Sunday 14th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأحد 26 ذو القعدة


مشهد
بين المسرح والمردح ,, ثم ثراء الكلاسيكية في المسرح الحديث
محمد العثيم

النوع ,, أم الكم في المسرح؟ جدل طويل تفصل الاثنين مساحة من الوان الرماد المتموجة فيكون اثرها مؤذيا للحقيقة المجردة وتقود الدارس الى حكم كل حالة على حدة لانه لا تعميم في مسألة الكم والكيف.
قبل الدخول في هذا الموضوع الجدلي لا بد من ذكر بعض المسلمات في التأليف والمشروع المسرحي: مسلمة اولى: ان مسرحنا اليوم بحاجة الى ان يوجد اكثر من اي وقت مضى ليحمي ثقافتنا العربية الاسلامية قبل ان تتآكل اطرافها في ايديولوجي ثقافة عالمية لا نجد انفسنا منها والسبيل الأمثل تبني الثقافة لتكون دعما معرفيا في كل جوانب الحياة الاقتصادية.
مسلمة ثانية: انه منذ اكثر من مائتي عام ايام ابي خليل القباني حيث اول مسرح عربي مرورا بالريحاني وتوفيق الحكيم وسعد الله ونوس والفرد فرج ومئات غيره من اصحاب المشاريع المسرحية العربية,, اقول عند كل هؤلاء يكون الهاجس بدءاً طليعياً اصلاحياً قيمياً,, او كل تلك المصطلحات النخبوية الفضفاضة وربما غيرها,, ويظل حبيس تطلعات النخبة؛,, وفي وقت طغيان النخبة الثقافي خلقت نظاما سلطويا ابويا قررت من خلاله قيادة فكر الجماهير متناسية ان احلامها لا تحقق النفع العاجل الذي هو مطلب عامة الناس ومنه التسرية والترفيه وعليه فان الجمهور العام من غير النخب الثقافية وهو المطلوب للمشاركة لن يأتي الى المسرح او حتى المردح الذي لا يرى فيه نفسه ويحاور غيره في شئون يومه واذا لم يجد ما يسره وهو امر قد يغفله صاحب المشروع لانه مذ البداية يمتطي صهوة همومه العامة وما يلبث ان يجد نفسه بدون جماهير واحيانا تذهب العروض بخسائر بينما تمتلىء جيوب المرفهين عن الناس بالمال,, اقول: تمتلىء جيوب المرفهين مع ضحالة ما يقدمون من عمل قد لا يحمل فنا جميلا او فكرا والسبب بسيط وهو ان الناس يجدون عندهم ما يريدون.
ومسلمة ثالثة ان مجمل التراث المسرحي من ايام اليونان بني معظمه على قصص تاريخية او فلكلورية معروفة للجمهور,, وهذا يعني ان الجمهور لا يأتي من اجل حكاية وانما من اجل عرض ممتع يحمل فكراً جدليا قابلا للمشاركة.
ومن هذا فان هاجس المسرح لم يكن تأليف الحكايات فلا يهم ان تكون الحكاية موجودة ومعروفة او من بنات افكار المؤلف المهم الصور ولغة الفعل المؤكد للحكاية خارج عالم السرد اللفظي او المنقوش,, الى سرد الفعل خذ مثلا معظم حكايات (سوفو كليس) قبل آلاف السنين وحكايات (شكسبير) التاريخية والشعبية قبل مئات السنين وعرج على وطننا فخذ معظم ما ألفه (سعد الله ونوس)وقبله الحكيم ومعاصروه (الفرد فرج) وغيرهم كثير من عصر النهضة واهل زماننا.
وعليه فمهما كان هاجس المشاركة عند الجمهور فان اغراء الترفيه وما يسميه بعض المسرحيين الغربيين نزعة البحلقة او الاستيعاب النظري عند الجمهور تكون هي الاقوى من اجل مسرح يعد بالاستمرار والبقاء مع شيء من القيمة والفكر.
وعليه فالمشكلة هي مشكة عرض كما هي بالتالي مشكلة الممثل الذي يجد نفسه يقرأ نصا لجمهور يداعب عيونه النعاس ويحلم بالعشاء بعد المسرحية حتى لاتفسد ليلته لان هذا الجمهور لا يستفزه الاجراء الثقافي كما هو شأن الجمهور النخبوي او النوعي.
واختم الموضوع دون الدخول فيه بان المنطقة المعتمة بين الترفيه ومسرح القيمة اصابت مسرحنا ومنظريه بنوع من الحيرة الفكرية في الدعوة,, فاذا دعونا الى مسرح ترفيهي اخذ على انه مردح بدون قيمة ,, واذا دعونا الى مسرح جاد فليس هناك جمهور والمعادلة تحتاج حلا لا يملكه اداري الانتاج ولا النخب المسرحية بل عقل الفنان وابداعه الفني.
الكلاسيكية,, والمسرح الحديث
كان الكاتب المسرحي العظيم كورني كورني يتعامل في نصه مع احوال مجتمع متحذلق متصنع لا تعنيه لغة لا يفهم ابعد من عبارات النص الذي غلبت عليه السكينة,, وهو في رأي نقاد عصره ونقاد عصرنا الحالي لم يجاوز واقع حياة فرنسا الراكدة في اوائل القرن السابع لكنه شاعر عظيم خلد نفسه في سجل الادب مع كبار مجددي المسرح وكان يلتف بخجله المعروف وبقيمه الابداعية المقيسة بحسابه الرياضي ويقعد على قمة عصر المتحذلقات ومدعي الفروسية في الامبراطورية الفرنسية جادا احيانا وساحرا احيانا (اقرأ نص ميليت) لكنه استطاع ايصال فكره لعصرنا فوقف متطاولا بارزا في القرن السابع عشر كما وقف سوفوكليس في العصر اليوناني وسونيكا في العصر الروماني وغيرهم من علامات الابداع البشري.
الحوار عند بعض مبدعي الكلاسيكية قد لا يغري مخرجاً عربياً واحداً على اقحام عالم كورني مثلا ولو فعل لاعد منه اعدادا سريعا لتسير الحكاية في مسارها وهذه ام المشاكل.
في مسرحنا العربي الحديث لا نجد المخرج المبدع الذي يقتحم النص ليبدع منه ولا ينقله او يؤلف عليه بالتوازي وهو عجز ثقافي في اصطدامنا مع التقنية الحديثة في المسرح فلم يرتفع شأن الفعل وركز العمل على البصريات بفجاجة ولا دور للحوار الا في نطاق ضيق من خانات السينوغرافيا ومعنى ذلك أن الحوار في اقل القليل من مجمل مفردات العرض المسرحي.
الثراء الفكري الذي تميزت به الاعمال الكلاسيكية يعتبر نادرا في كل العصور التالية,, وهو ثراء وان لم يكن في الفكر او الاتجاه الايديولوجي الذي يغري العرب فهو ثراء في المعطيات الفنية التي تذهلنا الى اليوم.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
حوار
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved