المدن الاوروبية الكبرى، سئلوا عن اسم الرجل الذي يوصل الرسائل إلى البيت، وعن اسم من ياتي بالحليب، وعمن يأتي بالجريدة والخبز، ومن يجمع القمامة، ومن
يصلح الأعطال في النور والماء، كانت اجابة الأطفال,, شبه اجماعية: إنه البواب ,
ثم يضيف: ليس هناك مايجعلهم يجيبون بشيء آخر؛ ففي هذه التجمعات المدينية الضخمة - حيث تكون ولادة زهرة شيئاً اشبه بمعجزة الخلق - لابد لكل من يدخل الى
الشقق من المرور عبر الممر النظامي ,,,,,, البواب ,
أقرأ كلماته فأذكر زماناً خلى حيث كنت فيه وصحبي أطفالاً محظوظين، أطفالاً مخضرمين إن جاز لي التعبير فقد ولدنا في الزمن الفاصل بين مرحلتين، الزمن
الفاصل بين الطفرة والطفرة فعشنا ضربين من الحياة أولهما يشبه حياة آبائنا وثانيهما هو باكورة مايعيشه اطفالنا الآن,
اليوم ارقب صغيري الذي مارقى نخلة ولانزل قليباً، طفلي الذي يقتني العاباً لا أفهمها فأتساءل: أينا أحسن حظاً من الآخر؟
الأكيد أني في طفولتي عشت أكثر منه فجربت ما قد ينفعه لو جربه,
وأتساءل أخرى: لم لا نحرص آباءً ومعلمين على تقريب صغارنا لحياتنا السالفة وتجريبهم إياها,
لم لا نغرسهم - ولو فترة قصيرة - في رحم الزمان الذي عشناه؛ فنوفر لهم في الإجازات مثلاً أجواء مشابهة بإنشاء قرى نموذجية مصغرة يزاولون فيها كل ما كنا
نزاول نحن، أو لتقم بذلك المدارس عوضاً عن مراكزها الصيفية البليدة!،
وهنا أرجو ألا يتساءل متسائل قائلاً: لم لا نأخذ أطفالنا لقرانا الحقيقية فذلك أفضل وأسهل؟ إذ لن ينبيه إلا قروية خبيرة مثلي فقرانا - للأسف - باتت
أماكن فانتازية تختلط فيها الأزمنة فيجثم الدش قرب بيت الشعر، أما الدجاجات فلم يعد منها نيئاً إلا جاري وهو ديك عجوز نؤوم الضحى كثير الصياح في الدجى,
فاصلة:
من لافتة جميلة للشاعر علي عمر عسيري يتغنى فيها بصبح القرية وهو ممن لايعلم ولم ير أحلى مافي القرية:
أنا من صبح القرية,,
في الوهج القادم عُرساً وسنابل,,
لا أحد يعرف صبح القرية,,
ألق الطل على ناصية الرمل,, ثغاء الشاء المتعرج في رائحة الهمِّة والبُنّ,,
وبخور الجاوي,,
وعصا الراعي ينبض مقبضها,
وتئن,,,
مسحاة ومناجل,,
أمل الفاران
كلمة الطفرة الأولى مأخوذة من قاموسنا الشعبي بمعنى الفقر أما الثانية فمعروفة,