على ضوء نجمة,, يغوض ويطفو عواء الضمير ,, وعاشق البحيرة جالس,, ينظر في سكون,, انات الريح تزج الحزن في العيون,, تحطم مجاديف صبره فيشرع ذراعيه معانقا
هواء المدينة ويبوح على متن نسمة شردت من هواء الفجر فنسيتها الريح,, يا هذا المنتفض هناك: باكرا في المدينة يتراقص صوت الفجر,, يقع على حناجر الصبر فينصب
مطر الغناء يمحو العمر,, يا هذا المرتجف هناك: باكرا في المدينة,, تغرق النجوم في ملكوت النهار,, تسقط في صدر الغريب فتسطع جزيرة الروح الصغيرة - قلبه -
تغفر سهو الفرح عنه وآثام الليل,, يا هذا المرتعش هناك: باكرا في المدينة ضوء دموع الندى الناهض من السقوط والحزن,, المدينة باكرا: هي وجهك المسافر العائد
من المدى,, الى الوطن,
عشق الوطن يئن في ليل الغريب
للغريب عن الوطن رجفة الطير المكبل بطائرة,, ليس محروما من السماء لكن دون ريش او هواء,, تنمو الصور الدفينة في كرنفال الذاكرة فتأتي الارض البعيدة
والضياء,, في قلب الشاعر يا انتم متسع لكل الاشياء,
فيناجي عشقه,, وتأخذ القصيدة الوطنية شكلا آخر مختلفا فتبعد القصيدة عن صخب الايقاع, وجهورية الانفعال كالمارش العسكري,, وصاغ حديقته الغنية بالوداعة
كالحب في اوله,, يدافع عن الملح في خبز ايامه دون ضجيج,, يحلم بالمطر الاتي من التفاح بلا اجراس نشيد,, شاعر يهوى الوطن كما تتشهى الشوارع ضوء النهار,,
ويسود قصيدته حكاية مؤلفة من خمسة مقاطع او لنقل خمس رحلات متلاحقة,, كل رحلة تبدأ بمناجاة للمحبوبة/ الوطن,, الشوق يدفعه وبريق على السطح زائف يهتف به
فيدلف مسكونا بوهج الاماني باحثا عن اصداف احلامه وهو بالشوق مسكون,, يفتش عن لآلىء كان يبصرها في العيون (حذار انه كمين,, حذار يا مسكين) من اي جنون هبت
ريح الظلام من اي جنون,, والليل جثم فوق الجفون فولى الامان هاربا بعدما تمزق الشراع,, وجها لوجه امام الحقيقة,, تتدلى السماء اكثر,, تتكوم فوق مقاعد
الخوف وتفر النجوم,, ويبقى الليل جاثما فوق العيون:
،(عيناك لي وطن/ عيناك,, فلتان,, تبسمان/ وقلبك الدفىء بالمغامرة/ بحيرة وسيعة زرقاء,,/ تمتد بلا شطآن/,, أبحرت في سكونها السحيق/ وقبل ان اغوص باحثا عن
الاصداف واللآلىء/ هبت عليَّ عاصفة/,, مفاجئة,, فمزقت شراع زورقي الرقيق/ وبددت بغير رحمة,, لآلئه/ فولت النجوم,, خائفة),،
احمل جبينك واتسع
يتدرج الشاعر بقصيدته من مرحلة الى اخرى, فلم يكتف بما تبدى من سحر عيني محبوبته/ الوطن وانما انسرب للعمق اكثر فوصفهما بالنوافذ المشرعة على مدينة
الجمال,, يتحد بكل عنصر فيها,, تشرئب الاحلام ونهارا ينفجر في دمه فتتفجر كل ينابيع المسرة,, يركض بفورة افراحه,, يغرس مهجته ويرويها باكسير السرور فتنمو
تنمو (شوارعا) تتسع لكل ميلاد جديد,, (شواطئا) مرسى الزمان,, حدائق صفوة السلام,, هو الحب فكرة,, هو الحب بذرة,, هو الحب يطبع على الوجوه البريئة نصف
ابتسامة ويعطي للقلب صك الامان,
،- يا هذا المترع باخضرار الشجر,, تتمدد في كل اتجاه كالنباتات البدائية,, فاحمل جبينك واتسع,, فاتسعت,, صبِّر جراحك وتمدد/ فتمددت,, تقمصت الجذور
فتصاعدت,, تشابكت مع الغصون وتصاعدت وتصاعدت,, وعند اعالي المنتهى انسربت بحمرة الاصيل! - يا هذا النازف احمرار الاصيل,, اتسع,, فاتسعت وبقيت في الاعالي
حتى داهم الليل الاصيل فانبثقت تهدهد نبض المعذبين تؤنس ليلهم المكابد,, تؤازر الحلم المجاهد المشرئبين للمدينة العطاء,, الجاحظين للحظة النماء,
،- يا هذا الناهض من ليل المتعبين,, اتسع,, فاتسعت حتى رجفة نسائم الفجر الاولى,, حلما بميلاد جديد,
،- يا هذا الناهض من تاريخ الفجر,, اتسع واصدح لما يوحى لمائك,, انت ذاكرة الوجع,, وانت البرىء بدمائك,
،- 2- عيناك,, شباكان مفتوحان/ اطللت منهما على مدينة الاحلام/ دلفت,, فانسريت في شعابها/ غرست مهجتي,, توجهت شوارع/ شواطئ,, حدائق/ تمددت فيها شراييني,,/
تواصلت مع الجذور/ تشابكت حتى ذرا غصونها الشواهق/ تلونت بلون خضرة النخيل/ وانتفضت بوهجة الشرق المعانق/ وامتزجت بحمرة الاصيل/ ولامست في حلكة الليل
المكابد/ نبض شرايين المعذبين/ الحالمين بالمدينة العطاء/ الجائعين الجاحظين للحظة النماء/ ورجفة الفجر المراهق/,, الرجفة الحبلى,, بميلاد جديد),،
وحلم يضحك فوق الماء
عندما يمشي البحر في الشوارع ويتدلى الموج من النوافذ نعرف ان البحر دخل البيوت واستلقى في الغرف,, نعرف ان البحر هناك والبحر هنا,, ولا شاطىء هناك ولا
شاطىء في المدى,, وندرك اننا لن نرى الا البحر ليدفن فيه الافق,, وينقر الطائر صفحات الماء بحثا عن لغة الشبع في طوفان البحر,, ولن نرى ساحلا او حمامة,,
ويجيء الشاعر في عمق المخاوف نورسا يطير الى امه حجلاً - استغاثة الامان - ليقول (عيناك زورقان) يرمي بنفسه في احضان هاتين العينين آملا في النجاة,, شوقا
الى شواطىء الامان,, (حذار انه كمين,, حذاريا مسكين) من اي حرقة اتى هذا الموج يبني عش زرقته مما تبقى من حطامه,, (عيناك زورقان) فأين الزوارق ومدينته/
محبوبته نائمة تحت نخلتها القديمة تنتظر في الزحام غريبا ولد هنا يرفع الموج عن ملح هذا البحر ويتسع للامام,, هبت ريح الظلام من اي جنون,, والليل جثم فوق
الجفون,, تنتفض المتاهة تكشر عن سياط الخدر، والنوم برىء من صعاليك موج البحر,, ترميه من وهم الى وهم,, تختاره الاناث سفيرا للدوار,, يصطفيه الدوار رسولا
لضياع الديار,, والنهار حالك بغمرة ضيائه ينبش مخالبه في العيون بعد ليل طويل,,
لا يرى العاشق سوى روعة محبوبته وليحطم المرآة العمياء والمبصرة ويقول (اراك شاطىء الامان):،
،- 3 - عيناك,, زورقان/ يجدفان بي الى شواطىء الامان/ تحملني الامواج من وهم الى وهم,,/ الى دوامة بلا قرار/ تغرسني,, تخلعني,, تعيدني لحلكة النهار/
ترفعني,, تهبط بي,, ترفعني,, تهبط بي,,/ يلفني الدوار/ اراك,, شاطىء الامان/,, عيناك,, شاطئان من امان,
غيم ينتحل صوت الذكريات
قمر ابيض يدق فوق الحجر فيجلي صوت المساء,, والشاعر مرابض فوق الامل يقاوم البكاء بعد ان رمته عيون الحبيبة على جزر السفر اليابس في ملكوت الضياع,, وهو
النازل من قدميها ليعلو الكلام,, دق الهواء ليسمع انات الريح ويسقط المطر,, فعيون الحبيبة لم تسقط الا الحجر وخاتم شع منه الظلام,,
،- يا غريب,, خذ فل احلامك وابتعد,, فالشمس اقل اشتعالا والقمر اقل احتمالا والصبر نفد لكن الشاعر الغريب قبض على الحجارة,, قمض على جذوة الامل المراوغ
وابتسم,, قال:
،- 4- عيناك,, قطعتا حجارة/ تفجران بالبشارة/ عيناك لي امارة/ عيناك لي وطن ,, عيناك لي وطن),،
لا تناد للغريب,, دعه يأنس بغربته!،
عيناها قبلتان لوجه الغريب اما ان تقتل يأسه او تقتله ذات مساء,, انهض يا غريب,, فالعيون صومعة الفناء,, انهض,, لملم جراحك وابحث عن وطن آخر في عيون
الغرباء,, لكن الشاعر الغريب يأبى الا عيون مدينته وطنا,, حتى ولو كانت دماء,, ونهض الشاعر اكثر صبرا مليئا بالحزن:
،- 5 - عيناك,, لي وطن
يئن في جراحه
يئن في
جراحه,,
يئن)،
نوم محال,, برحلة حقا مضنية,, تعبت تعبت من طول السفر وسناء الحمد لا يمل الترحال,,