أيام العرق والطين
عبد الله نور
حَفرياَّت (أركلوجية)في ثقافة ابن سعود
ولد عبد العزيز في الرياض (ذات العبقرية المكانية المعروفة) في يوم كان فيه والده خارج الرياض يغالب بأساء الأيام وبأساء الأنام وحيداً إلا من بقية
باقية من أصفيائه وخلصائه من الرجال وثمة حِلم عظيم يطويه بين اضلاعه ليحفظ للراية الخضراء الطُّولى عِزَّتها التليدة المنيعة، فلما بُشِّر بولده في
،1293/12/9ه تَعزَّز فَسماه : عبد العزيز!!،
لاشك انه مولود مفاجىء في فخامة جثمانه، ومحاسن كيانه وجمالات بنيانه، فأطافوا به يرأمونه ويحرسونه ويوقظون به أملاً مستشرفاً حول صرح عزيز بناه أجداده
الميامين، وصاروا يتراكضون لكل بشارة عند كل نبأة من مفاجآت هذا المولود!!،
لعله قد فاجأهم بكونه اكتشف الفرحة في نفسه حين اكتشف الخطوة الأولى ماشيا قبل الأقران، واكتشف انه - بلا قياس أو موازنة أطولهم قامة، وأرحبهم ذراعا،
وأبعدهم وثبة، وأصدقهم رمية، وأمضاهم عزيمة، ولعلهم لم ينتظروا حتى يحين أوان الدرس والتأديب فأحضروا له في القصر مدرساً خصوصيا من رجال العلم والقضاء،
يُدعى الشيخ عبد الله الخرجي فتلقى على يديه مبادىء القراءة والكتابة وقام بحفظ بعض السور من القرآن الكريم، وختم القرآن بالنظر وزاد فحفظ شيئاً
من الأدب العربي القديم في الشعر والنثر على حد سواء!! ثم إنه عند هذا الموقف ينبغي له ان يتوقف ، مثله مثل غيره من ابناء الملوك والأمراء، ولعله من
حسن الحظ أنهم اكتشفوا، أو هو اكتشف بأن حجم موهبته أكبر من هذا كله بكثير فدفعوه ليتعلم على علامة نجد النحرير الفارس الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل
الشيخ، وهنا، أو هاهنا نتوقف لنبدأ بالحفريات (الاركلوجية) على طريقة الاقدمين او على طريقة (البنيويين) أو (الأسلوبيين) أو اللسانيين لا فرق، فالمهمة
جد خطيرة وليست سهلة بحال من الأحوال!!،
إذا نحن الآن تأملنا في رسائل الملك عبد العزيز، وفي مساجلاته، وفي أمثاله، وفي أشعاره، وفي خطبه، وفي أقواله، وفي فصاحته، وفي بلاغته، وفي معرفته
بالآداب الدينية والدنيوية فإننا - وبلا عناء - نرى شواهد يستعيرها من أشعار المتنبي، وأبي فراس، والأفوه الأودي، ونحن نرى في كل ما يصدر عنه إلماماً
وافراً بضوابط المعرفة من حيث البصر بعلم القياس من حيث صحته أو فساده، ونرى في ذلك لطافة حسه في اللقن والتلقين، والدراية بالمشاولة والمصابرة
والمطاولة والعزم والجولان في معرفة الأشباه والنظائر، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والفهم التام في التقدم في حال المهلة، ووضع التدابير في محلها،
إنه على معرفة بالشيء وقيمته وظرفه وحالات الحزم وحالات الجزم، وحالات الكر وحالات الفر، وساعات الدخول وساعات الخروج، ونراه لايضيع في الأشباه والنظائر
وغيرها مما يدل دلالة واضحة على أنه قد وعى مبكراً لكل نقاط الخلل في معارف الذين سبقوه من رجالات الحكم والكياسة,
بسهولة واضحة يستطيع من يدرس سيرة الملك عبد العزيز أن يدرك بأن عبدالعزيز قد اختط لنفسه منهجاً تعليمياً تربوياً نظاميا لايصلح إلا له نفسه عبد العزيز,
والمظنون انه قد أكمل هذا المنهج ولما يبلغ الرابعة من عمره إذ نراه يقوم بدور المفاوض كواحد بين ثلاثة حين دارت هذه المفاوضة بين الإمام عبد الرحمن
ومحمد بن رشيد وخرج منها عبد العزيز بمهارة لايملكها إلا من هو موهوب بالفطرة ومعبأ بذخيرة حية من علم الأصول,
ونراه في جولات تالية يدخل في مفاوضات شاقة هنا وهناك وكانت جميع إيقاعاته في القول والفعل منسجمة مع إيقاعات كيانه وبنيانه,
ووصفوه في هذا التزاوج بين مجموعة الإرادات المتعالقة بأنه فوق ذلك، ورغم هول وفخامة جسومه فقد كان خفيف الوطء بقدميه فلو مرَّ من خلف رجل قاعد ماشعر
بوقع رجليه أو بحفيف ردنيه، وماذاك إلاَّ لأن بدنه يحتمل بعضه لبعض، وإنه لعجب وأعجب من العجب انه في مجموع رسائله وخطاباته قوي كالحرير، وناعم
كالحرير، ومتماسك كالحرير، فمن ذا يعرف كيف يصنع للحفر (الأركلوجي) في ثقافته وهي عزيزة المنال لمن لايريد ان يتعب ويجهد؟؟
ليس باب الظن وظن المؤمنين يقين بأن نقول بأن هناك غرسة نمت فيما بين راحة الشيخ وتلميذه، مابرحت أن صارت دوحة تضرب جذورها في أعماق التربة
وافنانها في أعين النجوم وكل ورقة منها تحتاج إلى حفرية (أركلوجية) لنرد كل كلمة من كلمات ابن سعود إلى مصدرها القديم!!،
لكننا، وياللأسف، عاجزون ضعفاء لأننا كسالى ولكن فلنحاول ان نجرب ولو في رسالة، في قصيدة، في,,,,,,
فلنجرب، فالفضل لايعرفه إلا ذووه، لا نامت أعين الجبناء,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved