الدكتور عبدالله الغذامي ل الجزيرة الثقافية النقد الثقافي هو حرب الأنساق التي تتغلغل فينا تركت الشعر لكني لم أتخل عن النزق الشعري |
أجرى اللقاء: أحمد زين
في هذا الحوار مع الناقد الدكتور عبدالله الغذامي، حاولنا الوقوف ما أمكن عند مسألة النقد الثقافي، موضوع اشتغال واهتمام الغذامي، اسباب النقلة من النقد الادبي الى سواه، وهل هذا التحرك باتجاه النقد الثقافي، ناتج عن شعور جماعي من النقاد بضرورته، ام هو ملك صاحب المشروع من راهن النقد الادبي، والذي في رأيه لم يعد يحرز جديدا، ليندفع، من ثم وبشكل مدروس، مثلما سيتضح في الحوار، إلى هذا الافق الجديد,, هناك ايضا اسئلة تخص بعض مسائل الاشتغال النقدي عند الناقد الذي لا يني يثير الجدل والاسئلة حول اي مشروع ينجزه، فهو من كتاب الى كتاب، يخض باستمرار الراكد في ماء المفاهيم النقدية، والثقافية بشكل عام.
* النقد الثقافي، موضع اشتغالكم وحماسكم النقدي الآن، هل يمكن اعتباره مرحلة متقدمة او متطورة ضمن الافق النقدي عندك، أم هناك متطلب ضروري له يفرضه الراهن الثقافي العربي، وايضا هل الاشتغال في هذا الاطار هو انتقال من حقل الى آخر مختلف كلية، أم هو حركة داخل الفضاء النقدي وليس انتقالا من وضع الى آخر كما أشار إلى ذلك الناقد عبدالسلام المسدي في كتابته عن النقد الثقافي عندك وعند الناقد جابر عصفور في ملحق ثقافة اليوم بجريدة الرياض .
* طبعا، سؤال النقد الثقافي تنشّأ في نفسي بناء على فعل الالحاح المنصب باتجاه نقد الذات بالدرجة الاولى نقد المنجز الذاتي بالدرجة الاولى وهي اللحظة التي يبدأ الانسان فيها يسأل: ماذا فعلت؟ ماذا قدمت؟ ما الذي فعلته وفعله الآخرون من جيلي؟ هل هو المطلب النهائي لكل واحد منا كأفراد وكجيل وكمنظومة معرفية؟ هذه الاسئلة، اسئلة مخيفة ومزعجة على المستوى الذاتي ان تشعر انك تسائل نفسك وتسائل عملك وتسائل اداءك، ثم تتلمس من الجهة الاخرى، أحاسيس الناس ردود الفعل التي عند جمهرة الناس، جمهرة القراء، القراء بالمعنى البسيط، القراء الابرياء، المخلصون للقراءة، المخلصون للثقافة، المخلصون للمشروع الثقافي والذي ينظرون إليه على انه مشروع وطني هنا تبدأ الاسئلة الحساسة جدا, صرف الوقت الطويل على السؤال الادبي الجمالي البلاغي، المعني بجماليات القول، وهو سؤال لاشك انه مهم ولا اعتراض لي عليه.
- أنا لا اقلل من شأن الاسئلة العلمية مهما كانت الاسئلة العلمية، لكن اتساءل عن علاقتي وعلاقة جيلي مع بعض الاسئلة ومع بعض التوجهات، وبشكل محدد عن (المنجز) هل المنجز الذي انجزناه حقيقة هو المشروع الذي نطمح إليه؟ هنا تأتي الصعوبة الحقيقية ان نقيس المنجز بالمطمح، والهوة الكبيرة بين المنجز وبين المطمح او الطموح هذا هو السبب الذي جعلني اطرح فكرة ومفهوم النقد الثقافي، بوصفها نقلة نوعية من جهة، وبوصفها حالة اعلان عن موت النقد الادبي قد أعلنت في عدد من المواقع، في عدد من العواصم العربية عن موت النقد الادبي,, بمعنى اني اريد ان احدث لنفسي بالدرجة الاولى، هذه النقلة الحادة، من حالة معرفية الى حالة معرفية اخرى، من اسئلة محددة إلى اسئلة اخرى وهذه لا تحدث إلى بوقوع صدمة قوية داخل الذات وداخل حالة الاستقبال من هنا فإن النقد الثقافي لا يتخلى بأي حال من الاحوال عن ادوات، وأركز هنا على الادوات، لا يتخلى عن ادوات النقد الادبي لأن ادوات النقد الادبي هي نوع من الادوات المدربة والمجربة وعلى مدى قرون وليس على مدى بضع سنوات واستخدمت وجرى استخدامها والافادة منها في تحليل وتأويل وقراءة وفي تفسير النصوص فمن الخطأ الفاحش ان نغمض اعيننا عن هذه الادوات المجربة، لكن من الممكن ان ننقل هذه الادوات من ان تشتغل على حقل معرفي معين الى حقل معرفي آخر وهذه النقلة، كيف ننتقل من قراءة النصوص الى قراءة الانساق، كيف ننظر إلى الثقافة بوصفها نصا، وبوصفها نصا محفورا ومتمكنا من نفوسنا، فهو يسيرنا بطرق غير واعية, هل نستطيع ان نستكشف الانساق الخفية، غير الواعية في الثقافة والتي تؤثر فينا تأثيرات، إذا ما فحصناها وجدنا أنها تأثيرات سلبية وليست ايجابية وان نستطيع ان تستخدم ادوات النقد من اجل الحفر بهذا البعد وبهذا المجال هذا هو التحدي هو السؤال والشيء المطروح, هذا الذي نظرت إليه بوصفه نقلة نوعية، وبوصفها نقلة لابد من الاعلان عنها وبصورة جادة وصادقة.
