الشخوص كائنات حية تتحرك على الورق,, تتألم,, تبتسم,, تتزاوج,, تتعلم,, تتطور,, تنمو ويسألوننا عن شخوصنا الذين نأتي بهم ونجعل لهم حضورا في عالم الواقع فيتعلم الناس منهم,, من افعالهم واعمالهم ويسدون رؤاهم ومعتقداتهم ثم يفسحون مجالا واسعا للجدال والنقد وفي الواقع فانني اتعلم من شخوصي واعلمهم والكاتب يعيش حياتين واحدة مع شخوصه والاخرى هي حياته في محيطه ويحاول ان يتعلم من العالمين معا,, احيانا ادخل شخصية من عالمي الى عالم شخوصي واقوم بعملية التعريف فيما بينهما واحيانا يحدث العكس وامنح شخوصي الحرية التي اتمتع بها فهم احرار بمقدار ما انا حر واعتبر حريتي من حريتهم وحريتهم من حريتي,, لم يسبق لي ان مارست القمع على احداها حتى لو خالفت ما اؤمن به فانني اجعل من هذاالخلاف مادة للنقاش والتحاور والحب وليس بالضرورة ان نلتقي دوما فلابد ان نبتعد ايضا ونتيجة هذا دفعت ثمن هذا الولع بحريات الاخرين وثمن الحرية التي اكتب بها فالكتابة الحقيقية في العالم العربي فهي عملية فدائية بحد ذاتها فهي محاصرة بالتابوات فالظروف مختلفة في منطقتنا بعكس ما يحدث في البلدان الغربية والحقيقة ان الحرية الموظفة هي خير من كل اشكال القمع والكبت.
قبل كل شيء علينا ان نمنح الحرية لشخوصنا ولا نصادر افكارها.
وفيما بعد علينا ان نطالب بالحرية الشخصية للكتابة والرأي والكاتب المقموع سيمارس هذا القمع على شخوصه والكاتب النفعي سينتج شخوصا هشة لا تكاد تولد حتى تلفظ انفاسها والحرية لا تعني الفوضى بمكان,, انها تعني الالتزام,, الالتزام بحسن استخدام الحرية لان الحرية تحتاج الى حرية مقابلة فان اكون حرا اصعب بكثير من ان اكون ملزما وهذا التعامل بين الكاتب وبين الشخوص يحمل حساسية عالية اليه ويحمل اليه الارق لأن اي كاتب في العالم لا يستطيع ان يرى بانه ألمّ بكل شيء وامتلك الحقيقة كلها، وليس بوسع الانسان ان يمتلك كل الحقيقة.
ولكن من اين نأتي بالشخوص، والحقيقة ان الافكار هي التي تولد شخوصها وتلبسهم الثياب وتعلمهم الحركات والتفكير, وهنا ينوضع الكاتب امام مصائر شخوصه وليست هناك قضية آلم من هذه، فليس دوما يحدث ما يريده الكاتب، احيانا تأتي الشخوص وتجلب نهاياتها معها وكم يكون ألمي عميقا عندما تموت شخصية اكون قد تعلقت بها وعندذاك يمكن لي ان امارس كل طقوس الحداد ويصل احتفالي ذروته امام حدث سعيد لشخصية اميل اليها فاحتفل ذاك اليوم واعزم الاصدقاء واقول لهم عن المناسبة وبهذا فانا كثير الحزن وكثير الاحتفال لان المناسبات تتوالى,, اجل الى اقصى الحدود يتعلق الكاتب بشخوصه ويتعلقون به وبدون هذا التعلق لا تكون الولادة او تولد الشخوص من روح الكاتب ميتة وبدون آلام المخاض وايضا غير مكتملة الفترة الزمنية اي تولد ناقصة وميتة وهذا ايضا لا يكفي فالكاتب عليه الى جانب ذلك ان يمتلك البراعة في اقناع الاخرين بهؤلاء الذين يقدمهم,, اي ان يجيد حسن التقديم ويدري كيف يغرسهم في نفوس القراء,, هناك شخوص متمردة ولا يعجبها التابوات ولا مقصات الرقابة ولا التقاليد والعادات وتريد ان تحقق لنفسها وجودا وهنا فحتى الصحف والمجلات ترفض هذه الشخوص خوفا من منعها في البلد الفلاني فهي لن تضحي بدخول دولة او عدة دول من اجل شخصية ولكن لحسن الحظ فان هناك مجلات وصحفا بدأت خصيصا للاهتمام بهذه النماذج من الشخوص تحت شعار (حرية الابداع) ويمكن ان ارى عند ذاك دخول المجلة او الجريدة مقصوصة بمقص الرقابة وقد تأخذ معها شخوصا بريئة ايضا ذنبها الوحيد انها نشرت في نفس الصفحة في الامام او في القفى من الشخوص المحظورة او الممنوعة فما هو محظور في هذا البلد هو مباح في غيره والعكس بالعكس فكما هي العادة ان الاشخاص الذين يتمردون يتعرضون للتوقيف غالبا فالشخوص الذين هم على الورق ايضا يتعرضون للتوقيف ويمنعون من ممارسة حريتهم ولكن الصدق الذي اراه هو ان أنسام الحرية والديمقراطية بدأت بالفعل تفوح من منطقة الخليج وفي كثير من الاحيان نلوذ بالخليج لنشر ما هو محظور في القسم غير الخليجي من الوطن العربي وهذا ايضا ينطبق على وسائل الاعلام المرئية فنقول في قنوات الخليج الفضائية ما لا يسمح لنا قوله فيما عداها وهي خطوات مباركة يلوذ بها مفكرون وكتاب وفنانون لقول ما لا يجسرون على قوله في قنواتهم وهذه مسألة بتنا نرددها في مجالسنا وباتت معروفة في الوسط الثقافي والسياسي العربي.
عبدالباقي يوسف