Thursday 11th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 33 ذو القعدة


الجمال ومواطن الإحساس
د,فهد حمد المغلوث

كثيراً مانتساءل حول وضعنا في هذه الحياة ودورنا وعن موقعنا الإعرابي فيها ومدى رضانا عن واقعنا الذي نعيشه, عن مدى مايسعدنا ويرغِّبنا فيها وما يشجعنا على التعلق بها والانجذاب إليها, وامام هذه التساؤلات وغيرها نظل حيارى لانعرف ما ذا نريد وإلى اي اتجاه نسير!
وإني لأضيف تساؤلات اخرى لاتقل اهمية عن التساؤلات السابقة، وهي ترى ماقيمة الحياة من دون سؤال الآخرين عنا واطمئنانهم علينا وثقتهم بنا؟!
وما قيمة هذه الحياة حينما تشعر ان هؤلاء الذين يحبوننا بعيدون عنا لا نستطيع ان نعرف اخبارهم ونطمئن على احوالهم الا بعد تعب وجهد ومعاناة؟!
تخيل نفسك حينما تمرض -لاقدر الله- وتسوء صحتك الجسدية او حالتك النفسية ولاتجدمن يسأل عنك، لاتسمع طرق باب لإنسان زائر ولا رنين هاتف يشعرك ان هناك من يطمئن عليك,, كيف يكون حالك حينئذ؟!.
تخيل نفسك وانت تشعر بحاجة شديدة وملحة لإنسان يستمع اليك وتبوح له بما في مكنونات نفسك فتتفرس في من حولك فلا تجد فيهم ولابينهم من تثق به او تبوح له بكل ما يؤرقك ويتعبك نفسياً,, فماذا تفعل حينئذ؟!
كيف تتصرف في مواقف كهذه؟ لابد انك تتساءل؟ لابد ان تبحث عن ذلك الجمال المفقود وتصر على الوصول اليه والحصول عليه والاحتفاظ به؟ لابد انك متلهف لمن يدلك عليه اويذكرك به, وإن كنت كذلك فهيا بنا نعش تلك الاجواء الرائعة من الجمال والإحساس بالسعادة والشعور بالمتعة.
ودعني اسألك قبل كل شيء: هل هناك اجمل من ان تحتفظ في قلبك وفي ذاكرتك بتلك الاسماء الرائعة تناديها كلما احتجت اليها فتجيبك، وتستعيدها كلما اردت ان تشعر بالجمال الحقيقي وتعيش اجواءه؟ بل هل هناك اجمل من ان تشعر انك بالقرب منها وبجانبها كلما شعرت انها بحاجة اليك؟
يالله! ما اروع هذا الود الصافي الذي يملأ قلوبنا وما اروع مساحة التسامح لديه والحنان بداخله حينما يسامحنا على زلاتنا بحقه، وحينما يتحامل على نفسه ويعطينا الفرصة تلو الفرصة ل3نصحح اخطاءنا معه، ولنثبت له يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة بل لحظة بعد لحظة اننا جديرون به واهل له واحق الناس به.
بل ما اروع ان تجلس مع ذلك الود، مع ذلك الامل، مع تلك الامنية، وان تضع يديك في يديه، ان تبني احلامك المستقبلية معه وان تتخيل انك في رحلة طويلة جميلة لانهاية لها.
ما أجمل ان تهيئ نفسك لاستقبال شيء جميل او شخص رائع يدخل السعادة على قلبك فتظل تستعد وتستعد لما سوف تفعله او تقوله له، ويجعلك تنظر للغد بمنظار متفائل والحياة بمنظار مشرق.
ما أحلى العتاب حينما يكون مصدره اقرب الاحباب، حينما يشعرونك من خلاله بانك مقصر في حقهم ومخطىء في واجبك نحوهم وقاس في تصرفاتك وتعاملك معهم واستقبالك لهم في الوقت الذي يكونون فيه مشتاقين اليك ومتلهفين لسماع صوتك والحديث معك.
ما اعذب هذا العتاب الرقيق وانت تسمعه منهم، فتشعر من خلاله انك بحاجة لإعادة النظر في حساباتك معهم، بحاجة لتقييم حبك لأولئك الذين اعطوك كل انفسهم، بحاجة لفهم حقيقي لتلك القلوب الكبيرة التي لاتكل عن العطاء لك ولاتمل التضحية من اجلك، بحاجة لإدراك عمق تلك الابتسامة التي لاتبارح شفتي اصحاب تلك الروح الخفيفة .
ما اعذب تلك الكلمات والعبارات الجميلة التي ما ان تسمعها من ارق الناس موجهة اليك حتى تشعر بها تسري في عروقك فترويها بصدقها وتغذيها بحلاوتها وتنميها برحيقها.
اليس مثل تلك الكلمات الحلوة هي مانريد الاحساس به؟ أو ليست هن ما تريد سماعه من وقت وآخر كي نشعر بقيمتنا ومكانتنا وثقتنا بنفسنا؟ اليست هي مايجعلنا نقبل على الحياة بروح جديدة ورؤيا متجددة؟
ياسبحان الله هل هناك اجمل من ان نعرف قيمة من حولنا؟ وهل هناك اجمل من ان نجد من يقدر حبنا وتضحياتنا ويحترم مشاعرنا ويراعي ظروفنا ويحافظ على حقوقنا وكرامتنا؟ هل هناك اجمل من هذا كله؟
ترى هل هناك اجمل من ان يطلب منك انسان صداقتك واخوتك؟ من ان يقول لك ارجوك,, ارجوك,, ارجوك، اعطني الثقة التي انا بحاجة اليها، اعطني البسمة التي ابحث عنها، احسسني بالمشاعر الجميلة التي انا محروم منها، اذقني طعم العاطفة التي انشدها، املأ روحي بالأمان العاطفي الذي افتقده واحن اليه, قف بجانبي كي لا اشعر اني بمفردي.
هل هناك اجمل من ان يطلب منك انسان ان تسمعه او ترسل له كلمة طيبة صادقة يكون في طياتها بعض الحلول والنصائح والتوجيه؟
هل هناك اجمل من تلك الكلمات الحلوه والجواهر التي ينثرها بعضنا على بعض لتتحول الى مشاعر جميلة نداوي بها قلوبنا ونقهر بها احزاننا ونحيي الامل في حياتنا وتغير طريقنا في ظل اعاصير هوجاء تعصف بنا في كل لحظة وكل حين؟
ما اجمل ان نقرأ الكلمات والعبارات والهمسات وكأنها تحاكي الشيء نفسه الذي في نفوسنا، كأنها تعلم مانريد قوله وما نتمنى ان نبثه من حنين واشواق ومن لوعة وفراق ومن معاناة ومكابدة.
ألا يكفي تلك الكلمات الحلوة والاعتراف بالجميل كي نفي بوعودنا تجاه من قطعنا عهداً معهم بان نكون لهم ومعهم كتاباً مفتوحاً اسطره بيضاء تعني الطهر والبراءة، وعباراته خضراء تعني الرخاء والاشباع، وهوامشه زرقاء تعني الصفاء والنقاء؟
الايكفينا سعادة ان نشعر حتى ونحن بعيدون، بألم من نحب واحساسه بالضيق وحاجته الينا؟ الايكفي ان نكرر السؤال عنه لنطمئن الى انه بخير.
ترى ماذا يعني ان يفقد احدنا ثقته بالآخر؟ ماذا يعني ان نكتشف اننا مخدوعون فيهم؟ ماذا يعني ان نصل معهم الى بداية النهاية؟ من المؤكد انه شعور قاس ومؤلم خصوصا اذا كنت حتى عهد قريب تعتقد انهم كل شيء بالنسبة لك, لابد انك سوف تتضايق وتظلم الدنيا في وجهك، فأنت انسان قبل كل شيء ولكن ماهو شعورك وانت في قمة احباطك ويأسك، ماهو شعورك وانت تحس بانسان آخر بدأ ينسيك ما انت فيه؟ بدأ يشعرك ان دموعك غالية لاتستحق ان تذرفها على من لايستحقها؟ بدأ يعلقك بالأمل، ويربطك بالواقع، ويرسم معك ملامح المستقبل ويخطو معك بخطى ثابتة لتجتازا سويا بوابة تحقيق الاحلام، لتبنيا معاً اركان السعادة وتقيما جدران العاطفة واسقف الحنان.
اليس مجرد الشعور بالسعادة ولو وقتياً,, وحتى التفكير فيها وتخيلها ولو في امور بسيطة منها، اليس هذا هو الجمال العفوي والحاجة الحقيقية التي نحتاجها لنملأ بها قلوبنا كي نرتاح، لنملأ بها اعيننا كي تسر، لنملأ بها اسماعنا كي تسعد؟
بإمكاننا أن نكرر لحظات السعادة التي احسسنا بها او التي نشعر بها في اوقاتٍ معينة، بإمكاننا ان نخصص لها اوقاتا معينة وليس اي اوقات، وبإمكاننا ان نهيئ الاجواء المناسبة، وليس اي اجواء بشرط ان نعاهد انفسنا على ذلك ونبدأ من الآن في تحديد الوقت المناسب وتوفير الاجواء الملائمة ولكن دون شروط تعجيزية نضعها امام انفسنا بأن تلك الاجواء صعب توفيرها مثلا او ان الوقت غير كاف لنشعر بالسعادة,, قد يكون معنا حق في ذلك، قد يكون معنا حق في ان هناك منغصات كثيرة وعقبات اكثر ولكن علينا أن نعتقد بأن لأنفسنا حقا في ان تشعر بالسعادة ولو للحظات بسيطة وان تشعر انها بعيدة عن الهموم و المنغصات ولو لسويعات قليلة.
لنكتف بجزء من لحظات السعادة طالما اننا لانستطيع تحقيقها كاملة، ولتطل فترة احلامنا الجميلة أطول فترة ممكنة طالما انها تريحنا نفسياً وطالما انها لاتضر او تسيء لاحد,
ولنتذكر ان لحظات السعادة، تلك التي نستكثرها على انفسنا، هناك من هو بأمس الحاجة اليها، هناك من هو على استعداد لتقديم كل مايملك من اجل ان يعيشها فهلا ادركنا ذلك؟ وهلا التفتنا الى ماتبقي من عمرنا؟ بل هلا تلمسنا مواطن الاحساس بالجمال؟ انها قريبة منا وبجانبنا، فقط تحتاج لالتفاتة بسيطة منا، فهلا قمنا بالمبادرة؟
همسة
من يحتضن بين اضلعه,.
هذا القلب الكبير,.
هذا النبع الصافي,.
لايستغرب شلالات الحب,.
تتدفق عليه فتغمره,.
***
من يحتضن بين جوانحه,.
تلك المشاعر الفياضة,.
تلك الاحاسيس المرهفة,.
لايستكثر فيضانات الحنان,.
تحيط به من كل جانب,.
***
من يمتلك تلك الخصال,.
من يحتوي هذا الجمال,.
من يستحق هذا الدلال,.
لايمكن ان يكون سوى انت!
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved