عبقريات العقاد بين المتن والإسناد66 صالح بن سعد اللحيدان |
وجاء في ص99 ذكر المؤلف تجاوز الله تعالى عني وعنه قال ولكن غرائب التاريخ في أمر الأنبياء كثيرة ومنها هذه الغريبة التي تكاد ان تشمل الأنبياء أجمعين، وهي الجهل التام بتفاصيل نشأتهم بين ذويهم وأقوامهم فلا يحصي التاريخ شيئا من هذه التفاصيل عن نشأة نبي من كبار الأنبياء غير محمد عليه السلام .
المؤلف هنا كتب بأمانة، ودلف يكتب على هذا الفرار، لكن ليس كل مجتهد يُصيب، ولعل وجه الخلل في عدم الاصابة لديه انه ليس من ذوي تحقيق ودراسة الآثار صحيحها وضعيفها والصحيح والضعيف قائمان في عملية آثار الرسل صلى الله عليهم وسلم فلابد من هذا،
فالمؤلف يقول بأمانة: ولكن غرائب التاريخ ويقول: فلا يحصي التاريخ شيئا هكذا هكذا فهو أمين لأنه ذكر التاريخ وهذا غاية علمه، والخلل في الخطأ وهو خلل كبير انه ذكر التاريخ كأصل قائم دون سواه في النفي والاثبات والصحيح والضعيف، وقد سبق بيان هذه الحقيقة فيما تقدم وهي أن التاريخ ليس اصلا في الآثار الشرعية في العبادات والمعاملات ولا فيما وقع بين الصحابة وما وقع خلال القرون الثلاثة حال تدوين الآثار واثبات الروايات ما لها وما عليها، فكيف بحال الرسل صلى الله تعالى عليهم وسلم علما أن: اليهود والنصارى كتبوا عنهم بما لا تهوى أنفسهم دع عنك من كتب من الوثنيين والعلمانيين في هذا الحين وقبل هذا الحين.
والمؤلف كتب عن: ابراهيم وعيسى صلى الله تعالى عليهما وسلم وذكر شيئا يسيرا عن النشأة فكيف عمم.
ومن المعلوم ان الأنبياء صلى الله تعالى عليهم وسلم ذكروا مجملا ومفصلا في:
سورة:
1- البقرة.
2- آل عمران.
3- الأنعام.
4- هود.
5- يونس.
6- يوسف.
7- النحل.
8- ابراهيم.
9- الحجر.
10- الاسراء.
11- مريم.
12- الكهف.
13- الأنبياء.
14- الحج.
15- المؤمنون.
16- النور.
وجاءت جملة من حياتهم مبثوثة في الكتب الستة:
1- البخاري.
2- مسلم.
3- ابوداود.
4- النسائي.
5- الترمذي.
6- ابن ماجة.
وأورد طرفا من ذلك:
مالك/ وأحمد/ وابن أبي شيبة/ وعبدالرزاق/ وابن جريج/ وحماد بن زيد/ وحماد بن سلمة/ ومسدد بن مسرهد/.
ذكر هؤلاء الكبار أشياء تشفي الطالب والناشر اذا نشد والباحث عن الحق اذا بحث.
فنشأة الأنبياء بين ذويهم مدون منها ما يشفي لكن ليس في كتب: التاريخ والسير وكتب النقوش والحفريات وما كتبه: يهود ونصارى،من أجل ذلك زلّ المؤلف لكن قصد والا فهو حريص على حماية جناب هؤلاء الأخيار الكرام لكن ليس كل مجتهد يصيب.
ثم دلل علىالأمانة بوقوفه عند حد علمه فقط فهو يقول: ولا نستطيع ان نزيد على ثلاثة من كبارهم وهم ابراهيم وموسى وعيسى صلى الله تعالى عليهم وسلم وعلى بعض الأنبياء المذكورين في العهد القديم ص99.
فهو هنا توقف لأنه لا يستطيع السير الى أبعد من ذلك ولهذا لم يعد الى سورة من السور التي ذكرتها كما أنه لم يعد الى التفسير خاصة ابن جرير الطبري وابن كثير، وتوقفه هذا جميل منه يصعد الى القبول من مثله لدى علماء الحديث خاصة في هذا العصر وكل العصور وقوله بعد ذلك وعلى بعض الأنبياء المذكورين في العهد القديم .
لقد سبق القول منه نفسه ان: اليهود والنصارى تلاعبوا وحرّفوا وبدلوا وبيّنت سبب ذلك انه كان بسبب اختلاط وثنيات الهند وفارس واليونان تلك الوثنية التي جاءت بما جاءت به من: عبادة الأشخاص بعضهم لبعض ومن عبادة الطقوس كالنار والنور والشمس والقمر والنجوم والقبور والشجر والحجر.
واليهود والنصارى لا يعتمد على كتبهم بحال سواء الدينية كالتوراة والانجيل والعهد القديم والعهد الجديد، كما لا يعتمد على ما كتبوه في مجال: التاريخ والأدب والنفس والآثار، لا يعتمد على ما كتبوه لما تبين من أعمالهم في مجالات الحياة لكل متمعن جاد متجرد، فلا يصح ذكر العهد القديم على أنه مرجع لأمر رسول من الرسل، وهم الذين قال الله تعالى فيهم (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون).
