (يعتبر) من أهم الوسائل لزيادة كميات السلع والخدمات المتدفقة عبر الحدود الدولية وبالتالي فقد جاءت المنظمة لتؤكد هذه الاهمية وتعمل على إزالة هذه المعوقات كمرحلة من مراحل تنمية التجارة الدولية بين الدول الاعضاء.
3- الوعد بعدم رفع او زيادة الحواجز الجمركية على السلع والخدمات المستوردة من الدول الاعضاء: تعتمد مقدرة المنشآت التجارية على التخطيط المستقبلي لعملياتها التجارية التي تستهدف الاسواق الاجنبية على قدرتها على تحقيق التوقع المستقبلي السليم للاجراءات التجارية المتخذة ضمن حدود الشريك التجاري وبالتالي فإن المنظمة قد أكدت في ميثاقها على عدم اتخاذ اجراءات جمركية وغير جمركية جديدة من شأنها ان تغير معالم الواقع وذلك من اجل تحسين المقدرة التخطيطية للمنشآت, وهذا الاجراء بطبيعة الحال سيساهم في تشجيع التوسع الاستثماري وزيادة مساحة التنافس التسويقي والانتاجي بين المنشآت التجارية والذي بدوره سوف ينعكس ايجابا على مستوى السلعة او الخدمة المقدمة للمستهلك وعلى الحصة والسعر السائد في السوق.
4- تحقيق المنافسة العادلة بين الدول الاعضاء: قد يعتقد البعض بأن منظمة التجارة الدولية مجرد منظمة تحرص على إزالة كل المعوقات التجارية من اجل خلق تجارة حرة وفي كل الحالات والاوقات بغض النظر عن الظروف الاقتصادية التي تعيشها الدول الاعضاء وهذا الاعتقاد غير صحيح في كل الاحوال حيث تسمح المنظمة بفرض تعريفة جمركية وفي حالات محدودة بعض وسائل الحماية الاخرى الضرورية لخلق بيئة تنافسية عادلة للدول الاعضاء, وهنا نشير إلى ان من الصعوبة الحكم بالعدل من عدمه على الاجراءات المتخذة من قبل الدول الاعضاء مما يعني وجود بعض الفرص التي قد تلجأ لها الدول ذات النفوذ القوي لمساعدة او حرمان بعض الدول الاخرى والذي بدوره قد يزيد من التبعية الاقتصادية المفروضة على الدول النامية منذ نهاية الاستعمار السياسي.
5- تشجيع الدول النامية الاعضاء في المنظمة على تحقيق التحول الاقتصادي والتنموي الملائم لتحقيق التطبيق الكامل لانظمة وإجراءات المنظمة: نظرا لكون الدول النامية تشكل حوالي ثلاثة ارباع الدول الموقعة على ميثاق منظمة التجارة العالمية، ونظرا لكون اقتصاديات معظم هذه الدول تشتكي من ضعف البنية التحتية والتنظيمية، فإن المنظمة قد أعطت هذه الدول وقتا أطول ودعما فنيا أقوى حتى تستطيع تحقيق التأقلم الكامل مع بنود الاتفاقية, وهذا بطبيعة الحال سيكون حافزا قويا تستطيع من خلاله الدول النامية تحقيق التوافق التنظيمي مع الدول المتقدمة والذي بدوره سيحسن من الكفاءة الادارية والعملية لهذه الدول.
بعد ان تطرقنا لاهم المبادئ الرئيسة التي يتضمنها النظام التجاري لمنظمة التجارة العالمية، فإن من المفيد ان نشير إلى ان المملكة ما زالت تحاول الحصول على العضوية الكاملة في هذه المنظمة من اجل تحسين مستوى الاداء الاقتصادي ورفع الفاعلية الانتاجية لعوامل الانتاج في الاقتصاد السعودي ومن اجل فتح وتأمين اسواق جديدة للسلع والخدمات المنتجة محليا والذي بدوره سيساعد على تحقيق الاستفادة من خاصية وفورات السعة والاستغلال الامثل للموارد الاقتصادية وفقا لما تمتلكه المملكة من ميزات نسبية, إلا ان المتابع لمثل هذه المحاولات يلاحظ الآتي:
الملاحظة الاولى: ان الجولات التفاوضية مع ممثلي المنظمة قد تجاوزت المتوقع مما يعني وجود بعض الملاحظات التنظيمية التي تحول دون الاسراع في تحقيق الانضمام الكامل، ولعل اهم ما يثير الاستغراب في هذا الخصوص هو ان قائمة الاعضاء المراقبين قد شملت بالاضافة إلى المملكة مجموعة من الدول الافريقية الضعيفة او مجموعة من الدول حديثة العهد بالاقتصاد الحر مما يدفعنا لطرح التساؤل الكبير وهو لماذا تم تصنيف المملكة ضمن هذه القائمة وهل لدينا مشاكل تنظيمية تحول دون منحنا العضوية الكاملة وما هو السبب ومن هو المتسبب؟
الملاحظة الثانية: على الرغم من عزمنا المؤكد على الحصول على العضوية الكاملة في هذه المنظمة وعلى الرغم من معرفتنا التي لا يشوبها شك بأن الانضمام يعني التطبيق الكامل لبنود الاتفاقية، وعلى الرغم من معرفتنا بما تتضمنه الاتفاقية من اجراءات وتنظيمات لا تتوافق مع واقعنا الاقتصادي، إلا اننا نلاحظ ان هناك فصلاً تاماً او شبه تام بين النظرية والتطبيق, نلاحظ ان حدود التوعية بالتغيرات المنتظرة ما زالت بعيدة كل البعد عن المستوى المأمول خاصة بالنسبة للقطاع الخاص والذي سيجد نفسه في يوم من الايام في بيئة تنافسية شرسة قد لا ينجح في التعايش معها خاصة إذا لم يستعد لها إداريا وتنظيميا وبالشكل الذي يمكنه من تحسين قدرته التنافسية وكفاءته الانتاجية, الا يعتقد الجميع معي بان الوقت قد حان لتنفيذ حملة اعلامية شاملة لتوعية وتثقيف القطاع الخاص بكل صغيرة وكبيرة لها علاقة بالوضع المنتظر بدلا من الاشارة على استحياء وفي مناسبات متفرقة لا تتعدى حدود المحاضرات النظرية التي تفتقد للواقعية كما تفتقد للتغطية الاعلامية المناسبة.
إن المسؤولية تقع في المقام الاول على وزارة التجارة التي تعلم ما يخفى على الآخرين وتمتلك من الوسائل ما يمكنها من توعية القطاعين الخاص والعام بمضمون الاتفاقية المنتظرة.
فماذا قدمت وزارة التجارة في هذا الخصوص؟ وهل لديها قناعة بأن ما قدمته كافٍ لتوعية وتهيئة العناصر الانتاجية لمواجهة المتغيرات الاقتصادية المنتظرة؟
إشارة : يعتقد الكثير ان منظمة التجارة العالمية تطلق ويراد بها الاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة (الجات) وهذا الاعتقاد غير سليم فبينهما امور فاصلة لعلنا نستطيع التطرق إليها في محاولات قادمة بإذن الله.
د, مفرج بن سعد الحقباني
أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الامنية