Thursday 11th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 33 ذو القعدة


مقامة كلامية
أنقذوا الرجيل من الرجل!

سألوه، ما أعجب ما مر عليك في أيامك الخالية؟!.
ضحك الشيخ الكبير، وقال العجيب كثير، ولكني أذكر لكم موقفين مرّا عليّ لم أنسهما قط!.
في الموقف الأول: كنت في مرحلة الشباب، وفي الأشهر الأولى لزواجي، وكنت أحاول أن أظهر أمام زوجتي في صورة الفتى الأول، متظاهرا بالشجاعة والرجولة والسلطة!
وذات يوم، اشتريت حمولة حطب، وطلبت من أحد الحمالين ان ينقلها الى منزلي، ومضيت لاستكمال بعض مشاغلي في السوق، ولما رجعت الى منزلي، إذا بالحمّال قد وصل وأدخل بعض الحطب، فأخذت آمره وأنهاه، وأقول له: ضع هذا هنا، وهذا هناك، وأبالغ في ذلك، ولما رأيت زوجتي تنظر اليَّ وأنا في فاخر ثيابي، وجميل هيأتي وهندامي، ازداد غروري! وكان بيدي عصا خيزران، فأقبلت على الحمّال، وكان رجلا طويلا عريضا مفتول الساعدين فضربته بالعصا من خلفه وهو منشغلٌ بنقل الحطب، وأنا أقول له بلهجة آمرة: لماذا تضع الحطب في الطريق!! فالتفت إليّ وعيناه في هامته، ثم اقتلعني من الأرض ورماني في مغراب الماء الواقع في فناء الدار، ثم أقبل عليّ وغمسني فيه عدة غمسات، وتركني أعوم في الماء الآسن، في تلك اللحظة كانت زوجتي تشهد فصول هذه المباراة المخزية التي هُزمت فيها بالضربة القاضية وبالجولة الأولى منها، فصرخت مستغيثة بالجيران، وهي تنادي: أنقذوا الرجيل من الرجل !.
ولم تكن مصيبتي في ثيابي وكرامتي بأشد من مصيبتي في صورتي المثالية ورجولتي التي مُرّغت في الوحل، بل في مصرف الدار أمام انظار زوجتي! ولكنه ثمن الغرور والتعالي الذي دفعته غاليا وسريعا جدا!.
أما الموقف الثاني، فلا يقلّ مأساوية عنه: قالت لي زوجتي في أحد الأيام، اشتر لنا يا أبا فلان ديكا من السوق نطبخه لعشائنا الليلة، فقلت: سمعاً وطاعة، ومضيت الى السوق، واشتريت ديكا شابا سمينا لا ترى أحسن منه! وذبحته لها، وقلت لها أحسني طبخه وشيّه وتحميره، وأعدّيه إعدادا جيدا، فأنا بشوق الى لحم الديك الطيب! فقالت: سأعده إعداداً يُسعدك، ومضيت عصر ذلك اليوم، أجول في السوق، وأقضي بعض أعمالي، وأنا فرح مسرور أُمنّي نفسي بوجبة الديك اللذيذة، ولم أستطع ان أبقى طويلا في السوق، فرجعت الى المنزل، أسأل زوجتي عن أخبار طبخة الديك، فقالت: هي كما تتمناها! وحان موعد العشاء، وجيء به في طبق جميل، ووضع أمامي، وفي أثناء ذلك، أخذت زوجتي تُحذرني من قط يعتاد دخول المنزل، وتقول لي أحذره، فإنه شرس خطّاف، يخطف اللحمة من بين الأيدي والعيون طائرة!
ولئن رأى ديكك ليذهبن به! في تلك الأثناء كنت أتطلع الى زوجتي متعجبا ومندهشا مما تقول! وفجأة ظهر أمامي القط المذكور، وفي فمه ديك كبير، فصرخت في زوجتي:
- انظري إليه، إنه فوق الجدار، وقد خطف ديك الجيران!.
فردّت زوجتي وقد غشيتها غاشية من الضحك:
- ان الذي معه ليس ديك الجيران، إنه ديكك!!.
ونظرت الى الطبق أمامي، فإذا هو خالٍ إلا من المرق المضطرب!!.
القصائد ضيّعت الحصائد!
أم سالم طائر مشهور من طيور نجد، يأكل رزق يومه، ولا يدّخر لغدٍ شيئا! له صوت جميل يُرجَّع فيه ألحانا عذبة، فليس له من همّ يومه إلا الغناء واقتناص قوت اليوم!.
أما النملة فهي تدّخر قوت الشتاء في الصيف وتكسر حبة القمح من جانبها المنبت جنين القمح حتى اذا جاء الشتاء، وأصاب الندى مستودع الغلة في بيت النملة، فإن الحبوب المدّخرة لا يمكنها ان تنبت؟ لأن نباتها فساد للقوت الشتوي للنمل!.
وحين يأخذ الانسان في حصاد غلته من الحبوب، تجد النمل دائباً في استحصال نصيبه من نثير القمح! أما أم سالم فتغني على أطراف الحقل مستمتعة في حدود يومها الجميل المشمس غير حاملة للمستقبل همّاً!.
وفي عام من الأعوام، والشتاء يطرق الأبواب قدم ضيف على أم سالم فضاقت بالضيف ذرعا، فقد أكلت قوت اليوم، وليس لها مدّخر لمثل هذه الطوارىء!.
وذهبت الى النملة، وقالت لها: أيتها النملة الاقتصادية المدبرة، جودي عليَّ بحفنة من الحبوب، فقد استضافني ضيف عزيز ولا قِرى عندي له!
فتبسمت النملة من قولها، وردّت على أم سالم قائلة لها: يوم الحصائد ألهتكِ القصائد !.
عبدالكريم بن صالح الطويّان

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved