Friday 12th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الجمعة 24 ذو القعدة


من وحي المنبر
التحذير من هجر القرآن
الشيخ الدكتور: صالح بن عبد الرحمن الاطرم

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا، وأشهد أن لا إله إلا الله أنزل القرآن هدى للناس يؤمنون به ويحتكمون اليه، وكلاما لا يبدل ولا يغير، قل لو اجتمعت الإنس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، واشهد ان محمدا عبده ورسوله نبي الإسلام ورسول القرآن وهو القائل: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي وحذرنا من هجر القرآن حتى لا نكون عرضة لعذاب الله وعقابه.
صلى الله وسلم عليه وعلى أصحابه الذين حفظوا القرآن وعملوا به وطبقوه على أنفسهم وأهليهم ففازوا بالسعادتين في الدنيا والآخرة (أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب).
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى وآمنوا به وكتابه وبرسوله وبما جاء في سنته يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم.
أيها المسلمون، لقد منّ الله علينا بنبراس لا يطفأ نوره أبدا سعد به من سعد، وشقي به من شقي، ان هذا النبراس هو حبل الله المتين، طرفه في أيديكم والطرف الآخر في السماء ما أنزل إلا لكم فمالنا عنه غافلون ولغيره متوجهون وكأن المقصود به غيرنا وكأن المخاطب به سوانا وكأن لم نؤمن بهدايته ولم نعلم بغايته، ونحن نعرف ما ضل من تمسك به، قال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وإن لدينا -أيها المسلمون- هذه النعمة ان لم نرعها ونعطها حقها ألم بنا الخطر وداهمتنا جيوشه وأحاطت بنا خطيئاتنا، أتدرون ما هذه النعمة، هي القرآن الكريم,, هي الكتاب المنزل,, هي الشفاء لكل داء,, هي الرحمة,, هي الربح, قال تعالى (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) هو الهدى هو المنة من الله على خلقه فتقبلوها فلله الحمد والمنة,, هو تزكية النفوس هو الحكمة قال تعالى:(لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين).
فيا لها من نعمة ما أجلها فيها جلاء صداء القلوب وغمامة البصيرة وفيها حفظ العقول وحفظ الأعراض وحفظ الأموال وحفظ الأبدان فحينما نتقبلها ونعمل بما احتوى عليه هذا القرآن حفظت لنا هذه الأمور التي لابد للخلق منها ولا يمكن لمجتمع ان يعيش بدون سلامتها وحينما يهجر القرآن أي مسلم أو أي مجتمع فالهلاك مآله والدمار مصيره ومرض القلوب ملازمه، وعقد النفوس تتوارده والأهواء تتجاذبه وشياطينه تتنازعه.
أيها المسلمون، لقد اشتكى الرسول على ربه قومه لما هجروا القرآن, قال تعالى: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) فاحذروا أن تكونوا ممن اشتكاهم الرسول الى ربه بأي نوع من أنواع الهجران فلقد خاب وخسر من كان الله ورسوله خصمه.
والهجر أنواع: هجر سماعه والايمان به وعدم الاصغاء اليه, قال تعالى: (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون).
ثانيا: هجر العمل به وعدم الوقوف عند حلاله وحرامه وان قرأه وآمن به، قال تعالى:(قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد) فمن ترك التداوي به طلبه من غيره ومعلوم ان الدواء إذ لم يوافق الداء لم ينفع فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به وكل هذا داخل في قوله تعالى: (وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا).
أيها المسلم: أيها المؤمن الموحد بالله أيها المؤمن بالله واليوم الآخر أناشدك بالله الذي لا إله غيره الذي آمنت به وباليوم الآخر، رجاء ثوابه وخوف عقابه ألا تهجر هذا القرآن، اقرأه، واسمعه من غيرك، فهو الميسر لمن صلحت نيته وطابت سريرته، قال تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مُدَّكر) والله ما أنزل هذا القرآن إلا لنؤمن بمتشابهه ونحل حلاله ونحرم حرامه، ونحكمه في نفوسنا، وفي أموالنا وفي كل مجالاتنا ومعاملاتنا في خلوتنا واجتماعاتنا لنا وعلينا، والحذر كل الحذر ان تحكمه أيها الانسان فيما هو لك وتعرض عما هو عليك فهذا شأن المنافقين الذين قال الله فيهم (وإذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون, وان يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين, أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون, إنما كان قول المؤمنين اذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون, ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون).
أيها المسلمون: من منا راجع نفسه وفتش عن معايبه ومثالبه فنفض الغبار عن عينيه وجعل القرآن له مرافقا بعد ان كان له هاجرا يستشفي ويتداوى به ويتدبره ويستبشر إذا سمعه (واذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون) هل منا من راجع نفسه؟ هل يشمئز من ذكر الله ومن القرآن ليعرف انه من الذين لا يؤمنون بالآخرة ويزداد معرفة لنفسه حينما يراها تستبشر بذكر مادونه وتجد في قوله تعالى (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذُكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون).
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم ان يشفي قلوبنا من أمراضها، وان يجلوا ما عليها من الظلمة بنور كتابه وان يجعلنا من أنصاره.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين ومن تبعه بإحسان الى يوم الدين, أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب).
* عضو هيئة كبار العلماء
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
فروسية
أفاق اسلامية
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
تحقيق
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved