Friday 12th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الجمعة 24 ذو القعدة


القرآن الكريم دستور الأمة المحمدية
د, نبيل بن محمد آل إسماعيل

(كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) سورة ص 29 .
من فضل الله على الانسان انه لم يتركه يستهدي بما أودعه الله فيه من فطرة سليمة تقوده الى الخير، وترشده الى البر فحسب، بل بعث اليه- بين فترة وأخرى- رسولا يحمل من الله كتابا يدعوه الى عبادة الله وحده، ويبشر وينذر؛ لتقوم عليه الحجة (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل)سورة النساء165 .
ثم أراد الله لهذه الانسانية ان ترقى بروح من أمره، وتسعد بوحي السماء، فأرسل اليها على حين فترة من الرسل رسولا صنعه الله على عينه، واختاره أمينا على وحيه، فطلع عليها بنوره وهديه، كما يطلع البدر على المسافر البادي بعد ان افتقده في الليلة الظلماء، ذلك هو محمد بن عبدالله- عليه صلاة الله وسلامه- نبي الرحمة، ومبدد الظلماء، أرسله الله الى هذه الانسانية المعذبة؛ ليزيل شقوتها، ويضع عنها اصرها والأغلال التي كانت عليها، وأنزل عليه كتابا يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات الى النور بإذنه، ويهديهم الى صراط مستقيم، وجعل منه معجزة باهرة، شاهدة على صدق دعوته، ومؤيدة لحقيقة رسالته، فكان القرآن هو الهداية والحجة: هداية الخلق، وحجة الرسول:(قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا)سورة الأعراف 58 (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) سورة الفرقان 1 (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) سورة الأحزاب 40 وقال النبي صلى الله عليه وسلم وكان كل نبي يبعث لأمته خاصة، وأنا بعثت الى الناس كافة فلا غرو ان يأتي القرآن وافيا بجميع مطالب الحياة الانسانية، ولم يكد هذا القرآن الكريم يقرع آذان القوم حتى وصل الى قلوبهم، وتملك عليهم حس مشاعرهم.
سعد المسلمون بهذا الكتاب الكريم الذي جعل الله فيه الهدى والنور، وأيقنوا بصدق الله حيث يصف القرآن، فيقول (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) سورة الإسراء 9 وبصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يصف القرآن، فيقول: فيه نبأ ما كان قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل، ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره اضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا:(إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي الى الرشد)، ومن قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا اليه هدي الى صراط مستقيم الترمذي ص149.
صدق المسلمون هذا، وايقنوا انه لا شرف إلا والقرآن سبيل اليه، ولا خبر إلا وفي آياته دليل عليه، فراحوا يثورون القرآن- اي ينقرون عنه، ويبحثون عن معانيه- ليقفوا على ما فيه من مواعظ وعبر، وأخذوا يتدبرون في آياته؛ ليأخذوا من مضامينها ما فيه سعادة الدنيا وخير الآخرة، ولم تكن هذه الميزة لكتاب آخر من الكتب السابقة، لأنها جاءت موقوتة بزمن خاص، وصدق الله اذ يقول: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)سورة الحجر9 وكان القوم عربا خُلصا يفهمون القرآن، ويدركون معانيه ومراميه بمقتضى سليقتهم العربية، وكان للقوم وقفات أمام بعض النصوص القرآنية التي دقت مراميها، وخفيت معانيها، ولكن لم تطل بهم هذه الوقفات، إذ كانوا يرجعون في مثل ذلك الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيكشف لهم ما دق عن أفهامهم، ويجلي لهم ما خفي عن إدراكهم، وهو الذي عليه البيان، كما ان عليه البلاغ، والله تعالى يقول له:(وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون)سورة النحل44 .
ظل المسلمون على هذا يفهمون القرآن على حقيقته وصفاته، ويعملون به على بينة من هديه وضيائه، فكانوا من أجل ذلك أعزاء لا يقبلون الذل، أقوياء لا يعرفون الضعف، كرماء لا يرضون الضيم، حتى دانت لهم الشعوب، وخضعت لهم الدول.
وتجاوزت رسالة القرآن الإنس الى الجن:(واذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا الى قومهم منذرين, قالوا ياقومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي الى الحق والى طريق مستقيم, ياقومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم)الأحقاف 29-31 والقرآن بتلك الخصائص يعالج المشكلات الإنسانية في شتى مرافق الحياة الروحية، والعقلية، والبدنية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، علاجا حكيما، لانه تنزيل الحكيم الحميد، ويضع لكل مشكلة بلسمها الشافي في أسس عامة، تترسم الإنسانية خطاها،وتبين عليها في كل عصر ما يلائمها، فاكتسب بذلك صلاحيته لكل زمان ومكان، فهو دين الخلود.
المسلمون هم وحدهم الذين يحملون المشعل وسط دياجير النظم والمبادىء الأخرى، فحري بهم ان ينفضوا أيديهم من كل مهرج زائف، وان يقودوا الإنسانية الحائرة بالقرآن الكريم حتى يأخذوا بيدها الى شاطىء السلام، كما كانت لهم الدولة بالقرآن في الماضي، فإنها كذلك لن تكون لهم إلا به في الحاضر.
تذكر هذه الآيات البينات تجد فيها أحسن الحديث يدعوك لتلاوته وتدبره.
قال تعالى:( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله، ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد) الزمر23 .
وقال تعالى:(إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور, ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور) فاطر 29-30 وقال جل شأنه:(إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون, الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون, أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم) الأنفال 2-4 وقوله: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم أجرا كبيرا) الإسراء9 وقوله: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون)الحشر 21 وقوله عز من قائل: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)الأعراف204 .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك لتلاوة أحسن الحديث، والتأثر به، قال- صلى الله عليه وسلم-:خيركم من تعلم القرآن وعلمه رواه البخاري ومسلم بسنده عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وروى مسلم بسنده عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه ، وروى الشيخان بسنديهما عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ عليّ القرآن فقلت: يارسول الله أقرؤه عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت الى هذه الآية (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) قال: حسبك الآن فالتفت إليه، فإذا عيناه تذرفان.
وروى الترمذي وأبوداود بإسنادهما عن عبدالله بن عمر بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها .
وروى مسلم بسنده من حديث عمر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما، ويضع به آخرين .
فاللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين ترفع به درجاتهم في الدنيا والآخرة, آمين.
استحباب تحسين الصوت بالقرآن
يستحب تحسين الصوت بالقراءة مالم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به رواه البخاري ومسلم، ومعنى أذن: استمع.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: لو رأيتني وأنا استمع لقراءتك البارحة رواه مسلم.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: زينوا القرآن بأصواتكم رواه أبوداود والنسائي.
وعن البراء ايضا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في العشاء بالتين والزيتون، فما سمعت أحدا أحسن صوتا منه رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي لبابة بشير بن المنذر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: من لم يتغن بالقرآن فليس منا رواه ابوداود.
ومعنى يتغنى: أي يحسن صوته بالقرآن.
ويعينني الله وإياك على قراءة القرآن والعمل بما فيه، ويجعلنا جميعا من الذين يستمعون القول، فيتبعون أحسنه، إنه عليم قدير، وبالإجابة جدير.
* وكيل قسم القرآن وعلومه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
فروسية
أفاق اسلامية
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
تحقيق
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved