نظام الزواج ومنع الاختلاط من وجهة نظر قاسم أمين د, عبد الله فهد اللحيدان |
وقع بين يدي كتاب قيم للاستاذ قاسم امين كتبه بالفرنسية سنة 1894 وترجمته الى العربية سعاد التريكي سنة 1990 ومن منشورات وزارة الثقافة التونسية, وقد قام قاسم امين بتأليف هذا الكتاب رداً على كتاب الفرنسي الدوك داركوار الموسوم مصر والمصريون والذي افترى فيه على شعب وثقافة مصر المستمدة من الاسلام, وعنوان كتاب قاسم امين هو المصريون وله عنوان فرعي دفاعاً عن الاسلام والمسلمين وفي هذا الكتاب يدافع قاسم امين باسلوب ادبي رفيع وباسلوب موضوعي مقنع عن عادات وتقاليد مصر الاسلامية مقارنة بما يقابلها في الغرب عموماً وفي فرنسا على وجه الخصوص من عادات وتقاليد أدت الى الكثير من الظلم والفساد.
ففي قضية نظام الزواج يهاجم الدوق داركوار اباحة تعدد الزوجات في الاسلام وقد اثبت قاسم امين ان تعدد الزوجات الذي يعتبره الغرب من ابشع الجرائم ويرفضونه من الناحية النظرية مطبق من الناحية العملية هناك، حيث يلجأ الغربي الى اتخاذ خليلة او خليلات, وعندما تنجب هذه المرأة يصبح الطفل غير شرعي مما قد يدفع الوالدان الى الجريمة للتخلص منه او يكون طيلة حياته نذرا للبؤس والعار انه ليس للمرأة ولا للطفل من نصيب خارج الحياة العائلية سوى الدناءة والجريمة , ثم ساق قاسم امين المثال التالي وهو حالة رجل متزوج منذ عشر سنوات ويرتبط مع زوجته بروابط العطف والاعتياد، لكن هذه الزوجة لا تنجب, انه يمكن لهذا الزوج ان يقوم بعمل قاس يتمثل بالطلاق، رغم انه قد لا يكون لهذه الزوجة في الحياة سواه، مما قد يعرضها للاذى والمخاطر, لكن الزواج بزوجة ثانية مع الاحتفاظ بالاولى هو الحل الامثل,, ثم هناك افتراض آخر اقرب للاحوال النفسية حين يتزوج الفرد ويجد بعد مرور بضع سنين ان زوجته ليست المثل الاعلى الذي يتمنى فهل عليه ان يحيا الحياة الكئيبة الخالية من الحب, ماذا لو التقى بفتاة او ارملة واحس بعاطفة كبيرة ورأى السعادة التي يتمناها، فماذا عليه ان يفعل كمسلم حقيقي ان عليه ان يتزوجها ويجعل منها زوجة كريمة محترمة يضمن لها العيش والشرف ولأولادها المستقبل, وهكذا يصبح له زوجتان بمقتضى القانون وقد تتساءلون عن مصير الزوجة الاولى؟ هو احد امرين فإن هي كانت في غنى فستبادر الى مغادرة بيت الزوجية، وان كانت بحاجة مادية او عاطفية فستكون سعيدة بانها لم تخسر كل شيء وبقي لها مأوى طيب, اما الغربي فسيتخذ الثانية خليلة محدثاً لها ولأولادها معيناً لا ينضب من الفضائح والعار والتعاسة.
ان تعدد الزوجات نظام مؤسس ليضمن للمرأة الحياة الزوجية وللاطفال الابوة المحققة, ان ابن السفاح بضاعة غريبة لا تستوطن بلاد المسلمين كما ان جرائم الاجهاض وقتل المواليد وهي تبلغ في فرنسا آلاف الحالات لا تجد لوقوعها في مصر مبررا.
