الحافلة بالثمار والعصافير,, اشجار الخير الثرية,
ما يميز هذا الرجل انه لا يعطي كل شيء في مناسبة او خطاب او مجلس او محاولة للكتابة وهو دوما يعدك بأنه سيقدم المزيد، وكلما تتبحر في قراءته لا تصل الى
النهاية واظنني درست هذا الرجل بشيء من التعمق في فكره ولكن كل مرة انهض على امل العودة ولم يسبق لي ان قلت (هاقد اخذت منه كل شيء) فانه دوما يعد بالمزيد
ولا يتركك ابدا مهما اخذت منه رغم انك اخذت الكثير في كل مرة، والناحية الثانية فحتى ما تأخذه منه في جلسة الدرس الواحدة فتعود فيما بعد الى ذات الجلسة
وذات الصفحات فتتعلم من القراءة الثانية مالم تعلمك اياه القراءة الاولى وهكذا فأنت في عالم حافل من النور والاضواء والتجدد في شخصية هذا الرجل الذي يشبه
المعجزة البشرية,, شخصية رجل القرن العشرين اللامعة في منطقة الخليج العربي,
وبطبيعة الحال في وضع استثنائي كهذا فان ما زرعه عبدالعزيز لم يثمر كله بعد وما سيثمر لهو اهم مما نراه رغم عظمة المنجزات الهائلة التي ظهرت حتى الآن وهو
من الرجال الذين كلما تمر عليهم السنون تزيدهم حضورا واشراقا ومكانا ومكانة,
والواقع فان افكاره هي التي تضيء دروب اولاده من بعده وهم يهتدون بها ويسقون الغراس التي اسسها بيديه الكريمتين ويضيفون اشياء من روح عبدالعزيز نفسها
لأنهم امتداد له وقد ترك لهم وفيهم الحب الذي يبعد عنهم الشتات ويجمعهم على الرأي والقول في خدمة الدين والوطن والشعب، وقلما نجد في تاريخ الشرق عائلة
متماسكة كهذه وقدمت ما قدمته هذه العائلة المضيئة منذ مئة عام وحتى الآن وهي في ذروة عطائها واشراقتها، وقد سقطت ايديولوجيات عالمية كبرى ومذاهب وفلسفات
وسياسات وانظمة لم تستطع ان تحتفظ لنفسها بهذا التألق بعد مرور مئة سنة على ولادتها وبطبيعة الحال فأنا اتحدث عن شخصية عبدالعزيز ذاته رغم ان عمر عائلته
هو اكبر من هذا التاريخ لكن عبدالعزيز كان هو التفجير الاهم في هذا التاريخ والدليل ان اباه قد سلّمه الإمامة في حياته ورأى فيه رجل المستقبل فمنحه كل شيء
وهو في نحو السادسة والعشرين من عمره فأصبح ملكا وإماما فقد ولد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود عام 1293ه وفي يوم الخامس من شوال
عام 1319ه جاء النداء من منارة جامع الامام تركي بن عبدالله في الرياض: الملك لله,, ثم لعبدالعزيز بن عبدالرحمن بن سعود ,
واستطاع ان يعود الى الملك بعد انقطاع عشرين سنة عنه فقد كان مصرا وهو يقول لأبيه في الكويت انوي يا والدي ان اخرج الى الرياض لاستعيد دولة الآباء
والاجداد او اموت هناك ,
وهكذا بقي متمسكا بتماسك العائلة، والوطن القوي هو الذي يجمع افراد العائلة فيه على مائدة واحدة والواقع فانه استمد هذه التعاليم من تعمقه في الدين
الاسلامي، فالمادة التاسعة من النظام الاساسي للحكم تنص على: الاسرة هي نواة المجتمع السعودي ويربى افرادها على اساس العقيدة الاسلامية وما تقتضيه من
الولاء والطاعة لله ورسوله ولأولي الامر واحترام النظام وتنفيذه وحب الوطن والاعتزاز به وبتاريخه المجيد ,
ومن هنا فان الملك عبدالعزيز - طيّب الله ثراه- لم يكن طامعا في الشهرة والملك، بل كان مدافعا عن الاسلام وتعاليمه وكانت قوته تمتد من قوة الاسلام وهو
القائل: ان فخرنا وعزنا بالاسلام,, والله لا يهمني مال قارون ولا غيره وكل همي هو موجه لإعلاء كلمة الدين واعزاز المسلمين ,
وفي مناسبة اخرى يقول: والله ثم والله لان أكون على رأس جبل، آكل من عشب الارض وأعبدالله وحده، خير لي من ان اكون ملكا على سائر الدنيا ومن فيها , ثم
يقول: وماهي إلا ألقاب واسماء فما انا الا عبدالعزيز قال العرب انني ملك فرضيت قولهم وشكرت ثقتهم، وفي اليوم الذي لا يريدونني زعيما لهم اعود الى الصف
واحارب معهم بسيفي كأصغر واحد فيهم دون ان ينال نفسي شيء من الغضاضة ,
وهو الى جانب هذا منفتح على علوم وثقافات الدنيا ولم يكن منغلقا على حكمة او قول او رأي فقد كان واسع الاطلاع على كل ما يمكن ان يطوره ويؤمن بأن الانسان
يتزود بالمعرفة ويتطور بها ويصرح بذلك مثال قوله: لا مانع من ان نأخذ من غيرنا المفيد فالحكمة ضالة المؤمن، وقد كان للعرب في جاهليتها خصال حميدة وكان
لغيرهم ايضا، فجاء الاسلام وأقرها
وكان عبدالعزيز - يرحمه الله- من اوائل من نادوا بالسلام في الشرق الاوسط فقد كان يميل الى السلم والاصلاح وله قول في ذلك هو: لست من المحبين للحرب
وشرورها وليس احب الي من السلم والتفرغ للاصلاح وما كان يميزه هو صدقه في القول والفعل، فقد كان يفعل ما يقول ويكافح في سبيل الحق ومن هذه البذور التي
غرسها في المملكة، انا لست من رجال القول الذين يرمون اللفظ بغير حساب، انا رجل عمل اذا قلت فعلت وعيب علي في ديني وشرفي ان اقول قولا لا اتبعه بالعمل
وهذا شيء ما اعتدت عليه ولا احب ان اتعوده ابدا ,
لم يكن الملك عبدالعزيز - رحمه الله- سياسيا فحسب، بل كان تربويا واماما واديبا ومصلحا اجتماعيا ومفكرا فقد اثبت الزمن ان الزبد يذهب جفاء، واما ما ينفع
الناس فيمكث في الارض، ان الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه يبقى بتعاليمه ووطنيته وكفاحه ورجولته وشهامته وان كان قد ذهب بجسده وهذه سنة الحياة فانه ترك
المئات من اولاده واحفاده الذين تفوح منهم رائحته الزكية والذين يواصلون ما بناه هذا الرجل في ارواح الناس في هذه المملكة المشرقة اوصيكم بالتناصح فيما
بينكم,, اوصيكم بالتحاب ,
وامام روح العطاء الذي شمل معظم ميادين الحياة نتساءل هل استطعنا ان نقدم شيئا يرتقي الى مستوى كفاح هذا الرجل ونضاله من اجل عزة العرب وحريتهم؟ وفي رأيي
ان كل ما قيل في الملك عبدالعزيز لم يكن من العمق الذي يفي بهذا الحق، وبعض ما قيل كان مكررا لما قيل من قبل وأظن ان هذا الرجل مازال بحاجة الى تقديم ملم
وموظف بشكل جيد وبصورة بانورامية شاملة في عمل صادق قوي يقدمه للعالم، وليس السبب في محلية الابداعات العربية وقوقعتها في دائرة مغلقة صغيرة من العالم،
ولكن لأن الشخصيات العظيمة عادة تحتاج الى فترات زمنية متباعدة لتولد الاعمال العظيمة التي تخلدهم وتقدمهم لمستقبل البشرية,, وبطبيعة الحال فانه لم يقل كل
شيء عنه وما سيقال لهواهم من كل ما قيل لان تاريخ عبدالعزيز دوما يتجدد من خلال القراءة والدرس والبحث وبالتالي فان التفسيرات تحتمل كتابات جديدة, ولو كان
عبدالعزيز شخصا عاديا او لو ما قام به كان حدثا عاديا لكانت دراسة واحدة تكفيه او لكان كتابا واحدا قال عنه وفسّر عنه كل شيء ولكن كل سنة تظهر عشرات الكتب
والدراسات الجديدة التي تكشف جديده وما قيل هذه السنة هو غير ما قيل في السنة الماضية، وما سيقال في السنة القادمة لهو غير ما قيل في هذه السنة وهنا تكمن
عظمة الملك عبدالعزيز وتكمن اهمية وحساسية انجازاته على مستوى الوطن والانسان، لأن الملك عبدالعزيز بنى الوطن وبنى الانسان معاً وترك بصمته على الوطن وعلى
الانسان معاً، انه الرجل الذي لا ينتهي والذي لا يمكن لأحد كائنا من كان ان يتكهن بانه يقول كل شيء عنه لان لا احد بمقدوره ان يقول انه عرف كل شيء عنه
مهما كان قريبا والسر الكامن خلف هذا كله انه دوماً يترك انطباعا لدى دارسه بانه سيقول له في الدرس القادم شيئا جديدا,, انه يشبه مدرسة الحياة,
،* أديب وروائي سوري، له العديد من المؤلفات القصصية والروائية، عضو اتحاد الكتاب العرب، عضو جمعية القصة والرواية