القاص المناصرة موقع البطولة,, الشخصية المثقفة |
من بين عناصر السرد السبعة الرئيسة: الشخصية، واللغة، والحدث، والزمن، والمكان، والعرض، والفكرة,, لعبت الشخصية في السرديات التقليدية وفي النقد التقليدي الدور الرئيس، بحيث جعل كتاب القصة والرواية حركية سردياتهم قائمة على الشخصيات بأنواعها وعلاقاتها، مع إبراز شخصية رئيسية في موقع البطولة، لتصبح هذه الشخصية مركزية بنية السرد من جهة، وبنية المناهج النقدية الاجتماعية والنفسية والتاريخية من جهة اخرى.
ولما نهضت الكتابة السردية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية، اخذ كتاب الرواية الجديدة، والقصة الجديدة، والنقد الجديد (البنيوي)، يميلون الى ضرب عناصر السرد كلها، وبذلك تكسرت الشخصية، وقصة الفكرة، وقصة المكان، وقصة الحدث,,, الخ.
ورغم المفارقة بين النص السردي التقليدي، والنص السردي الجديد، كما اسلفت، فاعتقد ان الشخصية تلعب دوراً مهماً في أي نص سردي مهما كانت نوعيته او مدرسته أو رؤيته، وان هذه الشخصية تحضر بمستوياتها الثلاثة: شخصية السارد (الكاتب)، وشخصية المسرود (النص) وشخصية المسرود له، (المتلقي)، وبالتالي لا بد ان تحضر الشخصية المسرودة تحديدا بطرق مختلفة حاضرة او غائبة، عميقة او مسطحة، نامية او ثابتة، رئيسة او ثانوية، او هامشية، خيرة او شريرة، واعية أو عادية، واقعية أو متخيلة أو اسطورية، متماسكة او مشظية او انفصامية، مستكينة او متمردة، حية أو ميتة,, الخ.
اما عن مفهوم البطل فاعتقد ان السرديات الجديدة لم تعد تحتفل بهذا النموذج البطولي الذي كان سيد الملاحم والحكايات والسير الشعبية، والقصص التقليدية، وهنا نفضل استخدام مصطلح الشخصية الرئيسة لارتباط مصطلح البطل تقليديا بانتصار النموذج الخير، على عكس الشخصية الرئيسة التي قد ترتبط بالمعاناة والتشظي والانكسار في الكتابة السردية الجديدة، هذه الكتابة التي تفضي دوما الى انتاج الشخصية المسحوقة والمهزومة وغير المنتمية الى واقعية الحياة البائسة المريضة.
وبشكل عام، أظن ان الشخصية التي انتجتها في قصصي تنتمي الى عالَمي الاغتراب الباحث عن الانتماء، والتمزق الواعي التأملي الباحث عن التشكل,, وبكل تأكيد فإن هذين العالمين ليسا مترسخين كقناعات ثابتة غير متطورة او انهما نمطيان، فالمسألة ليست بهذه الصورة الضيقة، وإنما الانتماء الى جماليات جيل الثمانينيات الذي اعطى وما زال يعطي في سياق عالم مليء بالصخب والتشظي وآلية الدمار والشعور بالضآلة والهامشية، يجعل القصص تكتنز بالشخصيات المعذبة، الشديدة الحساسية، المتأملة، المترقبة، العدائية، المغتربة,, الى آخر هذه الصور التي تجعل النص عموما نصاً مفجوعاً في شخصياته كما في لغته، واحداثه، وزمنكانيته,, وبالتالي لا اظن ان هناك قاصا ما، يؤمن بجماليات السرد التلقائية، يستطيع ان يرسم شخصياته بقناعات مسبقة او اسقاطية، دون إلغاء إمكانية تحقق فاعلية تأثر الشخصيات المتخيلة في السرد برؤية القاص واسلوبه في الحياة، لكن الشخصية السردية بعد ان تنتج وتأخذ ملامحها المتعددة تصبح شخصية مستقلة قائمة بذاتها، دون الغاء الخيوط التي تحيلها الى الارتباط بحياة القاص الذي أبدعها.
ومما سبق يمكن محورة الشخصية الرئيسة، كما اتصورها في، كونها لا تخرج عن بنية شخصية المثقف في عالم السرد، سواء أكان هذا المثقف بطل النص أم راويه، ام منتجه، الضمني الغائب, وفي كل هذه تتلون عناصر السرد المختلفة برؤية المثقف للذات وللعالم، وببطولته المأساوية في الحياة، وبآفاق تكهناته لمستقبل افضل,, وهنا ايضا يمكن التأكيد على ان سياقات العيش في ظروف الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وهروب الارض من تحت ارجل الشخصية الفلسطينية بفعل اغتصابها، ورؤى المستقبل وصراعاته المتوقعة، والشعور المتألم بانهيار البنى الذاتية المختلفة امام هيمنة الآخر وقدراته المتفوقة,, هي التي تحرق مصير الشخصية الرئيسة، وتدفعها الى البحث عن فكرة ما تتعلق بها او تستقر عليها او تتأمل ان تصل اليها,, ومن هذه الناحية تصبح الشخصية الرئيسة معجونة بتوترات القلق والتمرد والخوف والرثاء والتصادم والهجاء بأشكالها الايجابية، كما هي معجونة بجماليات الحب والخير والعدل والمنطق والأمل نحو الذات بأشكالها الفلسطينية والعربية والإسلامية والإنسانية.
|
|
|