بدون ضجيج حتى آخر قطرة! جار الله الحميد |
عندما تكون قادرا على القراءة يعني ذلك بالضرورة ان تكون قادرا على الفرز, وبالطبع يأتي هذا بعد سلسلة من الضرورات ك(الاستيعاب) مثلا, لا يمكن ان تكون قارئا جيدا دون ان تكون لديك تلك الحساسية العالية التي تمكنك من الحكم على ما قرأت, وليس بالضرورة ان يكون حكمك نهائيا! او غير قابل للنقض! او للنقاش! لكنّ المهم ان يكون لك رأيك الخاص, الذي هو نتيجة حتمية للمران على تقبل كافة الآراء من حيث المبدأ , ولا تنمو عادة القراءة لدى الاشخاص الاحاديي النظرة او غير الراغبين في تغيير اي من قناعاتهم المسبقة حتى لو تبين لهم خطؤها, او على الاقل حتى لو رأوا انها قابلة للنقاش , وذلك خشية من انهيار ما يظنون انهم نظموه وقاموا ب(فهرسته) داخل هذه الكهوف التي نسميها رؤوسنا, وهي كهوف اتقن الله صنعها وزودها بمليارات الخلايا التي لا تموت حتى لو تعرضت للاذى عدا بعض الموت المؤقت الذي تنهض منه بعد فترة سليمة معافاة لتقوم بدورها في تكوين دماغ الانسان بما هو جهاز قادر على الحوار مع المتغيرات وقبول المستجدات وفرز القناعات السابقة واللاحقة.
مناسبة هذا الكلام ما نقرؤه او نشاهده من حوارات عبر القنوات الاعلامية المختلفة او حتى في تلك الحوارات التي نكون فيها طرفا حاضرا على الاقل (ان لم يكن مشاركا) بالطبع نحن ضد تلك الممارسة (الديموقراطية!) الزائفة التي يكون فيها طرف ما مستعد للتنازل عن قناعاته لمجرد اظهار روح (الحوار), فما هو زيف يبقى زيفا وان اتخذ هذا الشكل او ذاك من المبررات وبخاصة تلك التي تصب في خانة (التعامل الحضاري) و(الروح الحضارية)! بينما في الحقيقة فإن هذا نوع من التدليس وفقدان الايمان الحقيقي بما ندعيه من قناعات, فهي في هذه الحالة ليست سوى مظهر من المظاهر الحضارية الاستهلاكية! وان جرى تسويقها تحت اي مسمى!
ما نحن بصدده هو ذلك التشبث الاعمى بكل القناعات التي يثبت لنا خطؤها لمجرد اننا تبنيناها ذات مرة حتى لا يقال عنا اننا (ننسحب ) من مواقعنا بسهولة!
وهذه مسألة دخلت حتى في الخطاب السياسي العربي والممارسة السياسية ايضا, فالزعيم حين يطلق تصريحا (للاستهلاك) الوقتي: تتبنى اجهزته تعميم هذا التصريح على انه احد الثوابت التي لا يجوز التراجع عنها او النكوص او على احسن الاحوال (التخاذل), وحين ندع هذه المسألة التي كلفت الأمة غاليا لا لأنها غير مهمة ولكن لفقداننا الامل في مراجعة النفس حيالها، ونحدق في تطبيقات الكلام اعلاه على الحياة اليومية نجد: ان الحياة الزوجية دائما مهددة في الصميم, بسبب كلمة! والصداقة, والعمل المشترك, وكل ما هو في وارد تكويننا كجماعة ولدينا أمثال دارجة متداولة منذ عصور موغلة في القدم تؤكد على اهمية تمسك (الرجل) بالذات! بكلمته, حتى لو سالت انهار الدم ثمنا لكون هذه الكلمة غلطا فادحا! وهي عادة ما تكون كذلك, لأن الكلمة ال (صح) لا داعي للمتاجرة بأن يتمسك الرجل بها (حتى ولو على رقبته)! فهي مطروحة اساسا وبشكل تلقائي! ومن هنا يجب ان نراجع قناعاتنا المبنية لا على اكثر من كونها مثل ابنائنا نقوم بالدفاع عنها حتى اخر قطرة,, ريق: باقية في حلوقنا!
كيف تفرع بنا موضوعنا الاول الى هذه النهاية؟! الله اعلم!
|
|
|