فكيف فجر الشاعر محمد علي شمس الدين بذوره الرؤيوية في مجموعته (يحرث في الآبار)، وما الحيوات المتفاعلة في عميق الغيب,, تلك التي حرثها,, وهل مرت في طور
غيابها على طور الاحتمال الذي لا يعرف موسما للحصاد,, لانه الاحتمال الحارث لذاته وبذاته وفي ذاته,,؟ تغوص المجموعة في مسيرتها الدائمة الكشف والتحول
والتأويل, السيرة الراغبة بالاختلاء بمياه الأبد الاخرى المتأرجحة بين قطبي العمل الشعري:
،1) الشاعر ككل انساني مكثف في الرمز (ميم) الحرف الأول من اسمه (محمدعلي شمس الدين) والمنقلب على نفسه في القصائد المتحركة تجاه (الأنا الكينونية) ،
المتصارعة مع الألفة، والرائية لما وراء التصارع من ملامح سحرية تعيد تشكيل هيئتها عن طريق الشعوذة الشفيفة على الرؤيا المشفوعة باللغة, حيث يضع الشاعر
،(ميمه/ كله/ الكينونة) بين مترادفين (الغيب) و(القصيدة) المتشظيين عن طبقة مدلولية مبتعدة في اللازمكانية، ومقتربة من المخيلة الحسية للصور الشعرية
الجانحة إلى النبوءة المعرجة من داخله إلى داخل النص,
فناتج الاتحاد بين الأنا والدلالات: (الغيب/ القلب/ الماء/ الزبد المبهم) ظهر محمولا في مساحة مدلولية غائبة بين المنبع (ميم,, ساقية الاسرار) وبين أشكال
الظهور اللاحقة، والمرتكزة على عنصر خلقي (الماء):،
رؤى سريلت نسيجها المائي، وصوتيات معانيها، عازفة اللامألوف، ومبدعة علائقها باستبدال متغير بين (بكفيه) و(اصابعه)، ومنبسط بين أثر اللحظة اللامكتوبة،
لكنها الطالعة من الانبجاس الفعلي (يحدق/ يبصر/ تتماوج/ يضغط)، فتدون هذه اللحظة أبعاد القلق المنحسرة في جملة الاسقاط (يأخذ ميم الماء بكفيه)/ (حتى لا
تفلت من بين أصابعه عيناه), وحينما تتواحد هيئة الشاعر (كفيه/ عيناه) مع هيئة (الماء) نلاحظ انحرافا فنيا يصيب البنية بتضاد برزخي ينبت نرجسيته بين
،(النار) و(الماء) ويظل معلقا بين الخصب الباطن (البئر) والخصب الظاهر (الامطار) وبين احتمالاتهما الممكنة، أي بين النص والنص,,:
،(هذا الماءُ
جميلٌ
وعميقٌ
وأنا فيه
كنرجسةٍ في النار
ميمُ الآن ينامُ على شفة الرؤيا
لا يهبط نحو البئر
ولا يصعد نحو الامطار, ص8),،
إذاً، كثف الشاعر ذاته ومجموعته في القصيدة - المفتاح، أو أس القصائد ثم وزع تناغم الرؤيا على جسد النصوص اللاحقة، والمتناسبة مع البعد القلق لذات الشاعر
والمنفجرة كقطب ثان,,
،2) المثاقفة المتنامية بين النصوص (سنوات الأرق/ من كتاب النور والديجور/ قصائد الايام) وبين القطب الأول (الشاعر الكينونة),،
حيث تتضح ملحمية التحول كاشفة عن المعتم من الذاتموضوعية المختلطة مع أبعاد اسطورية جادلت بؤرة رؤيتها ووترت رموزها القصيدة، مهيئة حلمها لكتابة الاختلاف
في اللغة والصورة والحواس ودرامية الخطف وسيرورة الحدث الشعري المستمرة في اللاثبات، وأنساقه الشافة عن اليومي والايحائي والآتي,
اشتمل هذا القطب على محاور ثلاثة تناوبت الموج والنور والمتفاوت بينهما من (حياة/ موت/ هوامش)، وسردت ما يجول بين اللفظة واللفظة والظلال الوجدانية
الخاسفة والواضحة والمترامزة:
،1) أسئلة الموج/ أثر اللا أثر:
سننستبطن الدينامي المرفوع، والمتماوج تحت ما تعنون ب(سنوات الأرق)، والمتفرع إلى القصائد التالية) مقهى على البحر الميت/ كسر الموج/ الحديقة الخائفة/
جمالك ينهض/ سأموت وحيدا في هذا العالم/ صورة السماء في المياه/ سور النساء/ ليلى بلا نار/ الممثل/ عبرت خيولي دارة الاشباح/ أيها النهر يا جدنا وأبانا/
بنات آوى تأخذ المدينة/ مرثية الى البلاد العظيمة/ بجعات الخليج), وكما نلاحظ فإن الفروع الاشارية للعناوين اتخذت مدارا تكويريا (البحر الميت/ الخليج)،
فيه احتدمت تآويل الموج والوحدة، الموت والتحليق، الشجر والحب والبلاد, فانتفضت بين ماءَي الوطن العربي، وبين ماءَي الكشف (آبار القصائد/ أمطار الذات),
فكيف داخل الشاعر أثر الصراع بالبنية المضمونية منتجا من شبكة التآويل عناصر أخرى للطبيعة، وفارزا عن هذا المنتج ظلال روحه المتكونة نصا آخر للنص,,؟
،(تُعذبني أيها الظل
بيني وبينك خطوي
يُعذبني أن بيني وبيني سواي
فاهبطي أيتها الشمس فوقي تماما
،(إذا شئت)،
وانتصفيني
أريد لتدخل فيّ ظلالي
أريد ارى وحدتي وحدها
ولكنني من أنا؟, ص33),،
استفهام يقاوم ظهوراته، ليراكم مكونه التحويلي في بنيته التركيبية، مسقطا عنه الظل، ومسقطا عليه انحرافاته الدلالية المشيرة إلى فضاءي التنغم:
،1) فضاء الخروج والانقلاب: وتمثله الابعاد المقدرة بين علاقة الظل باللغة، اللغة بالشاعر، وبين حركة تشجير الظل بالعالم، أي (اللغة/ الشاعر/ العالم) وذلك
عن طريق (صورة الانفلات): (يعذبني أن بيني وبيني سواي)، فحركة الخروج تربط بين بيني الشاعر، وبين تثليث ضميره (أيها/ بيني وبينك خطوي/ سواي) وهكذا بين
ضمير المخاطب والمتكلم والغائب تدور الرؤيا متسارعة، منقسمة، ومندغمة لتتوزع في فضائها الثاني,
،2) فضاء الدخول والانكماش: يتراكم الظل ماحيا دائريته السابقة، ومتعامدا مع النقيض (الشمس), وفي نقطة الالتقاء تنفجر المحمولات الدلالية، متباعدة إلى
حركتها المنصهرة في الذات المختزلة في المكون الاشاري (لتدخل فيّ ظلالي), حيث ينكمش الفضاء في مركزه (الذات/ النص/ الغياب), ثم يتجاوز توزيعه في (جملة
الرؤيا): (أرى وحدتي وحدها)، الجملة التي شكلت فضاء ثالثا للاسقاط، لا مرئيا، لكنه، يتمرأى بالأنا العليا المتشبهة بالمطلق، والمناسبة بين قصائد (سنوات
الأرق) بتشكيلات صورية اختلف بريقها تبعا لمغايرتها الكامنة في المنتوج الدلالي:
أ) انبثاق الطبيعة النصية من محمولات الحس الفيزيقي، وما يليها من تشويش تقاربت فيه نزعة الميل المشتركة (أشرب أيامي/ أدعو الموج يأسي, ص11), فالفعل
،(أشرب) ضمن استمراره في حركة (الموج) منتجا اشتراكا دلاليا نازحا الى نسقه الجديد المتمظهر بمسافة زمنية بعد الفعل: (أيامي), وبمسافة داخلية بعد ايحاءات
الزرقة: (يأسي),،
ب) درامية التنافر ومعادلها:
أتى الانقسام الداخلي بتضادية متوازنة، شعت بدرامية الاحتمال، وتحولت معه إلى مساحة كبرى تحكم علائق النصوص وفق:
،1- الاتحاد المنفصل الصاعد من القطب الاول أنا الشاعر إلى حلمية الأنوات : (ها أنا وحدي، وأمشي مثل ذئبين معا فوق المياه, ص12),،
،2- الانفصال الملتحم الهابط من الحلمية إلى مدارات الذاتي (تسقط الانجم كالفخار في قبضة روحي, ص12),،
،3- ناتج المعادلين (1، 2) العائد الى تدوين ابعاده المنفلتة في (الفضاء - النواة): (لست شيئا غير هذا الأرق, ص12) الفضاء الذي تتوتر دراميته، فتتعالى مع
مجردها (الارق)، موزعة مكونها اللامباشر على صور التواري المجسدة بتراكيب المخيلة النصية:
أ)- (في غموض الموج ما يكفي
لكي اضرب راسي كسفينة
ثقبتها صخرة عمياء
فانداحت مياه البحر فيها, ص14),،
،***
ب)- (لكأن الدهر سجلّ
لم تولد فيه الكلمات, ص22),،
،***
ج)- (في السماء التي لا نراها
في أعالي السماء, ص26),،
،***
د) - (كم ينبغي أن تسير الضفاف إلى بعضها
لكي تلتقي؟, ص42),،
تتلوى التشكيلية تحت هرموني الصورة، الصوتي والمعنيي والحواس النصية الاخرى المتراكمة في قاسم مشترك هو البصيرة الحدسية، أو عين الذهان المتآلفة بين (غموض
الموج/ رأسي/ لم تولد فيه الكلمات) وانعكاسات هذا المتحرك الدلالي من حيث الغموض والتيه واللغة اللامكتشفة، على ضفة الحلم الأخرى الملموسة بين (السماء
التي لانراها في اعالي السماء) وذلك كضفة متوارية تحاكي العين القلبية للقارئ المتجه إلى نفسه بحركتين: حركة عليا تنبش من العالم مالا يرى، وحركة عمقى
تزيل الحجب عن أعماقه فيرى,, وعندما تتوازى الحركتان يبقى اللاوصول هو الحالة السامية المحيرة: (كم ينبغي ان تسير الضفاف الى بعضها، لكي تلتقي؟),،
،2) تعددية الوهج/ اخضرار اللحظة: