تطرقت في مقالة سابقة في جريدتنا الجزيرة بتاريخ 15/11/1419ه لمعاناة الطلاب الجامعيين المغتربين من جراء عدم اسكانهم في المساكن الجامعية لجامعاتنا بسبب قرار ايقاف الإسكان لاسباب لا اعلمها ولكننا جميعا نشاهد ونعايش الآثار السلبية على طلابنا واسرهم من جراء هذا الايقاف وما ينتج عنه من مضار مجتمعية متعددة والتي نتمنى ان توجد الحلول العملية لها,, وقد تابعت باهتمام بالغ التحقيق الذي اجرته جريدة الجزيرة في صفحة المجتمع بتاريخ 16/11/1419ه حيث تولى الاستاذ منيف خضير مقابلة عدد من الطلاب المغتربين في كل من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وجامعة الملك سعود، وقد وصف هؤلاء الطلاب الواقع الفعلي لمعيشتهم والمشكلات الكبيرة التي يعانون منها وواقعهم المر والمؤلم لنا جميعا وردود فعل ومعاناة هؤلاء الطلاب الذين يفدون الى جامعاتنا من خارج منطقة الجامعة.
واذا كان الجميع من مواطنين ومسئولين يعون ويدركون إدراكا كاملاً هذا الضرر على ابنائنا الطلاب المغتربين من جراء هذا الايقاف ويتفقون كذلك على ضرورة اعادة النظر في هذا القرار فان السؤال الذي يجب ان نطرحه الآن,, لمصلحة من كل هذا؟,.
ولماذا تستمر جامعاتنا في عدم اسكان فلذات اكبادنا في هذه المساكن الخالية ,,؟ ومادام انه قد اتضح لنا ان هذا القرار غير صائب ويحتاج لأعادة نظر سريعة من أصحاب الشأن,, فلماذا لا يصدر قرار يصحح الامر بدلا من ان تستمر هذه المساكن خاوية وطلابنا يعيشون في بيئة غير مناسبة ويواجهون مصاعب ومتاعب لا تحصى ولايمكن تصديقها؟
وقد حرصت دولتنا الكريمة منذ بداية عهدها على الاهتمام بالتعليم وتوفير كل مسلمات نجاح العملية التعليمية وقد كانت ومازالت حكومة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله تولي كل اهتمامها ورعايتها للتعليم بمختلف مراحله وقد كان لتوجيهات ودعم خادم الحرمين للتعليم الاثر الفعال منذ ان كان اول وزير للمعارف الى يومنا الحاضر,, وهذا الاهتمام ادى الى انتقالنا من امية عالية الى درجات علمية راقية في مختلف التخصصات والعلوم وقد كان الاهتمام بالكيف وليس الكم وبالنوعية وليست السطحية وتم توفير كل الوسائل الكفيلة بنجاح العملية التربوية والتعليمية، ومن أهم عوامل واسباب تحقيق النجاح للعملية التعليمية في جامعاتنا توفير المساكن الجامعية النموذجية الا ان مايحدث الآن من إرسال الطلاب الى جامعات بعيدة عن اماكن معيشتهم دون ان نوفر لهم سبل الحياة المستقرة التي تمكنهم من متابعة العملية التعليمية بيسر وسهولة امر سلبي لايمكن ان يعود بالنفع على احد على الاطلاق.
وانا بصراحة ضد مجانية السكن الجامعي، فلابد للجميع ان يتعاملوا مع قيم الاشياء وان توضع رسوم بسيطة على الطلاب كما طرح بعض الطلاب في هذا التحقيق مما سيمكنهم من السكن في بيئة جامعية مناسبة كما ستتحقق لهم مجموعة من المزايا في هذا السكن الجامعي والذي ستتوفر فيه المرافق الهامة كالمكتبة ومراكز الخدمات الطلابية والقرب من القاعات الدراسية بالاضافة الى الاستفادة من اوقاتهم بشكل عملي وسليم بحيث يستطيع الطالب استثمار الاوقات غير المشغولة بمحاضرات بالذهاب للسكن واستثمار وقته في شيء مفيد سواء بالدراسة أو الراحة لبعض الوقت ليجدد نشاطه ومن ثم العودة للمحاضرات الاخرى بدلاً من ان ينام البعض من طلابنا في مساجد الجامعات او ان يتجولوا من ركن لآخر في الحرم الجامعي او يكون مصيرهم التنقل بين الجامعة وهذه المساكن العزابية العشوائية غير الحضارية التي انتشرت مؤخراً حول جامعاتنا، بالإضافة إلى انه في حالة إسكانهم في السكن الجامعي فلن يكونوا في حاجة للتنقل ذهابا وإيابا مع سائقي سيارات الليموزين الذين يمتصون الاموال المحدودة لطلابنا ويرفعون ضغطهم من فوضويتهم في القيادة دون رقيب او حسيب ,,!!
والتساؤل الذي يطرح نفسه,, هل نترك ابواب السكن الجامعي مفتوحة على مصاريعها لكل من هب ودب وبدون مقابل مادي,, ام تستمر مغلقة الى الابد فنمنع ابناءنا من فرصة التعليم التي تحققت لهم في منطقة او مدينة بعيدة عن مدن إقامة اسرهم,, والحقيقة لاهذا ولا ذاك اراه حلاً إيجابياً,, فالمواطن لابد ان يتفهم مسئوليته الاجتماعية ومن ثم فعليه ان يشارك في هذه العملية وفي المقابل لابد للجامعات ان تعي مسؤولياتها تجاه المواطن وبالتالي ألا تلجأ لعملية الإغلاق لهذه المساكن النموذجية والتي صرفت عليها دولتنا الكريمة الكثير من المال والجهد، ولا توجد اية اسباب جوهرية ومنطقية لإغلاقها، فليس من المعقول ان نجشم ابناءنا مشقة السفر والترحال وبدلاً من ان يصبحوا طلاب علم فإذا بهم يتحولون من مشقة التعلم وطلب العلم إلى مشاق كثيرة ومتنوعة ومتناقضة وغير مقبولة على الاطلاق قد تؤدي في النهاية الى عدولهم عن اكمال دراستهم الجامعية، ومن ثم يصابون بالفشل مع انهم ليسوا بفاشلين ولكن الظروف المحيطة بهم هي السبب.
فالإسكان الجامعي هو البيئة المناسبة والتي ينبغي ان نوفرها لكل طالب وان نضع لها أجراً رمزياً بمقدور كل منهم ان يدفعه وألا نحمل الأسر المحدودة الدخل تكاليف اعلى من استطاعتهم وكذلك نحمي ابناءنا من الوقوع ضحية لاصحاب العقارات واطماعهم من هنا نخرج بنتيجة واضحة وهي ان هذا الإيقاف ليس له اي مبرر ولا يمكن النظر الى توفير الإسكان وما يتبعه من مصروفات على انه نوع من الإسراف غير المبرر بل هو مطلوب وهام جدا,.
فالعملية التعليمية كلها هي عملية استثمارية وليست استهلاكية إذ يُعد بناء الانسان من اهم انواع الاستثمار المجتمعي.
عبدالله بن ابراهيم المطرودي
واشنطن