أجنحة الماء
مختارات مترجمة من الشعر الأمريكي
منذ 1830 إلى 1988م للشاعر بدر توفيق
محمد إبراهيم أبو سنة
يواصل الشاعر بدر توفيق منذ فترة ليست بالقصيرة نظراته في الشعر الاجنبي شرقا وغربا وفي اطار جهوده المتواصلة لترجمة روائع الشعر العالمي الى اللغة
العربية تأتي هذه المختارات بعنوان اجنحة الماء وهي قصائد مختارة من الشعر الامريكي في القرنين التاسع عشر والعشرين منذ عام 1830 حتى 1988 وهي تشمل حقبا
زمنية نشأت في ظلال مدارس ومذاهب فنية في الشعر الامريكي وبدأت هذه التيارات بالاتجاه الرمانتيكي الذي مثله لونجفيللو ووالت ويتمان واميلي ديكنسون ثم
انتقل الشعر الامريكي بعد ذلك الى التصويرية عند ادوين روبنسون وستيفن كوين وايمي لويل وتجيء بعد ذلك تيارات الحداثة بتحلياتها الرمزية والكونية عند ت اس
اليوت وسارة تيزديل وجون بريمان واوسكار ويليامز ثم يتتابع الشعراء بعد ذلك حتى نصل الى المدارس الواقعية والحداثة وذلك في اشعار جيمس رايت ومارك ستراند
وكارولين فورشيد وكاتي صونج وسواهم,,
ومن الواضح ان الشاعر قد لجأ الى منهج الاختزال عن اختياره للشعراء الذين ترجم قصائدهم وهو منهج لافكاك منه امام ازدحام الخارطة الشعرية في الولايات
المتحدة بآلاف الشعراء,, ويحمد للشاعر بدر توفيق انه حاول تمثيل العصور او المراحل بافضل النماذج لابرز واهم الشعراء الذين عاصروا هذه السنوات,, وقد عرفت
العربية نماذج كثيرة لكثير من الشعراء الذين ترجم لهم المترجم ولكن هذه الباقة من الشعراء تمثل فهم ووعي المترجم للشعر الامريكي ونطالع في الصفحات الاولى
من الكتاب نماذج للشاعر الامريكي والت ويتمان، وقد ولد هذا الشاعر في عام 1819 - لأسرة متواضعة كان والده نجارا وقد نال حظا متوسطا من التعليم قبل ان
يشتغل بالطباعة ثم عمل مدرسا وصحفيا، وتطوع للعمل كممرض في الجيش وحصل على وظيفة في واشنطن بعد خروجه من الجيش ولكن حادثا اصابه بالشلل أقعده ففصل من
الوظيفة وعاش حياة بائسة مليئة بالمعاناة والالم في السنوات الاخيرة من عمره وتوفى والت ويتمان في عام 1892 وقد خلف وراءه ديوانا كبيرا هو أوراق العشب
نال به شهرة عظيمة في ساحة الشعر الامريكي والشعر العالمي وظل وايتمان علما على هذه الشاعرية المتفجرة بالمشاعر والرؤى الحسية والكونية الشاملة يقول في
قصيدة:
،* عندما أمعن النظر في سمعتي المقهورة مؤكدا ايمانه بالحب والقيم الرفيعة كالاخلاص والوفاء والحميمية الصادقة في العلاقات الانسانية,
عندما أمعن النظر في السمعة التي اكتسبها الابطال/ والانتصارات التي احرزها الجنرالات العظام/ فإنني لا أجد الجنرالات / ولا رؤساء الدول في مقار رئاساتهم/
ولا الرجال الاغنياء في منازلهم الباذخة/ لكنني عندما أسمع عن الصداقة الحميمة بين المحبين كيف تحققت، وكيف نما الصدق فيما بينهم والى أي حد اصبحوا مخلصين
معا وغير مخادعين خلال الحياة خلال المخاطر والمكاره، دون أن تتغير مشاعرهم على طول المدى في شبابهم وفي سنوات عمرهم الوسيطة، وعندما تقدم بهم العمر,
