الشاعر حمد العسعوس في بعض فصوله اليانعة
مصطفى النجار
يخفق قلبي طرباً عندما أقرأ شاعراً يحقق فيما يحقق ثنائية الفن الأصيل ومهمة التوصيل، يحقق المعادلة الساحرة، الصعبة بأن يكون الشعر شعراً فنيا وجماهيراً
بآن معاً، وذلك بعد أن أُبتلي الشعر الحديث المعاصر بتجزيئية في كل شيء، فكان ما كان من شعر حقق فنيته ولكنه انعزل عن الناس والواقع او حقق تواصله وخسر
شروطه الفنية,
اليوم لا أخفي طربي وأنا أقرأ مثنى وثلاثاً مجموعتي الشاعر حمد العسوس (خطاب لوجه البحر 1412ه) و(بعض الفصول 1418ه) اللتين تفضلّ الأخ العزيز بارسالهما لي
رداً على مبادرة التواصل الأخوي المتمثلة في مجموعتي الشعرية الجديدة (كلمات ليست للصمت)، الطائرة من حلب إلى الرحاب الطاهرة, باقتدار شاعر موهوب امتلك
ناصية التعبير حقق الشاعر حمد بشعره الواقعي والاجتماعي والسياسي والتأملي مقولة: الشعر ديوان العرب,
كان وفياً ومحباً ومنتمياً، وفياً للأرض التي درج عليها ومحباً لذوي الكلمة على وجه الخصوص مثل: عبدالله القرعاوي ومحمد الدبيسي وعبدالله عبدالرحمن الزيد,
ومثلما كان يُعنى بالإنسان ووجدانه كان يُعنى برصد تفاصيل الحياة والواقع الراهن, ومثلما كان شغوفاً بأبها وحائل والجنادرية كان يرصد وقائع سفره إلى خارج
أرض الوطن، فضلاً عن موضوعات متعددة تغني تجربته, إن الحديث عن موضوعات القصائد مثلما يطول فهو يهمّ الحركة الشعرية والحركة النقدية في المشهد الشعري
العربي المعاصر حيث إن جانباً من الحداثة أو نمطاً منها يؤكد على شكلانية وشكلانية منعزلة عن الموضوعات، ويعتبر اي طيف من أطيافها يقلل من قيمتها الفنية
الخالصة,
وأحسب أن شاعرنا العسعوس من الطراز الاجتماعي، المتفاعل مع محيطه بإيجابية مبينة، والمتواصل مع الناس والأمكنة والتاريخ والعصر الراهن، يحقق بالتعبير عن
تفاعله وتواصله طرفي المعادلة في معظم قصائده ذات المضامين الخاصة والعامة، العادية والمتفرّدة، وبأساليب متعددة يمارس من خلالها شرطه الإنساني وأخص
بالذكر القصائد التالية: فصول من السيرة، بعض الفصول، في ظلال القصيدة، النخلة، البحر وجواز السفر، رحلة إلى الغيم، (من مجموعته الثالثة: بعض الفصول),،
قصائد قصيرة أو ومضات مختزلة:
إن الشاعر حمد مثلما يُعنى بالتفاصيل في قصائده الطويلة يراه القارىء في هذه الومضات يختزل، يكثّف، يدهش بنهاية كل ومضة، مراعيا تقديم فكرة ما واسوق
مثالاً على ذلك بما سماه تحوّل ص 11:
عندما سرقته المدينة
أخفته في بيت طين صغير
سحبت دمه القروي
حقنته دماً من فصيلتها في الوريد
وقالت له:
اخرج الآن ياولدي
واتّحد بالنسيج الجديد!،
ويزداد الشاعر تألقاً في (فصل التحوّل) رابع فصوله: فصل الهطول، فصل الهروب، فصل اليأس، حيث يختتم قصيدته القصيرة بما يلي:
ووجهي تفيض طفولته
وحينا تفور ملامحه الجامدة؟
وها أنا ذا
بين كرّ وفر
بين مد وجزر
بين برّ وبحر
بين دنيا وقبر
ولن استقرَّ على صخرة واحدة! (ص 17 اذاً,, من تحوّل في المكان (القرية/المدينة) إلى تحوّل جوّاني ساعة اتحد بالنسيج الحضاري الجديد مترعاً بالتفاصيل يستحي
من ظله وحالماً بالمستحيل، أفضى إلى (فصل الهروب):،
كما يهرب الطير من قفص المذبحه
فرَّ من وكره يفرد الأجنحه
توارى طويلاً
وغنى قليلاً
وعاد إلى قبضة المصلحة؟! (ص 15)،
يبدوز أنه لا بد من هذه التحولات تتجلىّ في أفكار وسلوك الإنسان المعاصر، والإنسان المفكر، المبدع، على وجه الخصوص، ولا بد من ضريبة باهظة يسدّدها من
معاناته وهو يخوض معركة إثر معركة مرئية وغير مرئية:
يخوض غمار الحروب التي لا ترى
ولا يسمع الناس أخبارها
مثخن بالجراح
مثخن بالهزائم في كل أحواله
ولكنه كالغضا
مات أكثر من مرة
وانتضى موته,,
ومضى,! (معركة ص 13)،
قصائد التفاصيل والشمس الساطعة:
مثلما وقفنا على نماذج من القصائد القصيرة المختزلة التي ادت أغراضها في الأداء الفني ومن ثم التوصيل فالى التأثير في المتلقيّ، نجد في شعر شاعرنا نمطاً
يستفيض في التفاصيل ويستفيض في الإضاءة وفي التعليل بذكاء لا يؤثر سلبا على القصيدة كما في قصيدة: البحر وجواز السفر ص 37
تبدأ القصيدة بمطلع فني:
على شاطىء البحر كنا ثلاثتنا
غرق البحر في داخلي
وأصغيت للموج يلقي قصيدته الرائعة
ثم يدور حوار:
وساءلني البحر: ماذا أتى بك نحوي
وكيف عبرت الدروب؟
قلت: ياايها البحر هذا نسميه نحن الهروب
حين يقبل صيف الصحاري
وتنحدر الشمس من عرشها
أيمم وجه الغروب
وأبحث عن بارد في المكان
بارد يزيل جفاف التصحر في داخلي
وبعد تشويق حكائي يلتفت بالخطاب الى جواز سفره الذي سماه كتاباً صغيراً حيث يقول:
فقد طار بالقلب شرقاً وغرباً
وصالح بين المدى والبحار
مدين لهذا الكتاب الذي
يؤّلف بين الندى والقفار
ويمنح وجهي هُويّته
ويخرج ليلي بضوء النهار
ثم يضيء ما تبقّى مختتما القصيدة بسطور عمّقت المدلول وأضافت شيئاً:
أما آن للقلب أن يُشترى ياجواز السفر!،
أما آن للطير أن يجد المستقر؟
تعبت من التعب الأبدي
تشردت حتى حدود الضياع
ومازلت أبحث في صفحاتك
عن (فيزةٍ) ضائعة؟!،
هذه بعض فصول يانعة عليها بصمات شاعر ننتظر بعض فصول حياته وإبداعه,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved