Sunday 21st March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأحد 4 ذو الحجة


مساحات بيضاء
جراح الفن,, بين الوصل والقطيعة
4 - 4
ريمة الخميس

لمن ينتج الرسامون اعمالهم، ومن اجل أية غاية؟ أهو تحقيق للذات مغلقة على ذاتها؟ ام اشباع لنزواتها عبر اشباع الآخر، قلقاً او راحة، ودعوة الى اقتسام الهم والهاجس، او حتى مجرد التملي لصورة الانا في مرايا الآخرين وهل ينتج بالاساس مهموما بالخطاب - ام محفوفا بالمغامرة ام محوطا بالموهبة؟ امينا للمهمة الرسالة ام مستبدلا المهنة بالمهمة والصناعة بالصياغة، والارتباك بالموهبة؟.
ما بين المغالاة في فرضية على طرف، وبين المغالاة في نقيضها على طرف آخر، تنفرط عشرات الاسئلة رغم ان هناك اجابة واحدة يرشحها الاعتراف بالوضع الراهن للفن التشكيلي في المملكة عل نحو ما نراه دون اي انحياز,,، اعتراف على قدر ما يأتي جارحا، يخدش في النفس امانيها ويفضح في الاخر عبثيته، على قدر ما يكتسب اهميته في انه خطوة اولى نحو لملمة الجراح، والخروج من المأزق.
الحركة التشكيلية لدينا، رغم ما تبدو عليه من استماتة في الكفاح من اجل البقاء، ورغم ما تدعيه احيانا من انها اكثر اشكال التغيير نضجا أو استقرارا ، او يدعيه احيانا اخرى الراغبون في نصرتها او مساندتها عن وعي بخطورة الادعاء او عن غياب للوعي بانه فاقد للمرجعية والمصداقية.
الحركة التشكيلية بكل ما يداخلها ويحيط بها حركة انعزالية تتخبط في جدران دائرة ضيقة، تعيد استنشاق زفيرها وتتقوت على اجنتها الحاملة لكل جينات الوراثة واسباب الداء,, ومثلما نستطيع ان نجهر واثقين بان الهموم الثقافية عامة تصطفي نخبتها من بين العامة في تلك الدائرة المحدودة للمثقفين، الذين يقرؤون الشعر ويتبادلون الشجار، نستطيع بنفس الثقة ان نقصر هموم التشكيل على دائرة بالغة المحدودية من فضاء تلك الدائرة المحدودة للمثقفين، يتراوح الدافع لديهم بين الترف الثقافي او البحث عن الوجاهة الثقافية او الفضول او الواجب او المرور بالخطأ,, والمشاهدة دون سبق الاصرار والترصد.
هذا على الرغم من ان ادات التعبير في الكتابة والقراءة لاتتوفر الا عند العارفين باللغة وعوالمها واداة التعبير في التشكيل تتوسل بمدركات الحواس لدى كل البشر، من الشكل واللون، كجسر اولي يمكن ان تعقد فوقه اتفاقيات التواصل,,! أفي مثل هذه الحالة يمكن ان تكون مطروحة قضية كقضية الفن للفن او الفن للجماعة؟ او قضية الشكل والمضمون كمستوى ارقى من هموم المبدع واهتمام المتلقي؟ ام ان كلتا القضيتين تفترضان ان تكون الثقافة الشكيلية فعلا مؤثرا في سياق الحياة العامة؟ كأن أوضاع الحركة التشكيلية لدينا تتدخل لتمدنا بالاجابة الفريدة: قضايا الفن في وصله بالفن او بالمجتمع او في قطيعته لهما وعلاقة الشكل بالمضمون وغيرهما، هي من اطروحات فلسفة الجمال، التي ينبغي ان تبقى أرقاً مؤججا في بطون كتب الفلسفة وفي صدور الفلاسفة طالما بقيت دون امكانية الاجابة!!
لكنه من الجهة الأخرى في تأمل الموقف يمكن ان تثور اسئلة عكسية: هل ضربت تلك العزلة جذورها في جسد الحركة التشكيلية واحكمت حولها الخناق لا لسبب الا لأن تلك الحركة قد عجزت عن اختراق السياج للدخول ضمن خضم الحياة عامة تتعامل مع ذائقة العصر او للدخول ضمن دائرة الوعي الثقافي لتوجيه خطاب كخطاب القصة او القصيدة او انها حتى قد عجزت عن استغراق في هموم ذات واعية للفنان تكون دربة للخروج من احادية الانا الى جمع ال نحن ؟.
في كتب التاريخ تلمسات للاجابة، فلوحة واحدة لمانية ، الغداء على العشب قد اثارت حفيظة امة بكاملها احتج العامة على الاعتداء على ذائقتهم.
واحتج القائمون عل رعاية تقاليد الفن وحماية تاريخه على ما تمثله من انتهاك لتقاليد الفن كانتهاكها لاعراف الذوق، وتدخلت الشرطة واجهزة الامن لتفض المشاجرات واقتضى الامر قرارا من رأس السلطة باجتزاء جانب من ممر الصالون وتخصيصه لعرض اللوحات المرفوضة وحدد ذلك تاريخا باليوم، لميلاد حساسية جديدة في التعبير، وذائقة جديدة لدى العامة، ومدرسة جديدة، تمثل حلقة خطيرة من تاريخ الفن!! وسيزان وصف بالوحشية للوحته التي طلى فيها وجه زوجته بالاخضر فولدت الوحشية وتحولت اليها ذائقة ، ورو خنبرج عبر عن ابعاد عصر جديد بمجسمه الذي اقامه من اطار عجلة سيارة بداخله عنزة وبيكاسو الذي فسر التاريخ الاسطوري للقارة الاوروبية بكرسي دراجة ومقودها مقلوبين فأصبح رأس الثور الذي اختطفت عليه اوربا وسميت باسمها القارة وثبت دو شامب شاربا للموناليزا فثارت الدنيا، واعلن دوشامب كذا حركت ذائقة العالم بأن وجهت لها لكمة كي تستفيق من الاستنامة للموروث القديم من تقاليد الفن وصرامته الكلاسيكية,,! .
هل يعي الفنان لدينا هذا الدور ليحدد دوره الاجتماعي؟ وهل يعي ان من أسس اتجاها فنيا كان ينشىء على غير غرار سابق ليجد من ذلك همه الفني ؟ وهل يفتح اذنية وضميره ويستمع الى من يحدثه ان كان هناك من يحدثه؟.
تأتينا تلمسات للاجابة في بعض الحكايا: احد المشاركين في معرض فني ذهب ليرى عمله فوجد اللوحة مقلوبة رغم وضوح توقيعه مقلوبا في الركن الاعلى,,! همّ بأن ينبه الذين ثبتوها على هذا الوضع، ولكنه حين وجد ان الحكام قد اعطوها جائزة هكذا، غير قراره فمحا بعد ذلك توقيعه، ووضح توقيعا جديدا اسفل اللوحة المقلوبة,!
هل ندرك من هذا كله كيف ان المنتجين لاعمال التشكيل لم يصلوا بعد الى موقع يكونون فيه مهمومين بقضية للفن او للمجتمع او للشكل او المضمون وان المحكمين للحركة والمشرفين عليها لا يتميزون في الوعي بالفن وهمومه ومهامه وان الذائقة الفنية العامة غائبة ومضيعة بين الاثنين؟!
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
منوعــات
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved