وفي ص 101 ينتقد المؤلف فرويد فيما تحدث عن نبي الله تعالى موسى صلى الله عليه وسلم، وهو نقد في مكانه، وفرويد جمع بين خصلتين سيئتين أشار المؤلف الى الاولى ، وهي أنه يهودي.
والثانية أنه: كذاب ويتعمد الكذب يقول المؤلف:
ويريد فرويد أن يجعل قيادة موسى عليه السلام من قبيل هذه القيادة، ولكنه يذهب بعيدا حين يزعم أن موسى عليه السلام كان من: المصريين الذين دانوا بعقيدة آتون .
وهنا أمور ثلاثة:
الاول: أن قيادة موسى عليه السلام كقيادة إبراهيم عليه السلام سواء بسواء، فهما نبيّان ورسولان من أولي العزم وقيادتهما قيادة دينية ودنيوية.
الثاني: ان فرويد كذب هنا لأنه يدرك ان موسى لم يعبد إلا الله وحده قبل الوحي إليه ودليل هذا أمران:
الأول: ما ذكرته التوراة التي لم يستطع اليهود طمس مثل هذا فيها.
الثاني: قصة موسى عليه السلام حينما وكز أحد الرجلين فقضى عليه (قتله) وكان المقتول يريد البطش برجل من شيعة موسى عليه السلام فتاب موسى وندم واستغفر وكان هذا قبل ان يوحى إليه بالنبوة ويرسل إلى فرعون.
الثالث: ان سياسة اليهود دنيئة نذلة، فهم لا يتورعون عن الكذب والزيف وهم يريدون ان يمر العالم كله في فترة إلحاد ووثنية حتى زال الدين ونسي العالم الدين حسب خطتهم بعيدة المدى دعوا الناس إلى اليهودية كخدم وأتباع.
ولهذا استغلوا: المال، والجنس، والفكر والأدب والفن ودخلت جملة منهم الالحاد واللا أدري حتى يتم مرادهم، وهذا ما ذكره فرويد عن موسى عليه السلام من كون موسى عليه السلام من الذين دانوا بعقيدة: (آتون) وموسى فوق ذلك لكنها عقيدة: ليهود قبنه, وارجع البصر هل ترى من فطور.
يقول المصنف في ص 102: (وليست طريقة فرويد في تخمين التاريخ الا اسلوبا آخر من طريقته في كشف العقد النفسية بالتخمين والتأويل تفسيرا لبواطن المريض، وقد يكون تفسير هذه البواطن قرينة على صحة الرجم بالغيب في استكشاف الامراض الباطنية ولكن تخميناته في سيرة موسى عليه السلام لا تعتمد على قرينة ولا على ظن مقبول، وليس لها سند من الآثار المصرية او من الآثار العبرية وفي وسع من يشاء ان يخمن مثلها على هذا المنوال ويأتي بعشرين فرضا متضاربا من فروض الخيال).
وهذا نقد علمي صائب لرأي هذا اليهودي لكن الحال بالنسبة لما ذهب اليه هذا اليهودي ليست قائمة على شيء من علم او هدى او كتاب منير فطريقة يهود هي التلفيق وطرح الفروض ونقاشها على أنها حقائق وهم يقصدون من وراء ذلك شيئا يرمونه بسوء.
ومن نظر تفسيره (للأحلام) يدرك خطورة آرائه والسير فيها على منوال الكبت والجنس للوصول الى مادية التفسير وإلغاء حقيقة الرؤيا الشرعية وما يترتب عليها حتى عند يهود,.
وهو يقصد من وراء ذلك ربط الأحلام بواقع نفسي وجنسي وطرح ما عداه حتى إذا ربط كل هذا بالمادية العضوية الذهنية نسي الناس الدين او تقالّوه وهمّشوه ثم بعد حين يطول او يقصر يدع فرويد ومّن على شاكلته ما قاموا به من قبل ثم تكون الدعوة الى اليهودية من جديد ونبذ ما سواها.
انظر مثلا العلمنة العربية.
انظر مثلا الماركسية العربية.
انظر مثلا الوجودية العربية.
كلها نتيجة دعوة: يهودية او دعوة نصرانية لكنها مغلفة بغلاف: العلم، والأدب، والنقد، والفلسفة، خذ مثلا:
الدعوة الى الفرعونية
الدعوة الى تحرير المرأة كما يذاع.
الدعوة الى الثورات المبطنة.
الدعوة الى تهميش الشريعة.
الدعوة الى العقلانية الذاتية.
الدعوة الى القومية العربية المجردة.
الدعوة الى الإباحية تدريجياً.
ولعلّك منذ ثلاثين عاما تجد ان كثيرا ممن يدعو الى واحدة من هذه الدعوات قد شاخ قبل ان يعلو، وحلق قبل ان يطير، واستأسد قبل ان يتقطقط، وما فرويد منه ببعيد، دع عنك: البروتو مورافيا,, وإليوت وبرتراند راسل، وماسينون، وزويمر، ودع عنك أمثالهم عدد ، وعدد في ركب غائية الحياة وتمجيد الذات، واستاذية الظهور، وتهميش الغير ظناً ان لهم الحياة.
فلا يستغرب من فرويد هذا الاتجاه عن موسى عليه السلام كما لا يستغرب من كلامه عن المرأة وفقدانها العضو الذكري أنها ليست بذاك.
ويورد المؤلف في ص 105 أمثلة مما ورد في سفر التثنية تحذيرا لموسى عليه السلام مما حصل يدل كل هذا على سفه التغيير، وخبث يهود جاء في سفر التثنية كما في ص 105 عند المؤلف: (لا تسأل عن آلهتهم قائلا: كيف عبد هؤلاء الأمم آلهتهم فأنا ايضاً أفعل هكذا، لا تعمل هكذا للرب إلهك لأنهم قد عملوا لآلهتهم كل رجس مما يكرهه الرب) فبجانب العبارات غير المتناسقة في هذا النص من سفر التثنية فإن الرب إله موسى يعجب أيضا: كيف عبد هؤلاء الأمم آلهتهم.
وأيضاً: لأنهم يقدمون لآلهتهم كل رجس مما يكرهه الرب).
لك ان تعجب، وتنشط في العجب ثم تسبح وتستغفر, فالله جل وعلا يعجب كيف عبد هؤلاء آلهتهم، وهذه صفة مفاجأة, والله جل وعلا منزه عنها فهو علام الغيوب، والعجب صفة فعلية لله سبحانه وتعالى تكون على ما قدّره كما صح في هذا الأثر ان الله يعجب من رجلين يقتل احدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة،
وما ورد من هذه الصفة هنا يخالف ما ورد في سفر التثنية مما يدل على: الوضع وأطم من هذا واشنع كما جاء: لأنهم قد عملوا لآلهتهم كل رجس مما يكرهه الرب).
ومن المعلوم من حال الرسل أمور أربعة .
الأول/ انهم اعلم الخلق بالله وأعرف.
الثاني/ انهم دعوا كلهم الى إفراد الله بالعبادة وحده دون سواه.
الثالث / انهم جاؤوا لتخليص البشرية من الظلم والاستعلاء.
الرابع/ انهم اعلم الناس بحقيقة الشرك وأسبابه، وآثاره، وأنه أصل كل شر.
وسفر التثنية ترك الآلهة وركز على ما يقدم لها وموسى جاء لبطلان الوثنية بصورها كلها لا لما يقدم للآلهة ، وانظر إن شئت كتب اليهود والنصارى كيف تم الكذب على: موسى وعيسى عليهما السلام لكنك لعلك لا تدرك ذلك ما لم تكن ذا خلفية متينة على حقيقة دعوة الرسل عليهم السلام وحقيقة: التوحيد ولوازمه، ونواقضه حسها ومعناها وخاصة:
شرك القول.
شرك العمل.
شرك الظن.
شرك القلب.
شرك التقليد.
شرك الاعتقاد.
ولعل كلام المؤلف في ص 106 يدل على صحة هذا الكلام الى كتب موسى عليه السلام او بعضه، او نسبة بعضه اليه وبعضه الآخر إلى بعض انبياء بني اسرائيل، وهذا كلام لا جرم لا يصح بحال إذ في سفر التثنية مثلا كلام لا يقوم على نهج الرسل ولا وحي الله اليهم لكن لعل هذا قد حصل من المؤلف بسبب عدم احاطته بحقيقة دعوة الرسل عليه السلام.
يقول في ص 106: (ولا تتغير هذه الحقيقة بما يقال تأييدا لها او تفنيدا لنسبة الكتب الخمسة الأولى من العهد القديم الى موسى عليه السلام أو نسبة بعضها إليه وبعضها الى أنبياء بني اسرائيل جميعا من عهد موسى عليه السلام إلى مبعث عيسى عليه السلام لم تكن لهم مهمة غير هذه المهمة، وهي تحذير بني إسرائيل من عبادة إله غير الإله الذي دعاهم إليه صاحب الشعيرة وتبكيتهم)
ويذهب بعيدا حيث يقرر ما كنت أظن أنه لم يعد فيه إلى أصل صحيح، يذهب الى نشأة موسى عليه السلام حيث يقول في ص 107: (ونشأة موسى (عليه السلام) التي عرفناها من مصدرها الذي لا مصدر لنا غيره التي تطابق بين هذه النشأة وبين الرسالة الموسوية كما وضحت من الكتب المنسوبة إلى موسى عليه السلام والكتب التي نسبت الى الأنبياء من بعده، فخلاصة هذه النشأة أن كليم الله (سبحانه وتعالى) تربى في مصر وخرج منها خفية بعد مقتل المصري الذي صرعه موسى عليه السلام انتصارا لرجل من بني اسرائيل).
فالمؤلف جاء بزبدة ما جاء في القرآن الكريم عنه عليه السلام.
لكن تعويله على ما نسب إليه او الى الكتب التي نسبت الى الأنبياء من بني إسرائيل ليس بذاك إذ لا معول عليها كما أشرت إلى ذلك من قبل فكان يلزم نظر هذه المسألة.
وقول المؤلف في ص 107: (كما أوضحت من الكتب المنسوبة الى موسى) وقوله: (والكتب التي نسبت الى الأنبياء من بعده), فتوحي هاتان الكلمتان المنسوبة ونسبت الى التشكيك فيها وهذا أمر جيد في حال الطرح العلمي المتقدم فمن هذا كان يلزم عدم قوله: الذي لا مصدر لنا غيره لأنه غير مستقيم خاصة وقد ثبت من أحبار يهود أنهم بدلوا وزادوا ونقصوا على التوراة وما نسب إلى موسى عليه السلام كما فعل النصارى الذين أسلموا خلال مائة عام مضت في: اوروبا، وامريكا، والشرق الاقصى، ويهود ونصارى بعض الدول العربية.
وقد رسم في آيات عديدة تحريف القوم لكتبهم المنزلة على رسلهم عليهم السلام وقصة الصحابي الجليل عبدالله بن سلام وقد كان من يهود فأسلم قصته معروفة حين اسلم وحينما قال: انهم قوم بُهت: يعني يهود.
|