الاكراد شعب مسلم يتراوح عدده بين 30 - 40 مليون نسمة يتوزعون بين خمس دول,, تركيا والعراق وسوريا وايران واذربيجان، الشعب الكردي، وان كان على ما يعتبر اجزاء من مواطني تلك الدول لاعتبارات فرضتها معطيات دولية معنية الا انه يقطن اقليما واحدا يتميز بتواصله الجغرافي يعرف باسم كردستان وتبلغ مساحته نحو 50,000 كم 2 ويتصف بوعورته ، كونه يتكون من سلسلة جبلية تمتد من جبال طوروس عند البحر الابيض المتوسط الى جبال زاغروس غرب ايران, لعب الاكراد دورا بارزا في صياغة التاريخ الاسلامي ويكفي ان نعلم بانتماء القائد المسلم العظيم بطل معركة حطين وهازم الصليبيين صلاح الدين الايوبي الى هذا الشعب، كما لاننسى الدولة الايوبية التي امتدت من بلاد الشام الى مصر والمغرب.
خلال القرن الحالي، عانى الشعب الكردي ولايزال ظلما كبيرا، وكثيرا ما استخدم لعبةً للسلم والحرب ولتصفية الحسابات بين الجيران، لا بل ان اتفاق الفرقاء في منطقة الشرق الاوسط يفضي دائما الى خسارة بالنسبة للمعسكر الكردي, ومن الادلة الحديثة على ذلك عمليات التصفية والتدمير التي تعرض لها اكراد العراق وتركيا في اوائل الثمانينات كنتيجة لحميمية العلاقة بين بغداد وانقرة, وعند اندلاع الحرب العراقية الايرانية ايضا كان اكراد العراق وايران هدفا لكلا الدولتين مرة بجريرة (الخيانة والمؤامرة) واخرى بتهمة حمل السلاح وتوجيهه ضد الدولة التي يحملون جنسيتها، وهو ما اتخذه النظام العراقي مبررا لاقترافه جريمة الابادة الجماعية بحق اهالي حلبجة مستخدما في ذلك اسلحة كيماوية! وكذلك في حملاته الوحشية التهجيرية في اعقاب انتفاضه اكراد شمال العراق بعد طرد القوات العراقية من الكويت ناهيك عن الحملات العسكرية المتكررة التي يقوم بها الجيش التركي ضد اكراد تركيا وتعقبهم داخل الاراضي العراقية لمسافة عشرات الكيلومترات!
المأساة الكردية في العصر الحديث كانت قد بدأت منذ انتهاء الحرب العالمية الاولى فبعد ان انتهت الحرب وعقدت معاهدة الصلح بباريس، صادق الحلفاء من خلال اتفاقية سيفر المبرمة في 10 اغسطس 1920 على امكانية منح الحكم الذاتي للاكراد في كردستان والتنويه بامكانية منحهم الاستقلال الكامل اذا رغب الشعب الكردي في ذلك بعد اجراء عملية استفتاء شعبي, هذه الاتفاقية جمدت ولم تر النور بسبب معارضة الوطنيين الاتراك لها وجاءت اتفاقية لوزان المبرمة في 24 يوليو سنة 1923 بمثابة فيتو للطموحات الكردية في ان يكون لهم وطن مستقل كبقية شعوب الدنيا واحتفظت تركيا باراضيها الاصلية التي يمثل فيها الجزء الكردستاني نحو الثلث تقريبا؛ ولم تغفل الاتفاقية الاشارة الى ضرورة احترام الحقوق الدينية والثقافية للاقليات, اللافت للنظر ان كل التضحيات التي قدمها الاكراد لمساعدة الحركة الكمالية بزعامة مصطفى كمال اتاتورك (الذي يرز على سطح الاحداث في اوائل العشرينات) في نضالها ضد اليونانيين ومشاركتهم في المعارك التي قادت الى انتصار تركيا على اليونان والتخلص من الاحتلال اليوناني، الا ان الكماليين تنكروا للاكراد وبدأوا في اعادة توزيعهم جغرافيا داخل تركيا وحرمانهم من استخدام لغتهم، بل واطلقوا عليهم مسميات من قبيل اتراك الجبال وبدو الجبال !!
هكذا لم يجد الاكراد في تركيا بدا من خوض النضال المسلح ضد السلطة الكمالية، وقد بدأت اولى ثورات الاكراد سنة 1925 بقيادة الشيخ سعيد بيران ، التي يبدو ان من بين اسباب اندلاعها، اضافة الى محاولة اتاتورك مسخ القومية الكردية، موقف هذا الاخير الذي ادى الى الغاء الخلافة الاسلامية واحلال الاحرف اللاتينية محل العربية هذه الثورة على اية حال لم يكتب لها النجاح، حيث القي القبض على كل المشاركين فيها يتقدمهم قائد الثورة وعلقوا على اعواد المشانق, توالت حركات التمرد والعصيان من قبل الاكراد، لكنها كانت في كل مرة تخمد بالحديد والنار.