ان تحريم تعدد الزوجات في القوانين الغربية ادى بالرجال هناك الى اتخاذ النساء خليلات ليس لهن حقوق الزوجية وليس لاطفالهن حقوق الأبوة ولا تملك المرأة الغربية امام هذه الحالة من طريق لاجبار الرجل بأي التزامات قانونية, وقد يكون الحل الوحيد هو ان تأبى الارتباط برجل متزوج ولكن كيف للمرأة مقاومة اغراءات الغزل في مجتمع مختلط, ان تنظيم الحياة العائلية في الاسلام قد جاء بشكل مثالي, لقد بدأ الاسلام بتأسيس عادات في السلوك تحمي المرأة والرجل من ضعفهما الشخصي منع الاختلاط والسفور ثم توجه كما يقول قاسم امين لتنظيم الزواج: حيث امر الرجال باتخاذ زوجة واحدة من اجل تحقيق الراحة والامن النفسي اما اذا طرأ لسبب او اخر حدث يحطم الحياة الزوجية فلا مانع من زوجة اخرى وثالثة ورابعة، ويجب على الرجل ان يعامل اولئك النسوة جميعاً بكامل العدل وادق المساواة ويكون الاطفال الذين يلدنهم ذرية لهن يسهرن على تربيتها، ولعل قاسم امين يشير بذلك الى قوله تعالى في سورة النساء (وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى، فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم الا تعدلوا فواحدة او ما ملكت ايمانكم ذلك ادنى الا تعولوا) وبداية الآية بالكلام عن اليتامى ثم الزواج بمثنى وثلاث ورباع، ذلك ان هذه السورة العظيمة نزلت بعد غزوة احد التي استشهد بها عدد من المسلمين، فقام الصحابة برعاية ابنائهم وبقيت زوجاتهم ارامل,, لذلك امر الله المسلمين اذا خافوا الا يقوموا برعاية اليتامى على الوجه الاكمل ان يتزوجوا امهاتهم ليشملوهم بالرعاية التامة على الا يؤدي ذلك الى الاضرار بالزوجة الاولى، فإن لم يعتقد الرجل بقدرته على العدل فالاضمن والاحوط ان يبقى مع زوجة واحدة او مع جارية ان لم يملك مهرا للحرة.
ثم ان هناك ميزة تحظى بها المرأة في الدول الاسلامية حيث اذا لم يتزوج زوجها رغم اباحة التعدد قانونيا فهذا يدل على مكانتها عنده وحبه لها.
ان عدد حالات تعدد الزوجات قليل وهو في انحدار نتيجة للظروف الاقتصادية للمجتمعات الحديثة حيث لم يعد باستطاعة الرجل المادية اعالة بيتين والتعدد افضل كثيراً للمرأة من اتخاذ الخليلات او الزنا, ان منع التعدد ادى الى بروز مشكلتين كبيرتين في اوروبا هما كثرة اللقطاء وجرائم الاجهاض وكذلك بروز الفتيات الامهات اللواتي يواجهن مصيراً جديراً بالعناية والشفقة.
ثم يتكلم قاسم امين عن الاختلاط وكيف ان اختلاط الجنسين في اوروبا ادى الى انتشار الغزل الذي يؤدي الى الزنا, ان المرأة كائن يحب المديح والاطراء وقد يستغل الرجال هذه الخصلة للوصول الى مبتغاهم من المرأة, والرجال كما يقول قاسم امين سلبة قلب حقيقيون لا يتركون من انواع الاكاذيب الا ويستغلونها لنيل المرأة والمشكلة انهم يفعلون ذلك كثيراً دون وجود عاطفة, وقد يزور الرجل صديقه في الغرب ويدخله بيته ويطعمه طعامه ثم يتجرأ هذا اللئيم بمدح زوجته واغرائها, ان الفرصة تخلق اللص وهي هنا تسبب الزنا، وقد تكون المرأة قوية وتقاوم الا ان المناسبات التي تجمع المرأة بالرجل في الغرب وفي ظروف تيسر السقطات عديدة, ان منع الاختلاط والسفور وعدم وجود الملاهي والمراقص في البلاد الاسلامية جعل الرجل يفرغ جميع عواطفه وبطريق مشروع مع زوجته.
|
|
|