* اعتقد ان مقولة موت النقد الادبي، مقولة خطيرة، ولكن هل التوصل الى هذه الحقيقة، إذا سلمنا انها كذلك، جاء فرديا، مثلا كونك ناقدا اشتغل كثيرا في النقد تنظيرا وتطبيقا، وجربت العديد من المناهج النقدية الحداثية، حتى انتهى وعيكم النقدي، كنتيجة لذلك الانهماك، إلى سقف لم يعد متيسرا معه الاستمرار في الاشتغال في ذات الحقل لتأتي حالة استشعار حالة الموات للنقد الادبي ومن ثم الاعلان عنها,, أم ان مقولة موت النقد الادبي هي مقولة عربية اي باجماع المشهد النقدي العربي؟
- لا أريد ان افرق الآن بين عمل فردي وعمل جماعي، مهما كان فالفرد ينتمي إلى جماعة وينتمي إلى جيل، وينتمي إلى امة وإلى ثقافة، والفرد هو ناتج معرفي لهذه الامة لذلك من غير الصحيح ان يكون الحديث منصبا على فرد، لأن القضية ليست قضية فرد، وحين يتحدث الفرد عن فرديته، فحينئذ سندخل في العيوب الثقافية، العيوب النسقية، التي اسعى الى نقدها او أسعى إلى تأسيس النقد ضدها وباتجاهها لذا فكلامي منصب على الممارسة العربية بشكل عام بمعنى انه في العقود الاخيرة تحقق انجاز كبير جدا في الدرس الجمالي البلاغي عن النص الادبي، بوصفه عملا جماليا ابداعيا، ببعده المتطور كإبداع داخل التجربة الادبية, وأنجز اعمال مهمة وكبيرة في هذا المجال السؤال الآن، طالما اننا نقر بأن مجهودا كبيرا انجز في هذا الحقل، القضية هل نستمر على انجاز المنجز؟ هل نستمر على ان ننجز ما قد انجز فعلا؟ وبالتالي سيحدث حالة انغلاق داخل التجربة النقدية، لأنها صارت تدور حول نفسها، ستقول المقولات نفسها، ستصدر الاحكام نفسها، وستتكلم بنفس الدائرة المصطلحية والمقولاتية والنظرية مهما تجدد النص المدروس, فإذا درسنا نصا ادبيا نشر اليوم سنجد ان مجمل الكلام الذي يقال عن النص مماثل، بدرجة تكاد تكون مساوية مائة بالمائة، لكلام قيل عن نص انجز قبل عشر سنوات، مما يعني أن الحركة النقدية صارت تدور حول نفسها وإذا ظلت بحالة الدروان هذه، فسيصيب الدرس النقدي الحديث ما اصاب الدرس البلاغي القديم, أي انه يتجمد، يصبح مقولة مسلما بها، مجموعة مسلمات، نعرف ما سيقال عنها، ونعرف سلفا ان الناقد الفلاني سيقول الكلام الفلاني عن النص الفلاني، إذا وصلت المعرفة إلى هذا النوع من الوضع فلقد انتهت، ما تت، حتى وان كانت تنتج، حتى وان كانت تؤلف كتب ومجلدات وتخرج رسائل وأطروحات وندوات ومؤتمرات وتصدر ملحقات خاصة في صحف ومجلات.