فكيف بالقتل الآخر، القتل المعنوي وهو الذم والتحقير والنفاق ورد الحق بطرق ملتوية عجيبة.
فلا يصح بحال نظر كتب أهل الكتاب إلا من باب العبرة والتعجب من جرأتهم وسفههم واستمرارهم على ذلك.
ويتحدث عن نبي الله ابراهيم صلى الله عليه وسلم فيقول في ص100: وتتفق الأقوال على ان ابراهيم عليه السلام خالف أباه حين أنكر أرباب القوم ودعا قومه الى الكفران بالأصنام وليس في هذا ما ينفي زعامته على الذين هاجروا معه من أسرته وذوي قرباه وتابعيه فربما كان الخلاف على الاقامة والمصانعة وارضاء ذوي السلطان بشيء من المداراة, فاستكان الشيخ، وقد رأينا ان ثورة النفوس كانت تبلغ غاية مداها في سلالة ابراهيم حين يؤمرون بعبادة انسان أو اقامة الصنم مقام الإله الذي في السماء فلعل للفرق بين ابراهيم عليه السلام إنما كان على عبادة جديدة اقحمت على القوم من هذا القبيل، فنجا المؤمنون بأنفسهم وتبعوا الخليل في طريقه وأدى لهم الأمانة، أمانة الزعامة بهذه النبوة وبهذه الرسالة، فهذه النبوة مهمة زعيم أمين .
وأنت تقرأ هذا الكلام لا تشك في سلامة النية نحو ابراهيم عليه السلام لا تشك أبدا لكن اذا اجتهد الطبيب في عملية جراحية في غير تخصصه فإن الحال فيها جرأة وتسرع ويعقب ذلك خيبة العمل الجراحي مع ان الطبيب كان حريصا على البذل ما وسعه البذل والنجاح ما وسعه النجاح وحياة المريض ما وسعه ذلك.
لقد كان بإمكان الطبيب اعطاء العملية بُعداً أكبر، فالأمانة تقتضي ذلك وعدم التخصص يدعو اليه من كل جانب وهذا ما حصل للمؤلف هنا وحصل من قبل في كتابيه ابراهيم أبو الأنبياء وعيسى فقد نهج خمسة مناهج:
الأول: كثرة الطرح الانشائي.
الثاني: اعتماده على التاريخ وآثار الأقدمين.
الثالث: قطعه اليقين المبني على الظن.
الرابع: تركه للقرآن خاصة سورة الأنبياء .
الخامس: تركه للحديث الصحيح مما ورد في: الكتب الستة.
ولهذا قال وتتفق الأقوال وقال خالف أباه وقال وقد رأينا ان ثورة النفوس تبلغ غاية مداها في سلالة ابراهيم عليه السلام حين يؤمرون بعبادة انسان أو اقامة صنم مقام الإله الذي في السماء .
ما هي الأقوال التي اتفقت، ليس هناك ما يتفق عليه، فالمسألة نبوة ورسالة فيها عزم وحزم وبراءة فإبراهيم عليه السلام لم يخالف أباه بل أنكر عليه ودعاه وخوّفه من الرحمن ان يكون للشيطان وليّاً, فالمسألة هنا ليس فيها مخالفة الابن لأبيه بل صرامة حكيمة عاقلة وجدل مطول ثم ترك وهجر وسورة مريم وضحت هذا.
وثورة النفوس في سلالة ابراهيم عليه السلام لا تبلغ مداها ولم تبلغ لأنها سلالة ووراثة دم وطبع لكنها تدع الشرك وتحذر منه لأن من سلالته أنبياء ورسل دعوا الى عبادة الله وحده دون سواه فالمسألة فوق كونها إرثاً لطبع جبلت عليه النفوس والعقول للثورة حينما تدعى لعبادة انسان أو اقامة صنم هي أكبر من ذلك، وقصة ابراهيم عليه السلام معروفة في هذا مع أبيه ومع قومه وكذا: يعقوب عليه السلام حينما حضره الموت وما قال لنبيه، وقد كان يكفي المؤلف بأسلوب علمي ناهض ان يعوّل على سورتي مريم والأنبياء ولو فعل هذا لكفاه.
أما لفظه مقام الإله الذي في السماء فهي عبارة صوفية وثنية، وكلمة الذي في السماء لها معنى لغوي قاصر فالله جل وعلا قال (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) ولو عاد الى شرحها لكفاه عما أراد.
وقد بيّن:
ابن جرير الطبري.
وابن العربي.
وابن كثير.
والشنقيطي.
وابن سعدي.
بيّنوا حقيقة ما كان المؤلف ينشده لأنه ينشد الخير في بحثه عن ابراهيم عليه السلام.
لعل هذا ديدن من يعول على غير أصوله صحيحة.
وكنا قد رأينا قبل هذا ما وقع لجملة كثيرة من أهل العلم وأهل الأدب والتاريخ حينما عوّلوا على كتب ساقطة فيما جرى بين الصحابة فوقعوا في زلل خطير ومدار مغلق ما كان لهم ان يقعوا فيه لولا الجهل بكتب الحديث ودراسة أحوال الأسانيد وأحوال الرواة.
|
|
|