إنَّ المشكلة ليست في البحث عن فكرة، أو علاج مشكلة، بقدر ما هي موهبة فنية وتنمية هذه الموهبة، ومن ثم صياغات فنية خاصة بعيدة عن الاساليب الاخبارية المباشرة, ويرى الكثير من المحللين النفسيين، ان الكتابة التي تتم من خلال الوعي، كتابة اقرب ما تكون إلى التنظير، وأبعد ما تكون عن الفن، ولكن البعض بالغ في هذه المسألة حتى تحولت هذه الكتابات إلى هذيان ورسوم من الطلاسم يصعب فهمها وحل فعاليتها, فمعالجة الفكر يجب ان تكون بالفكر، وليست كالداء الذي يعالج بالمضادات التي تقضي عليه.
كانت قصص السير التي ظهرت مبكرة في الادب العربي، من خيرة المواد التي تصلح ان تكون مادة روائية لو وجدت الروائي الذي يستطيع استغلالها، وصياغتها صياغة فنية حديثة, مثل سيرة الاميرة ذات الهمة، سيرة عنترة بن شداد، وسيرة سيف بن ذي يزن، والزير سالم، وغيرها، وللاسف الشديد، ان هذه السير قد اثرت على بعض كتاب الرواية السعودية من الرعيل اول الوسط، الذين تعلموا على هذه الاساليب الرديئة، فبدلا من استغلالها وتطويع فكرتها وبنائها بناء حديثا، نجدها قد جذبت الكاتب معها إلى الاسفل، وأثرت على انتاجه وأسلوبه الدرامي، وكانت هذه السير بداية امل روائي بعد ظهور الفن الروائي في البلاد العربية لما توفر فيها من اصول الرواية، كالتشخيص، والمكانية، ودور البطولة، ولو كانت خارقة للعادة في بعض الاحيان, وإن مما يؤسف له اهمال هذه السيرة التراثية وعدم استغلالها في الادب الحديث في معظم اقطار البلاد العربية, بينما تقيم معظم الجامعات الاوروبية والامريكية مؤتمرات سنوية، وكل سنتين، حول الادب العربي التراثي والحديث، مثلما تفعل جامعة سنت أندروس St. Andrews في اسكوتلاندا، عن الادب العباسي، وجامعة لندن التي تقيم ملتقى حول الجاحظ، والشعر العربي والنثر، مما جعل اولئك الادباء يتاثرون تأثيرا شديدا، حيث قدموا البحوث والاوراق الدراسية على فتات المائدة العربية لصالح لغاتهم وأبنائهم، ونحن عنها نائمون، نحلم ان لنا أمجاداً وتراثاً غنياً، وقدموا لنا هذه الكنوز من بضاعتنا التي ردت إلينا, فهل نحن قارئون لهذه الكنوز؟ وإذا قرأنا، فهل نحن مبدعون، وإذا ابدعنا، فهل نحن مؤتمرون مناقشون لما قدمنا؟؟ وقد اصبحت القراءة منتشرة، ولم نعد كما كان يتصور البعض، نجهل القراءة والكتابة، ولكن ارجو ألا تكون قراءة محو الامية,.