الموت هنا بأن تكون المعرفة تدور حول نفسها، لم تعد متمددة ومتجاوزة لذاتها، هنا يحتاج المشروع النقدي لأن ينتقل من الوقوف على النصوص الادبية بما انها ادبية الى عالم تجليات الانسان بكل حالاته وأوضاعه بكل انواع خطاباته، الشعبي مع الرسمي، اللباس مع النص الادبي، الخطاب الثقافي بأنساقه، المرأة ولون المرأة، المهمشين، الجوانب المسكوت عنها والمغفول عنها والمنسية تماما في حياتنا، وهي في الواقع الجوانب الفاعلة نحن لو نظرنا الآن ايهما اكثر تأثيرا في الناس: هل ما يسمى بالاغنية الشبابية ام قصيدة لأدونيس او أحمد شوقي، الواقع ان الاغنية الشبابية هي التي تؤثر في الناس, لو نظرنا الى النكتة مثلا او الإشاعة، هذه كلها تؤثر في الناس وتأثيرات قوية وخطيرة جداً, لم لا يتجه النقد إلى هذه المنطقة، هل لأن النص الادبي اشرف وأنبل من النكتة ومن الاشاعة ومن الاغنية الشبابية، هنا طبقية معرفية لاحظ، وقعنا في طبقية معرفية, يعني النقد الذي كان من المفترض انه يؤسس لنوع من التعددية والديموقراطية هو الذي يعزز الطبقية من جهة عبر تعزيزه لنسق من الخطابات، يرى انها خطابات شريفة وراقية، في حين ان هناك خطابات يرى انها دونية وناقصة، بينما الذي يؤثر في الناس هو هذا الذي يسمى دونيا وناقصا, إذاً هل مهمتي هنا ان اقف على الاشياء المؤثرة في التكوين العام للوجدان الانساني للبشر كبشر؟ ام اقف على نصوص ليست بحاجة الى وقوف, ان نصا يكتبه ادونيس ليس بحاجة الى وقوفي كناقد، اصلا أدونيس مكتمل وجاهز بذاته من دون حاجة منه إلى ناقد، محمود درويش,,الخ، خذ هذه الاسماء جميعا,, ما حاجة فعلهم إلى ناقد؟ وما حاجة الناقد الى فعلهم؟ وما حاجة الناس إلى وقفة نقدية من ناقد ما عن نص شعري لمحمود درويش, المسألة هنا ان الاجابة ستقوم على شيء من السفسطة والبرجوازية الثقافية الكبيرة، لكن إذ سألتك او سألتني عن حاجة الناس على الوقوف على ثقافة الاشاعة وثقافة النكتة وثقافة الاغنية الحديثة, هنا الخطر، لغة المسلسلات التلفزيونية، لغة الخطاب السياسي، لغة المجتمع، الناس، التداول اليومي، هذه مناطق يجب الدخول اليها، الدخول اليها يجب ان يكون مبنيا على وعي نقدي بأدوات نقدية مدوية ومسلحة هذا من جهة ومن جهة ثانية يجب ألا تكون الدراسة هنا مجرد دراسة وصفية تلاحظ وترصد، ولكن يجب ان تكون دراسة للأنساق، حرب الانساق، ولغة الانساق التي تتغلغل فينا، شاعر مثل نزار قباني بكل جمالياته لكن داخل هذه الجماليات يحمل قبحيات معينة، تعزيز الأنا الطاغية، الأنا الفردية وإلغاء الآخر، صناعة الطاغية بلغة أو أخرى هل آن الأوان إلى ان نتنبه الى هذه الانساق وأن ننقدها, هذا ما أسميه بالنقد ثقافيا، هذا ما أقول عنه نقلة نوعية يجب ان نحدثها من النقد الادبي الى النقد الثقافي، هذا الذي يجعلني اقول وأكرر بموت النقد الادبي.
* لكن تظل هناك تجارب ابداعية عديدة لم تضأ خاصة الكتابات الجديدة وقارئ هذه التجارب يتوق إلى ان تضاء نقديا وينجز حولها نقود ليس بالضرورة في حجم ما كتب عن شعراء مثل ادونيس او درويش أو غيرهما لأن هؤلاء بالفعل يكاد يكون النقد قد استنفد ادواته معهم,أيضا الشكاوي التي لا تكاد تخلو منها ساحة ثقافية حتى في المغرب العربي، من غياب النقد ومواكبته للنصوص,, وأعتقد ان هناك شريحة واسعة من النقاد لم تصل بعد إلى هذا الوعي، مع التسليم بدوران النقد حول نفسه، ثم هل يجب ان يموت النقد الادبي ليتم الانتقال إلى النقد الثقافي؟ لم لا يكون هناك تجاوز لكذا نقد، النقد الادبي، النقد الثقافي، نقد النقد وهكذا؟
- هو ان يحدث تجاور ليس هناك مشكلة، لا بأس ان استطاع احد ان يحدث تجاورا بينهما، فهذه مسألة ليست قسرية, قضية النقلة هنا انا اقول بها لسبب ان الفرد، الذات المنتقلة بحاجة الى ان تدرك المأزق الانتقالي بكل ابعاده، لأنه هنا نحن امام مأزق ولسنا امام حالة حيادية والذين لا يشعرون بالمأزق سيظلون في حالة طمأنينة اغبطهم عليها، ولا أريد ان انتزعها منهم، لهم ان يطمئنوا إليها، وليتني احمل هذه الطمأنينة لكن المشكلة اني لا احملها، المشكلة انني أشعر بفداحة الموقف، وأشعر ان هناك ازمة صارخة داخل المقولة النقدية ذاتها، وداخل الممارسة النقدية ذاتها ايضا واشعر ان المشروع النقدي ببعده البلاغي والجمالي قد أنجز, هذا الاحساس عنيف وقوي عندي, طبعا هذا سيفسر ضعف الرغبة في الوقوف على التجارب الشعرية الجديدة، ضعف هذه الرغبة ناتج عن ان النقاد الذين قامت على ايديهم حركة الانجاز النقدي احسوا بشكل واضح او بشكل خفي، انهم قد قالوا ما يمكن ان يقال فمهما وقفت على نص جديد، لم يعد لديك ما هو فعلا، فعلا جديد حول هذا النص طبعا جزء من المشكلة هو مشكل ابداعي، ان النصوص الابداعية اليوم لا تجد بينها نصا اختراقيا، يخترق القمم الموجودة.
خذ مثلا نزار قلمه، ادونيس قلمه، درويش قلمه، السياب قلمه، أمل دنقل قلمه، ائتني بأسماء تجاوزت هذه الاسماء، ألغت ذاكرتها الابداعية، يعني حرفت المسار، لانه عندما جاء بدر شاكر السياب غير مسار التجربة الشعرية كلها، شكلا ومضمونا ولغة، يعني جرى حدث اختراقي داخل التجربة الابداعية كلها, الذي يصير الان ان الكتابة الشعرية على مستوى الجودة الابداعية، هي ذات جودة ابداعية ولا أحد يجادل في المسألة، لكن على مستوى الكائن الشعري كذاكرة شعرية، ليس لديك شيء يخترق هذه، يخترق الموجود، هي اسماء من المحيط الى الخليج جيدة، راقية مبدعة، لكنها تقف عند هذه الحدود، ليست اختراقية، لم تنجز النص المختلف الذي يثير تحدياً داخل اللغة نفسها، داخل انساق اللغة، داخل استقبالات اللغة، داخل المتعاملين معها كنقاد وكقراء, الشعر يدور حول ذاته، دورانا ابداعياً وليس دوران تقليد غير متطور, هو دوران ابداعي لكن يظل دوراناً, هنا الإشكال، اننا امام مشكلة عويصة جدا، مشكلة داخل الابداع نفسه وداخل النقد الذي يريد ان يتعامل مع هذا الابداع.
* وماذا عن قصيدة النثر التي ربما تحاول ان تقدم نصا اختراقيا عند انسي الحاج او الماغوط مرورا بشعراء آخرين: سركون بولص، عباس بيصون وغيرهما؟
- الماغوط تحديدا من الممكن ان يكون من الاسماء التي يشار إليها على انها ذات ريادة في قصيدة النثر وأنسي طبعا، هؤلاء حققوا ريادة في قصيدة النثر فممكن تضيفهم الى مجموعة الرواد، لكن ما يجري في قصيدة النثر الان انها تدور حول ذاتها، يعني قصيدة النثر لم تعد مبتكرا، طارئاً اختراقيا، هي نموذج موجود، صحيح داخل هذا النموذج حالات من الابداع الراقي، لكن انا احكي عن التجربة الاختراقية للناقد عندما يقف عند اي قصيدة نثر اليوم، ستكتشف انت وسأراهن ان اي كلام له عن القصيدة سيكون حتما صورة لكلام قيل عن نص ما، اما قاله هذا الناقد بذاته او قيل بأجزائه متفرقا ومتبعثرا عن نصوص اخرى, ليس هناك لا التجربة الابداعية الاختراقية ولا المقولة النقدية الاختراقية ايضا، الاثنتان معا استخدمتا في مواقع سابقة, فأنت اما تكون امام مقولة نقدية جديدة لكي تعطيك اضاءة مختلفة عن اضاءة سابقة، مثلما حصل عندما جاءت البنيوية وأضاءت القصيدة الجاهلية غير عابئة بكل ما قيل عن القصيدة الجاهلية من قبل، لان المنظور جديد وبالتالي صار الموضوع المدروس يتجدد مع تجدد المنظور، لكن الان المدارس النقدية الراهنة بين ايدينا، درس ما بعد البنيوية، ما بعد الحداثة، هي هذه المدارس التي جرى التعامل عبرها مع المنجز الابداعي الراهن، فأنت، بلغة اخرى، استخدمت الاداة، يعني اداة مستخدمة، واستخدمت النص، نص مستخدم، فبقي ان تدور حول نفسها, ما الاشياء التي يجب ان نفعلها لكي ننجز؟ هي باحداث نقلة ونقلة على مستوى النقد الادبي, انا دعوت الى هذه النقلة، على مستوى الابداع مطلوب الآن من المبدعين ان يحدثوا دعوات لنقلة او ان يحدثوا فعليا نقلة من نوع ما، ولو حدثت النقلة فعلياً في الابداع، تأكد ان كل النقاد الموجودين سيتسارعون واحداً تلو الآخر للوقوف عليها، لانهم سيكونون امام تحد جديد يتحدى رؤيتهم ويتحدى ادواتهم, طالما ان هذا التحدي لم يحدث فسيظل ما يسمى بالنقد الادبي مشروعاً يدور حول نفسه، وحينئذ ستحقق عليه مقولة الموت.
* طيب، بماذا نفسر تهافت بعض النقاد على اي ديوان يصدره درويش او أدونيس وغيرهما؟
- التهافت الذي يجريه ادونيس او غيره للكتابة، أنا اقول لك وأراهن عليها ان لا طريف ولا جديد فيها، وتستطيع انت ان تتأكد بنفسك على هذا المستوى.
* لكن هناك عدد من النقاد، اغلبهم شباب، في اقطار مختلفة قدموا شيئا جديدا عن نصوص جديدة، شيئا ينسجم مع روح هذه النصوص التي تنزع إلى المغايرة والاختلاف؟
- شكراً لهم، انا لا أريد ان انكر جهود الآخرين، لاحظ انا هنا ليس كلامي يدور لتقويض جهود الآخرين، انا احكي بالدرجة الاولى عن تجربة انتمي انا اليها، هذا الكلام هو نقد لي ولذاتي بالدرجة الاولى وليس نقداً لغيري، أنا اقدر جهوداً كثيرة صارت وتصير وسوف تصير، وهذه كلها جهود يجب ان نرحب بها باستمرار ولو اننا جميعا اتجهنا وجهة واحدة لقضينا على مستقبلنا الثقافي, من المهم التعدد، من المهم التنوع، من المهم وجود انواع من الحماسات المتنوعة لكن انا اتكلم عن منطقة انا اعيش فيها، وأسعى الى تدارك امرها وامر علاقتي مع القارئ وعلاقتي مع جيلي وعلاقة جيلي مع قرائه.
* هل يعني ما تقوله انك لن تمارس النقد الادبي، وأنه لم تعد هناك حاجة مثلا إلى مثل هذا النقد؟
- ليس بالضرورة، الحتميات دائما من اسوأ الاشياء على اي انسان، ان يطلق حتمية معينة، والذي يطلق حتميات ليس بمثقف في تعريفي، أنا اقول وأتحدث عن ازمة راهنة، لو جد جديد في العام المقبل فمن الضروري ان الانسان تنشط روحه امام المستجدات، قد يفاجئك وقد أفاجأ بنص ما، اجد انه يحتويني ويجبرني على الكتابة عنه، لكن تظل الازمة التي يتحدث عنها قائمة في اعماق نفسي وتظل الابواب مفتوحة باستمرار.
* كما افهم من بعض ما كتبته عن النقد الثقافي انه يتجه إلى التعامل مع الظواهر الثقافية او ما اسميته بالانساق الثقافية ، نسق الفحولة مثلا، والتي ترسخت في الذهن الثقافي من خلال لعبة البلاغة وجماليات الابداع وساهمت في تربية الذوق ووجدانات القراء والناس منذ القدم وحتى الان,, في هذه الحالة اعتقد انه ستكون مهمة النقد الثقافي مهمة ليست بسيطة وفي احايين شائكة ومحفوفة بالمخاطر، إذ انه يهدد ويشاكس ذائقة ووجدان وذهن ثقافي لهم من العمر اكثر من ألف سنة، بمعنى ان الحفريات التي يجريها هذا النقد في جسد الخطاب الثقافي، هي بالضرورة حفريات في الذوق العام، كانما يصدح بقوة جمهرة من الناس,, هل تعتقد ان تقبل ذلك سيكون سهلا؟
- طبعا لا,, وأولا شكرا على ملاحظتك هذه لانها صحيحة والقضية شائكة فعلا وحساسة بشكل خطير جدا تلاحظ هنا ان الانسان يتحرك ضد نفسه انا اعي انني اتحرك ضد ذاتي، ضد ذائقتي، ضد مكوناتي التي تكونت عليها منذ صغري، مثلي مثل اي شاب عربي نتشرب الشعر في القصيدة العربية، نتشرب الحس العربي والوجدان العربي ونتشرب الرأي والمقولة التي تجمع بين الشخصية العربية والشعر وتوحد بينهما الى درجة سمي الشعر ديوان العرب، فلاشك اننا نتعرض لمنطقة خطرة وحساسة لكن الذي اؤمن به ان العلم محتاج بالدرجة الاولى وقبل اي شيء إلى الشجاعة شرط الشجاعة، في العلم هو الشرط المعرفي الاول والاخير في علم لا شجاعة فيه، لا خير في معرفة لا شجاعة فيها، وأنا استذكر هنا كلمات ابن جني حينما تكلم عن الشجاعة العربية إذ كان يتكلم بانبهار شديد عن الشجاعة العربية, وآن الأوان ان نستعيد الحس الشجاع في الموروث العربي، وانا اقول اننا فقدناه، فقدنا مفهوم الشجاعة في حياتنا العربية كلها العملية والعلمية نحن بحاجة إلى ان نستعيد هذا الحس، وأولى حالات الاستعادة هي ان ننتقد ذواتنا، نقد الذات، ان تنتقد ثقافتك، فأنت في الواقع تنقد ذاتك، وايضا من شرطها، ان تسمح للاخرين ان ينتقدوك وهذا الخلل المعرفي الحقيقي عندنا، ان المثقف يحصن نفسه ضد الاخرين وهذا هو العيب،و من المفترض ان نقدم انفسنا لتكون مجالا للانتقاد، مجالا للتشريح، مجالا لاعادة النظر فيها، جزء من اعادة النظر في كل الاشياء, والانساق الثقافية بحاجة إلى ان نقف اليها ونستكشف الجوانب,, مثلما قلت عن نظريات في الجماليات يجب ان يكون عندنا نظريات في القبحيات,, يعني كلمة جميل تحمل معنى شحم وتحمل المعنى السائد لكلمة جميل فالجمال والجماليات تحمل هذين البعدين، هناك دائما انساق ثقافية تتغلغل فينا وتفسد تكويننا الوجداني دون ان نعي، وآنالأوان إلى ان نستكشف هذه الجوانب.
* هل تخمن بماذا ستكون عليه ردة فعل القارىء حيال ذلك؟
- اي مفكر هو اشبه مايكون بالبائع يعرض بضاعة والبائع الذي يعرض بضعة ولا أحد يشتريها، طبعاً ليست هذه لا مما يحمد للبضاعة ولا مما يحمد للبائع, انا اعرض موقفا, اما البوادر البسيطة السريعة جداً، فأنا اجد الاستجابات قوية بل انها اقوى بكثير من أي عمل كنت اعمله في السابق، مما يعني انك هنا تضرب في مناطق مطلوب، على الوجدان العام، مطلوب ان ندخل عليها.
البطاقات العلمية
* يلاحظ ان اغلب كتبك تتأسس ، كلاً على حدة، على موضوعة نقدية واحدة، او هاجس محدد، بمعنى ان كتبك لا تأتي تجميعاً لمقالات انجزت في أزمنة مختلفة,, حتى اصبحت اعمالك اشبه بمحطات او لحظات رئيسة تتالى، لتشكل هذا الكيان النقدي، الذي نعرفه، او ان كل كتاب يمثل مشروعا تنجزه ثم تنتقل الى غيره وهكذا، السؤال كيف يؤلف الدكتور عبد الله الغذامي كتبه؟
- من المسائل التي تعلمتها من استاذي الذي اشرف علي في الدراسات العليا في بريطانيا، وهو رجل هولندي,, من المسائل التي يمارسها بنفسه وينصحني بممارستها، هي ان اضع في ذهني موضوعا ما واتركه يعيش ولا ابادر بإنجازه، اتركه يعيش في ذهني، وأتركه يستقبل باستمرار، ويتغذى باستمرار وفي الوقت ذاته اشغل نفسي بموضوع آخر وآخر وآخر، والذي ينضج من هذه المشروعات، يجري إنجازه وتقديمه ، ولهذا السبب وبناء على نصيحته فأنا اعمل دائما على العملية البسيطة التي يعرفها اي باحث، مسألة البطاقات العلمية ووضع ملفات عن كل قضية معرفية، ولو زرت مكتبتي في البيت لرأيت عدداً من الملفات بعضها عمره اكثر من عشرين سنة ولم اكتب عنه الى الآن، اتركه ينمو إلى ان يصل في وقت من الاوقات واشعر انه نضج، فبالتالي اتصدى له واقوم بانجازه، هذه طبعاً تريح على المستوى الاجرائي لأنها لاتجعل الإنسان في حرب مع نفسه، حينما يقرر الكتابة عن موضوع ما، ويلاحق نفسه بشكل شديد، فيصبح هناك شيء من الآلية في الحالة هذه، لكن الانفتاح الذاتي على مجموعة من الاسئلة، وترك كل واحد منها ينمو بشروطه الخاصة، الى ان يصل الى اللحظة التي ينضج فيها,, هذه تساعد حتى على مستوى الترفيه النفسي، فيه نوع من الإبداع لأنه تتنوع عليك القراءات والاهتمامات باستمرار، ثم حين تقرأ نصا أوكتابا أو حادثة، تجد ان كل جزء من هذه الأجزاء يتجه إلى موقع من المواقع التي عندك، لايتجه النص إلى مكان واحد، يتجه الى عدة أماكن، فتبدأ عملية الاقتباسات وعمل البطاقات إلى ان تكتمل، وهذه ايضا تمس جزءا من تركيبتي النفسية، انني انسان ملول، اشعر بالملل لو ظللت على شيء واحد، وايضا نفسي تطرب ان اقرأ، حبي الحقيقي هو القراءة وليس في الكتابة، وأكره ما اعمل وما ارى وما افعل هو الكتابة، لكن ما احب إلى نفسي هو القراءة، فأنا افرح حينما يباغتني شيء وانا اكتب كي انشغل عنه بأن اقرأ, فهذه تعطيك مجال توسيع قراءتك وباستمرار وتجعل الناس تطرب ومرتاحة باستمرار، في حين ان عملك يظل على المدى الطويل ينجز.
النزق الشعري
* في العديد من كتبك هناك مساحة ليست بسيطة ابداً ، قد نسميها نزقا ، تجريبا او ممارسة غير عادية في العمل النقدي، بغية كسر الصرامة الأكاديمية عبر إفساح المجال للذات لأن تتدخل في اللعبة النقدية,, مثلا في احد كتبك تحاول ان تنجز نصا واحداً مفتوحاً من خلال نصوص عديدة ولشعراء مختلفين، في آخر تقرأ نصوصاً ثم تأتي باصحابها ليقرأو ليقرأوا ثم ناقد يقرأ القراءتين، ايضا حاولت تأليف كتاب مع القراء على صفحات جريدة الرياض لكنك لم تكمله، وهذا انت الآن تقول بموت النقد الادبي وتنتقل الى النقد الثقافي, بالمقابل هناك بعض النقاد الذين يخرجون على كونهم نقادا فينجزون نصوصاً شعرية وروائية، كمال أبو ديب ومحمد برادة أنموذجان، تستوعب نزقهما الذي يظل مقصى خارج الاشتغال النقدي، بالنسبة لك هل ماتقدمه في تلك الكتب الآنفة اشبه بتلك الممارسات لكن داخل الحقل النقدي ذاته، وليس في شكل إبداعي معينا ام ان ذلك يمليه وعيك وتصورك للنقد وبالتالي هو جزء من مشروعك النقدي الكبير؟
- اعتقد ان النقطة التي يحسن دائما عدم الغفلة عنها هي ان الاكاديمية، وهي شرط مهم واساسي، لايمكن ان اقلل من شأنها ، لكن الاكاديمية قاتلة، الاكاديمية الصارمة تقتل الحس الابداعي ، بمعنى انها تكون حذرة جداً في اجتهاداتها، ولاتقدم على الدخول في بعض الآفاق التي ترى انها آفاق محرمة, فالشرط الاكاديمي في كثير من الحالات يشتغل ضد صاحبه، وانا بما اني اكاديمي بالمهنة والوظيفة وبالتدريب، اكاديمية التدريب هي اكاديمية طارئة ، لأن الانسان في فطرته وفي اصله هو كائن مبدع هذا في عرفي, بسبب الاكاديمية المهنية عندي كان عندي باستمرار هذا الخوف من الوقوع في براثنها دائماً، وأنا كنت في فترة من الفترات شاعراً، ثم تركت الشعر وهجرته واعلنت انني لم اعد شاعراً ، لكنني لم اتخل عن النزق الشعري ، فورثت من فترة الشعر هذا النزق الشعري، وحاولت ان أزاوج بين النزق الشعري كمظهر ابداعي وبين الشرط الاكاديمي كالتزام بحثي، فعبر المسعى للجمع بين البعدين الاكاديمية الابداعية او الابداعية الاكاديمية، صارت تتمخض هذه الاعمال،هل نجحت، وفقت ام لا؟ هذا سؤال متروك للذي يستقبل الاعمال طبعاً، لكن همي كان اساسياً وواضحاً بهذا الاتجاه، هو ان آخذ من الاكاديمية الشرط البحثي الذي لايعيق، وآخذ من الابداعية الشرط الانفتاحي الرؤيوي الذي لا يوصلك الى الانفلات، وهذه عملية توازن وموازنة ارجو ان اكون قد افلحت في احداثها, كمثال سريع كتابي الكتابة ضد الكتابة ,, كان المسعى عندي ان يكون معتركا قرائيا بيني من جهة والشعراء، اصحاب النصوص، من جهة ثانية ومن حسن الحظ انهم كلهم كانوا احياء وكتبوا، واستضفت بعد ذلك ناقدا آخر يقرأ هذه المجادلة بين الناقد من جهة والشاعر، هنا لم اكن اريد، وكنت اتجنب بشكل اساسي، ان تكون كلمة الناقد كلمة نهائية، وهذا هو الخلل والعيب الثقافي، كنت اريد ان اجعل الشاعر يرد على الناقد فيما قاله عن شعره فاجعل الشاعر يقول كلمته، لكن لا اريد ان تكون كلمةالشاعر نهائية مثلما ان كلمة الناقد غير نهائية، فاستضفت شخصية اخرى تجمع بين انه شاعر وناقد في الوقت ذاته، وطلبت منه ان يقرأ العملية، وظلت العملية مفتوحة ايضا على القراء.
هنا انت تدرب قارئك لأن يكون ناقداً، وهذه القضية المعرفية الاساسية هي هل نسعى فعلاً لأن نخلق جيلا من القراء الذين لديهم من الوعي النقدي الذي يحولهم الى نقاد، ينتقدون المقروء المقدم بين ايديهم، ام نظل على الطريقة التي تحول القراء الى مجرد مستهلكين، مجرد تلاميذ ويظلون تلاميذ طول عمرهم, انا اريد ان يتحول القارىء هنا الى ناقد يحاور المادة المقروءة، واحرره من سيطرة المقروء، وسلطة المؤلف والنص عليه، لكي تتحقق إرادة القارىء في حريته مع النص.
المرأة واللغة
* يرى بعض قراء المرأة واللغة انه كان يحتاج الكثير من الجرأة والحفر في طبقات عديدة من مستويات الثقافة وعلوم أخرى لها علاقة بالموضوع، ليأتي ككتاب ذي قيمة نقدية عالية وايضاً ليجيب او ليعبئ كل الفراغات لدى القراء عن هذا الموضوع، وان الكتاب خضع لاعتبارات جد اكاديمية واخرى معينة,, ماذا تقول؟
- طبعا,, من حق اي قارىء ان يقول مايراه ولن اسمح لنفسي بلعبة القمع بحيث ان أي رأي لايعجبني سأبدأ بتفنيده ، هذه المسألة التي لا اود ان اقع فيها، ثم انا اؤمن ان اي كتاب او اي عمل يجري انجازه يجب على صاحبه الا يدافع عنه، يجب ان يدافع العمل عن نفسه، اذا عجز العمل عن الدفاع عن نفسه، فلن يستطيع صاحبه مهما اوتى من قوة في الدفاع عنه، لذلك المرأة واللغة مثله مثل اي كتاب آخر من كتبي متروك للناس فإما ان يقدم الكتاب اطروحته ويدافع عنها، وإلا فسيكون هذا عيبا من عيوب الكتاب.
* بخصوص هذا الكتاب، هل تشعر انك استنفدت فيه كل ماتريد ان تقوله عن المرأة واللغة؟
- اولاً يجب ان اشير ان كتاب المرأة واللغة هو جزء من مشروع، جزء من اربعة اجزاء، فهذه مسألة يحسن ان تذكر ،لا في سبيل الدفاع عن الكتاب لانني هنا لا ادافع واقول في الوقت ذاته ان كتاب المرأة واللغة يفترض فيه ان يكون اشبع موضوعه بين دفتيه، اما الاجزاء الاخرى فهي ليست تفسيرا له وليس تكملة له،ولكنها طرح لجوانب اخرى في قضية المرأة واللغة متعددة غير ذلك الجانب الذي طرح في الكتاب، لكن الكتاب، الذي هو الجزء الاول، يتعرض ل: كيف تعاملت المرأة مع اللغة، وماهي التدرجات التي تدرجتها، من زمن الشفاهية الى زمن الكتابية، من زمن الحكي الى زمن الكتابة، من زمن التدوين الى زمن الابداع، ثم كيف سعت الى تأنيث المكان، الى تأنيث التاريخ الى تأنيث الذاكرة، هذه الاسئلة عولج كل واحد منها في فصل، وهذه مسألة متروكة للكتاب بما انه كتاب وللقارىء بما انه قارىء.
كيف ننظم أنفسنا
* تساءل، مستغرباً، احد النقاد هنا, في احدى المجلات عن : من اين يأتي الغذامي بالوقت ليصدر كل هذه الكتب في اشادة الى انكما او انكم، النقاد، كثيرو السفر لتمثيل الوطن - السؤال هنا هل مشكلة النقاد هنا او في اي مكان آخر، هي الوقت حتى تنجز وتؤلف الكتب النقدية الهامة، ام انها، اي المشكلة، تكمن في جديةالناقد ذاته وتنظيمه لنفسه ولمواضيعه النقدية؟ من جهة اخرى هل تشعر بمنافسة نقدية ما مع اي من زملائك هنا؟
- ابدأ من حيث انتهيت،طبعا المنافسة إذا كانت غير موجودة فيجب ان توجد، يجب ان نخلقها، لأنه لن يكون هناك جو معرفي حقيقي إلا بوجود المنافسة، ثم ان المنافسة معناها ، اننا نعرض على الناس كجمهور قراء، انواعا من الفرص، انواعا من الاجتهادات، فيكون الناس في خيارات امام المادة المعروضة، فالمنافسة شيء مطلوب ومرغوب به،واذا كانت غير موجودة فيجب ان نسعى لايجادها ،اما المسألة التي بدأت بها سؤالك عن قضية الانشغال او عدم الانشغال، فانا اؤمن انه متى ما قام الانفسان بتنظيم نفسه فهو سينجز, , المسألة هي كيف ننظم انسنا؟ كيف ننتظم ذهنيا ووقتيا؟ وكيف نبرمج تحركنا،اما مسائل الندوات والمؤتمرات ففي الغالب الإنسان الذي استطاع ان يضع خططا لمشروعه فحتما سيجعل هذه الندوات والمؤتمرات تخدم خططه لمشروعه، وهذا الذي يحدث فاي مؤتمر يحضره الإنسان يكون هذا المؤتمر اولاً من المؤتمرات التي تمس الموضوعات التي هي في مجاله ، ثم بإمكانك انت ان تجعل اوراق العمل التي تقدمها في المؤتمرات اجزاء من فصول، من كتاب او من عمل او مشروع انت تشتغل عليه، وهذا لايتعارض ابداً، مع الاداء الذي تؤديه كواجب للمؤتمرات والندوات، والأداء الذي تؤديه كمشروع بحثي، فالقضيةهي في التنظيم،تنظيم النفس، بعض المثقفين يسمح لنفسه بان يتبعثر وان يستجيب للظروف،لكن لو تعلمنا ان نجعل الظروف تستجيب لشروطنا، فهذه عملية ممكنة جداً, وهي بالمران والتجريب يحدثها الانسان لنفسه، طبعا لابد وان انهي اجابتي على هذا السؤال بمسألة بسيطة وهي: انا لا أرى ان انجازي فعلا من الكبر والضخامة الى هذا الحد، ولا أظنه كبيرا ليغبطني احد عليه من حيث العدد، بل انا اعتقد ان هناك اناسا، انجزوا اكثر مني بكثير،انا انظر الى اناس ينجزون,, انظر الى اسلافنا ينجزون مئات الكتب مع ضعف الوسائل التي لديهم، ما بالك بنا نحن والوسائل متوفرة والمطالبة عريضة جداً والحاجة القومية الوطنية ملحة، إلحاحا يبلغ حد المصير الحتمي لنا، واذا قست نفسي امام هذه الاشياء فسأكون مقصرا جداً، وان الواجب الوطني اكبر بكثير من كل ما انجزناه.
|
|
|