حديث الديار ساحة الشهداء المرجة |
نفحات من عبق التاريخ
تبدلت تسميات هذه الساحة في الأزمنة المختلفة تبعا للعوامل الطبيعية والعمرانية والسياسية، فعندما كان بردى في بدايات القرن التاسع عشر يتفرع في هذه الساحة الى فرعين يحتضنان جزيرة صغيرة غنية بالأشجار، كانت تسميتها الجزيرة ودعاها البعض بين النهرين رغم اطلاق هذه التسمية على أماكن أخرى وسماها آخرون المرجة أو ساحة المرجة .
في عام 1807م تولى دمشق كنج يوسف باشا فعمّر مبنى لا يقل أهمية عن قصر العظم متحف التقاليد الشعبية الحالي في نفس المكان الذي تشغله بناية عزة باشا العابد في ساحة الشهداء الآن، وصار هذا المبنى دارا للحكومة سرايا الحكم بعد ان كان مقرها في مبنى المشيرية موضع القصر العدلي الحالي .
وفي عام 1866م ولي دمشق محمد راشد باشا وصارت في أيامه تغطية نهر بردى عند ساحة العدلية والبريد والبرق وهذه تسمية أخرى للساحة وان كانت غير منتشرة, ولما تولى الصدر اسبق مدحت باشا الملقب بأبي الأحرار ولاية دمشق سنة 1878م عقد العزم على كشف تغطية بردى من ساحة المرجة حتى باب توما بهدف انشاء شارعين كبيرين على جانبيه بعد هدم الدور المتواجدة في المنطقة، فلم يتحقق ذلك لمعارضة السكان من جهة وقصر فترة ولايته التي لم تدم أكثر من سنة وثمانية اشهر وعشرة أيام, ومنذ ان تولى حسين ناظم باشا دمشق سنة 1895م صارت التسمية الميدان الكبير أو ساحة السرايا ، أما تسمية ساحة المرجة فلا يعرف عنها الكثير غير أنها كانت على لسان الناس ويظهر أنها اطلقت عندما كانت هذه الساحة مفروشة بالأشجار والخضرة،وتجدر الاشارة هنا الى الالتباس الحاصل بينها وبين المرجة الواقعة الى الغرب من المرج الأخضر عند ساحة الأمويين,وما زالت هذه التسمية مستعملة الى اليوم رغم انها دعيت رسميا ساحة الشهداء نسبة لقوافل الشهداء الذين تم شنقهم فيها بأمر من أحمد جمال باشا الملقب بالسفاح في 6 آيار 1916 .
يعود تطور هذه الساحة الى اتساع رقعة العمران خارج سور المدينة القديمة في العهد العثماني، والذي ادى الى نشوء أبنية ذات طرز متعددة تخضع لعوامل انتشار فنون العمارة كالباروك والروكوكو .
والباروك: هو اتجاه البزخ في الزخرفة، والروكوكو: نمنمة وافراط في دقائق التفاصيل بحد ذاتها واتجاهاتها الاقليمية والمناخية الى جانب متطلباتها المعيشية والمادية في بعض الأحيان، ومن هذا المنطلق كانت أبنية ساحة الشهداء مزيجا من الطراز الأوروبي المتأثر بالفن اليوناني القديم كدار البلدية والسرايا الجديدة، أو أوروبي مع بعض اللمسات العثمانية كالعدلية والبريد والبرق وما جاورهما من أبنية مشيدة في نفس الحقبة، والتي اندثر معظمها نتيجة الاهمال من جهة، أو جشع اصحابها وطموحاتهم الى ربح مادي أكبر عند تشييد أبنية حديثة في مكانها، وعلى هذا الاساس بدأ الهدم في نهاية الاربعينيات من هذا القرن واستمر حتى بداية الستينيات,تمركزت وسائط النقل ضمن المدينة والى الخارج منها في ساحة الشهداء التي اعتبرت نقطة الانطلاق فالى جانب الدواب والعربات التي تجرها الخيل، بدأ انتشار الميكنة الممكننة الآلية بدخول الترام أو الحافلة الكهربائية الترامواي اليها سنة 1907م والسيارة التي دخلت عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى 1918م وكانت تدعى أوطونبيل الى جانب سيارات الأجرة الكبيرة التي كانت تؤمن السفر الى خارج المدينة وتعرف بالبوصطة وسيارات القاطرة والمقطورة للنقل عبر الصحراء شركة نيرن وغيرها، ثم باصات النقل الداخلي ضمن المدينة التي بدأت بالسير منذ نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945م , شهدت ساحة الشهداء في الحقبة العثمانية والفرنسية كثيرا من الأحداث السياسية والكوارث الطبيعية، كاعدام شهداء 6 آيار 1916م وأبطال الثورة السورية 1925-1927م الذين كانت فرنسا تلقي بجثثهم فيها بغية نشر الرعب في النفوس، الى جانب طوفان نهر بردى المتكرر الذي كان يسمى الزودة أو الفيضان اثر الأمطار الغزيرة التي كانت تهطل في تلك الحقب الأمر الذي كان يؤدي الى غمر سوق علي باشا والأحياء المجاورة بفيض من الماء الغزير.
وتصب في هذه الساحة شوارع وجادات وأزقة وأسواق كثيرة، فإلى الشرق جادة السنجقدار -حاليا شارع الفرات- ومدخل سوق التبن - شارع الملك فيصل الآن- وسوق علي باشا، والى الشمال زقاق البحصة البرانية - شارع يوسف العظمة- ونحو الغرب ضفة بردى وجادة الحكومة- شارع الجمهورية- أمام السرايا- وجادة الشرابي الى الخلف منها وهي اليوم امتداد شارع الفرات والى الجنوب زقاق رامي شارع رامي ومنذ عام 1928-1931م فرشت ارض ساحة الشهداء بالاسفلت بعد ان كانت معبدة بشكل اعتيادي قبل هذا التاريخ.
* المصدر: كتاب دمشق تاريخ وصور ,,د, قتيبة الشهابي .
|
|
|