غالبية اسماء الغيمة في اللغة العربية مؤنثة فهي غيمة وسحابة وغمامة ومزنة وديمة وبارقة وسارية ووسمية,, ومترادفات أخرى لا متناهية لكنها جميعها تشترك في كونها أنثى تلحقها علامة التأنيث في اللغة.
وطبيعة الثقافة التي انتجت تلك المترادفات المؤنثة ، كانت الأنثى فيها قصية وبعيدة مثل غيمة، وكانت حبلى وخصبة مثل غيمة، وكانت رمزاً للحياة والخصب مثل غيمة، وكانت ممتنعة متدللة متأبية مثل غيمة.
الم يقل كثير عزة
إني وتهيامي بعزة بعدما تخليت مما بيننا وتخلت لكا لمرتجي ظل الغمامة كلما تبوأ منها للمقيل اضمحلت إني وإياها كسحابة محل ترقبها فلما جاوزته استهلت |
والأبيات السابقة تختصر هذه العلاقة من حيث تقاطع مفهوم الغيمة في ذهن العربي القديم مع المرأة المستحيلة، تلك المرأة التي يتوقعها ويترصدها ويتشوق للقياها لكونها مانحة الخصب والحياة والوجود ولعل ظهور المرأة/ الغيمة في الشعر لم يقتصر على أبيات كثير عزة بل تجاوزها الى كثير من الشعراء قد يكون منهم الشاعر الجاهلي الأعشى في معلقته التي مطلعها
ودع هريرة ان الركب مرتحل وهل تطيق وداعاً إيها الرجل |
إلى ان يقول
كأن مشيتها من بيت جارتها مر السحاب لاريث ولا عجل |
ففي هذا البيت ايضا تعود الأنثى لترتبط بالسحابة من خلال رابطة قد يكون ظاهرها هو علاقة تشبيهية بين مرّ السحاب ومشيتها ولكنها تغور في ابعاد اعمق من اللاوعي حيث المرأة / الغيمة, وكما ان الطبيعة الصحراوية تجعل من الغيمة حدثاً احتفالياً مبهجاً، كونه نادر الحدوث ومقتصراً على مواسم سريعة وخاطفة.
كذلك فإن المرأة تتوارى خلف استار من القوانين والاعراف والتقاليد التي تجعلها هاجساً وحلماً متضخما في المخيلة اكثر من كونها واقعاً يومياً معاشاً.
لذا لم يكن هناك أجمل من المرأة لدى العربي القديم سوى الغيمة، الغيمة النائية المستحيلة حاملة الحياة والخصب والنماء.
أميمة الخميس