في تركيا تحديدا، نشأت العديد من الحركات الوطنية الكردية المختلفة الرؤى والتوجهات، وقد تأثر التوجه الثوري الكردي بالانقلابات العسكرية في تركيا، حيث اصيبت الروح الثورية بنوع من الفتور في اوائل السبعينات والثمانينات في اعقاب تولي حكومتين عسكريتين زمام السلطة، ما ادى اليه ذلك من تطبيق لسياسة القبضة الحديدية في مواجهة حركة التحرر الكردية, من بين الاحزاب الكردية الكثيرة، تأسس حزب العمال الكرستاني سنة 1978 وقد تبنى ايديولوجية ماركسية، وحظي برعاية تامة من قبل موسكو، دار الافكار الشيوعية آنذاك! واستمر الحزب في تأسيس قواعده وهياكله وزيادة اعداد اتباعه ومناصرية، ودخل في نزاعات مسلحة داخلية مع بعض الاحزاب الكردية المتواجدة بكردستان تركيا، وبعد ان ترسخت قواعد الحزب وتمكن من فرض هيمنته وزيادة شعبيته لدى معظم الاكراد بتركيا، وبات واثقا من كفاءة انصاره بدأ في 1984 بقيادة زعيمه عبدالله اوجلان عمليات مسلحة ضد انقرة، ولم تسلم البلدات والقرى الكردية التي كانت ترفض التعاون معه,,.
علاقة العداء المتبادل بين تركيا الكمالية والاكراد استمرت حتى مطلع التسعينات وتحديدا بعد انتهاء حرب تحرير الكويت، حين سمح للاكراد بالتحدث بلغتهم الوطنية وحرية تشكيل الاحزاب حتى وان كانت على اسس دينية او قومية، وقد كان للرئيس التركي الراحل تورجوت اوزال دور رئيسي في هذا الانفتاج الا ان الوضع لم يلبث ان عاد كسابقه بعد وفاة اوزال ، برغم كل الانتقادات التي واجهتها تركيا من أطراف دولية عدة وبالذات من المجموعة الاوروبية التي كانت تركيا تمني نفسها بالانضمام اليها، لكن سجلها في مجال حقوق الانسان، وتحديدا تعاملها مع الاقلية الكردية التي يبلغ تعدادها نحو 20 مليونا كان اضافة الى اسباب اخرى - حائلا دون ان تصبح عضوا في هذه الجماعة.
الفصل الأخير وليس الآخر بطبيعة الحال - في علاقة تركيا الكمالية باقليتها الكردية، اختارت له السلطة التركية - التي يقف وراءها العسكر - عنوانا ينادي بضرورة القبص على عبدالله اوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، الذي تنعته انقرة ب الارهابي وتتهمه بقتل نحو ثلاثين الف مواطن تركي، وذلك بالرغم من التغير الملحوظ الذي طرأ على عقيدة الحزب في السنوات الاخيرة بتغيير من المطالبة بالاستقلال والانفصال عن تركيا الى الحصول على حكم ذاتي موسع! الحلقة الاولى من مسلسل الفصل الاخير بدأت في اكتوبر من العام الفائت حينما هددت تركيا بشن حرب على سوريا التي تتهمها بدعم اوجلان ما لم تسلمه او تبعده عن اراضيها، وبالفعل غادر اوجلان الى روسيا ومنها الى ايطاليا، لتنشب ازمة سياسية جديدة بين الاخيرة وتركيا التي طالبت بتسليم اوجلان اليها، ولكنها رفضت ذلك مبقية اياه رهن الاقامة الجبرية في روما.
واخيرا غادر الزعيم الكردي الاراضي الايطالية بارادته وبعد ان اختفى لبضعة اسابيع تنقلا بين عدة دول بهدف البحث عن ملجأ استقر به مصيره المحتوم اخيرا في السفارة اليونانية بنيروبي ليلقى القبض عليه هناك بموجب خطة محكمة شاركت فيها اكثر من دولة وينقل على متن طائرة خاصة الى سجن جزيرة ايمرالي الواقعة جنوب بحر مرمرة والتي تبعد نحو 30 كيلومترا من مدينة اسطنبول التركية.
قضية تركيا الكمالية مع اوجلان وما آلت اليه من نتائج تطرح سؤالين لايمكن الاجابة عليهما بمعزل عن بعضهما، اولهما يتمحور حول التكييف القانوني للسلوك التركي والاوجلاني كل منهما تجاه الاخر، بينما يدور الآخر حول مشروعية اختطاف المخابرات التركية ومن عاونها لعبدالله اوجلان ، بالنسبة للمسألة الاولى، فلا احد يجهل الآن ان المبدأ الذي تقره الاعراف والمواثيق الدولية والمتمثل في حق كل شعب من الشعوب في تقرير مصيره وهو ما يؤكده ميثاق الامم المتحدة وتقره الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الدولية للحقوق الاجتماعية والاقتصادية وبعض القرارات التي اقرتها الجمعية العامة للامم المتحدة والشعب الكردي من بين الشعوب التي خضعت للاستعمار وكان لبريطانيا بالذات دور كبير فيما حل ولازال يحل بالاكراد لذلك فالسؤال الذي يثار هنا لماذا يستثنى هذا الشعب من هكذا حق ولماذا ينكر عليه كفاحه المشروع في سبيل تحقيق الهدف؟!
اما ما تمارسه السلطة التركية مع الاكراد التي لا تعترف لهم بهذه التسمية فانه لا يرقى الى مفهوم المواطنة الحقة! فحقوقهم مسلوبة وكرامتهم ممتهنة، والويل الويل لمن يتحدث اللغة الكردية!!
ولاشك ان هذا السلوك مناف لكل القيم والمبادىء الانسانية، انظر على سبيل المثال ما تنص عليه الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية في مادتها الثانية من وجوب ان تتعهد كل دولة طرف في الاتفاقية الحالية باحترام وتأمين الحقوق المقررة في هذه الاتفاقية لكافة الافراد وضمن اقليمها والخاضعين لولايتها دون تمييز من اي نوع سواء كان ذلك بسبب العنصر او اللون او الجنس او اللغة او الديانة او الرأي السياسي او غيره او الاصل القومي او الاجتماعي او الملكية او صفة الولادة او غيرها وهو ما تذهب اليه ايضا الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.