عندئذ تستغرقني الافكار الحزينة, أسرع الخطى مبتعدا ممتلئا بالحسد المرير الى أبعد الحدود,
والحسد الذي يحسه الشاعر انما يعكس دلالة توحي بافتقاده هو لهذا الحب الصادق الذي لا تقهره السنوات، ولهذه الصداقة التي يحميها الوفاء من غدر الايام كما
تؤكد اعلاؤه للقيم الانسانية فوق مغانم الحياة المادية كالشهرة والغنى والقوة اما الشاعرة سارة تيزديل فتمثل مرحلة ما بعد الرومانيتكي الى لون من الشعر
الميتافيزيقي,, وقد ولدت هذه الشاعرة في 28 اغسطس عام 1984 وهي نفس الحقبة الزمنية التي شهدت مولد شعراء الحداثة الكبار امثال ت , س, اليوت,, لعبت دورا
بارزا في تشكيل الرؤية الحديثة في الشعر الامريكي وقد انتحرت وهي دون الخمسين في التاسع والعشرين من يناير 1933 ، ولها ديوان بعنوان قصائد حب صدر في عام
،1917 وهو ديوانها الاول كما ان لها بعض المجموعات الشعرية الاخرى هي اللهيب والظل وقوس قزح الذهبي وظلام القمر والانتصار الغريب ,
تقول الشاعرة سارة تيزديل في قصيدة الخرافة البللورية:
سأجمع نفسي داخل نفسي من جديد
سأجمع نفسي الشتيتة لأجعل منها نفسا واحدة
وسوف أدمجها معا لتكون كرة بللورية صقيلة
أرى البدر من خلالها ,,وأرى الشمس المتوهجة
سوف أجلس كما تجلس الخرافة
اركز انتباهي ساعة إثر ساعة
وأرقب المستقبل الذي سوف يجيء
والحاضر الذي يرتحل
والصورة الصغيرة التي تتبدل للبشر الذين يتدافعون جيئة وذهابا في اهتمام بالغ الضآلة بأنفسهم,
أما أوسكار وليامز فقد ولد في عام 1900 وهو من شعراء الولايات المتحدة الامريكية البارزين, له خمسة دواوين شعرية توفي في عام 1964 - يقول في قصيدة السراب:
عشت حياة بلاحب
ورأيت الكون الذي أحببته على كل غصن
لكن تلك الشجرة العارية نهضت واقفة وكل فروعها متجهة الى اعلى قيثارة عظيمة تنمو باستقامة من باطن الارض
كتيبة من الطيور المضيئة تتلبس الاطراف العارية
النوتات الموسيقية استقرت على القيثارة
كانت كلها حبا, ,هذا هو القلب داخل الجسد المعذب
نما الحب صورا كالصبار
وزرع وردا على حوائط الوهم
نمت الحديقة فواحة بالعطر وتكثفت الحواس فصارت ندى
تضافرت المجموعة وارتفعت عاليا في تشكيل موحد
صارت سحابة تشبه منديل الحب
رأيت هناك الفتاة التي لم اعش معها
جوهرتان رقيقتان مزروعتان في وجهها
شعرها منسدل حول وجهها بلا صوت
وجهها منساب على بشرتها كالندى
لؤلؤي رمادي كوردة الذكاء
ولاشك ن هذه القصيدة تمثل التيار الرمزي الذي ولد في ظل تلاحق الاحداث الكبرى التي عاصرها الشاعر منذ الحرب العالمية الاولى وحتى وفاته,
ان هذه المختارات الشعرية التي قام بترجمتها الشاعر بدر توفيق تعكس قدرته على النفاذ الى الاعماق المضيئة للنصوص التي اختارها وتأتي لغته معبرة عن هذه
الشاعرية التي تفيض بها القصائد وهي اضافة بلا شك للمكتبة العربية التي مازالت في حاجة الى مزيد من الجهود لترجمة روائع الشعر العالمي الى لغتنا العربية,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved