تحتفل المملكة العربية السعودية هذا العام بمرور مائة عام على تأسيسها على يد القائد التاريخي الملك عبد العزيز طيب الله ثراه.
ولعل من المناسب في هذه الفرصة ان نستذكر باختصار بعضاً من خصال ذلك الزعيم العظيم التي هيأته لتحقيق انجاز لا نظير له في التاريخ العربي المعاصر.
لقد تميز الملك عبد العزيز بذكاء باهر ساعده على اقتناص الفرص وادراك موازين القوى واجراء تحليلات فطرية دقيقة للكلفة والمنفعة في كل خطواته واجراءاته.
كما اتسم الملك المؤسس بالاباء والطموح، فبابائه لم يستطع الملك عبد العزيز ان يسكت على الضيم ولا ان يرضى بالدنية في امره وبطموحه لم يكتف بالهدف الاولي وهو استعادة الرياض وانما اتجه ببصره وببصيرته نحو الهدف الابعد وهو انشاء كيان واحد يضم في جنباته معظم ارجاء الجزيرة العربية وهو الكيان الذي اصبح يعرف باسم المملكة العربية السعودية.
ولقد كان من خصال الملك عبد العزيز الاقدام والشجاعة فبالإقدام تخطى مرحلة الشك والتردد التي اكتنفت عملية استعادة الرياض ولم تهن عزيمته عندما تراجع عنه بعض اصحابه ولم يفت في عضده قلة عدد مشاركيه ورفاقه، وبالشجاعة استطاع رحمه الله ان يخوض المعارك العسكرية والسياسية وان يعطي لجنوده القدوة والمثال وان يشحذ هممهم ويقوي عزيمتهم حتى تحقق له النصر والعزة.
وتمتع القائد المؤسس كذلك بروح القيادة، فبهذه الروح كان يتقدم الصفوف ويحدد الأهداف ويسخر الامكانيات ويتجاوز حدود المألوف او المقبول لدى مجتمعه، ويرسم صورة ذهنية لما ينبغي ان يكون دون ان يتقيد بالضرورة بما هو كائن، والقيادة ايضاً تعني الايثار والمساواة في الحقوق والواجبات فلم يكن الملك عبد العزيز يستأثر لنفسه ولا لأبنائه بشيء لا يشرك فيه قومه، ولم يكن يرتضي لشعبه وجنوده امراً لا يقبل به لنفسه.
وقبل كل ذلك وبعده، فلقد كان الملك عبد العزيز يتحلى بالايمان وهو النبراس المضيء الذي يصنع الفرق بين من يسخر ذكاءه وقدراته نحو الخير والحق وبين من يجعل منها ادوات للشر والتدمير، واذكر في هذا الصدد عبارة سمعتها من الرئيس البروفيسور يوسف حبيبي رئيس جمهورية اندونيسيا عند استقباله لي ضمن وفد سعودي زائر حيث قال: ان الانسان اذا استحوذ على التقنية دون ان يتحلى بالتقوى فانه يصبح مارداً شريراً واذا كان ذا تقوى دون ان يحظى بالتقنية فانه يصبح رجلاً طيباً ضعيفاً لا يملك ان يجلب لبلاده خيراً او ان يدفع عنها شراً، اما اذا اجتمعت لدى المرء خصال التقوى وامكانيات التقنية فانه يصبح قادراً على تسخير طاقاته وملكاته في سبيل الخير والصلاح.
ان من نعم الله سبحانه وتعالى على هذه البلاد ان هيأ لها قائداً جمع شتاتها وقرب اطرافها وصاغ حباتها في عقد نظيم اصبح يشع نوراً ويبهر الناظرين سناء.
وإن من واجبنا ونحن نعيش الذكرى المئوية الاولى لتأسيس المملكة الا نجعل من هذه المناسبة فرصة للحديث عن الماضي او الحاضر فحسب، بل اطلالة نستقرىء من خلالها آفاق المستقبل وأبعاده وملامحه ونهيىء انفسنا لفرصه وتحدياته.
ان استذكار الماضي واجتلاب عبره وتداول دروسه هو جزء اكيد من عملية التعلم الشخصي والوطني وفرصة مستحقة للشعور بالفخر والاعتزاز.
كما ان النظر الى الحاضر واستعراض انجازاته ومزاياه هو جانب مهم من مهمة الادراك الذاتي والجماعي وعنصر اساسي في عملية الاعلام والتثقيف والتنوير على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ولكن الاكتفاء باستذكار الماضي والنظر الى الحاضر قد يفقدنا الفرصة التاريخية التي ينبغي ان نغتنمها لنجعل من هذه الذكرى نقطة انطلاق نحو المستقبل، ومنظاراً نستشرف عبره الآفاق المقبلة، ومنتدى نعبر من خلاله عن رؤية متكاملة للمئوية القادمة حتى لا نكون اسرى للماضي، ولا نظل نطوف حول الحاضر، وحتى نؤكد لأنفسنا وللأجيال المقبلة ان رسالة عبد العزيز وطموحاته ما زالت حية تعيش في أذهاننا وخواطرنا وانها ليست مجرد ذكرى.
*عضو مجلس الشورى