ومضات عن غزليات الشريف الرضي
تكاد الهموم والنوائب ونوازل الدهر ان تكون مدارا لمعظم قصائد الشاعر العباسي الشريف الرضي الذي ولد سنة 359ه وتوفي في 406ه في بغداد، وجاء ديوان الشريف
الرضي الذي يقع في مجلدين كبيرين طافحا بالاحزان والمرارات والدعوة حينا الى الصبر والفخر في احيان كثيرة بالنفس والاهل والاعتصام بالسيف واللجوء الى الله
في كل وقت, ومن بين حسرات الشاعر التي احتوت معظم قصائده يبرق فن الغزل كميلاد ظليل من هجير الواقع الاليم, والقلب في اغلب قصائد الغزل والحب يقف متهما
بهذه العاطفة النبيلة التي لم تخل هي ايضا من جلب الالام للنفوس والارواح والاجساد، يقول الشريف الرضي مخاطبا قلبه الذي جر عليه ويلات الحب
يا قلب ليتك حين لم تدع الهوى
علقت من يهواك مثل هواكا
لو كان حر الوجد يُعقب بعده
برد الوصال غفرت ذاك لذاكا
لا بل شجيتَ بمن يبيت مسلما
خالي الضلوع، ويحس شجاكا
ياليت شغلك بالهوى اعداهم
اولا, فليت فراغهم اعداكا
اهوىً وذلا في الهوى وطماعة
ابداً تعالى الله, ما اشقاكا
يا قلب كيف علقت في اشراكهم
ولقد عهدتك تفلت الاشراكا
اكثبت حتى اقصدتك سهامهم
قد كنت عن امثالها انهاكا
ان ذبت من كمد فقد جر الهوى
هذا السقام على من جراكا
لا تشكون اليّ وجداً بعدها
هذا الذي جرت عليّ يداكا
لأعاقبنك بالقليل فانني
لولاك لم اذق الهوى لولا كا
يا عاذل المشتاق دعه فإنه
يطوى على الزفرات غير حشاكا
لو كان قلبك قلبه مالمته
حاشاك مما عنده حاشاكا
والمتأمل في هذه الابيات يرى الشاعر يركز حديثه او خطابه الشعري على القلب او مع القلب, وهو خطاب يومىء بتأكيد المعنى الذي تدور حوله الابيات, هذا المعنى
هو ان الشاعر يهوى مالا يهواه وينشغل بمن هو عنه لاه ساه- ولأن القلب هو موضع هذه العاطفة كما يظن الكثيرون فهو متهم عند الشاعر بأنه مصدر هذا الالم الذي
يحس به وكأن الشاعر يجرد من القلب كائنا مستقلا خارجيا له ارادة يتصرف بها بعيدا عن ارادة الشاعر,, فهوالذي جر على الشاعر هذا الهوان والذل، وربما بدأت
الابيات بعتاب رقيق من الشاعر لقلبه الذي شغل بمن لم يشغل به ولو كانت حرارة الوجد تنتهي او تفضي الى برد الوصال لكان الالم مغفورا من اجل السعادة التي
جاءت عقبه ولكن القلب يشجى وييأس بسبب من يبيت سالما ناعما,, ويتمنى الشاعر لو ان عدوى الانشغال قد انتقلت من قلبه العاشق الى قلب المعشوق والا فهو يتمنى
ان تكون عدوى الفراغ من هذا الانشغال هي البديل اذا ما استمالت عدوى الحب, والشاعر يتوعد قلبه بأنه سيعاقبه بالقليل وهو حرارة الوجد وألمه بسبب ما جره على
الشاعر من عذاب ثم يصل الشاعر الى ابيات ينتقل فيها من الخاص الى العام من حديثه الى قلبه الى خطاب العذول واللائم وهو خطاب تقليدي لم تخل منه قصيدة في
الشعر العربي كله يقول الشريف الرضي
يا عاذل المشتاق دعه فانه
يطوى على الزفرات غير حشاكا
لو كان قلبك قلبه ما لمته
حاشاك مما عنده حاشاكا
وهذه رائعة الشريف في الغزل التي لم يغفلها كتاب من كتب المختارات الشعرية تؤكد ان شاعر الخطوب قادر على ان يكون شاعر القلوب يقول
يا ظبية البان ترعى في خمائله
ليهنك اليوم ان القلب مرعاكِ
الماء عندك مبذول لشاربه
وليس يرويه الا مدمعي الباكي
هبت لنا من رياح الغور رائحة
بعد الرقاد عرفناها بريَّاكِ
ثم انثنينا اذا ما هزّنا طرب
على الرحال تعللنا بذكراكِ
سهم اصاب وراميه بذى سلم
من بالعراق لقد ابعدت مرساكِ
وعد لعينيك عندي ما وفيت به
باقرب ما كذبت عيني عيناكِ
حكت لحاظك ما في الريم من مُلح
يوم اللقاء فكان الفضل للحاكي
كأن طرفك يوم الجزع يخبرنا
بما طوى عنك من اسماء قتلاكِ
انت النعيم لقلبي والعذاب له
فما امرك في قلبي واحلاكِ
عندي رسائل شوق لست اذكرها
لولا الرقيب لقد بلغتها فاك
سقى منىً وليالي الخيف ماشربت
من الغمام وحياها وحياكِ
اذ يلتقى كل ذي دين وما طله
منا ويجتمع المشكوّ والشاكي
لما غدا السرب يعطو بين ارجلنا
ما كان فيه غريم القلب الاكِ
هامت بك العين لم تتبع سواك هوى
من علم البين ان القلب يهواكِ
حتى دنا السرب ما احييت من كمد
قتلى هواك ولا فاديت اسراك
وحبذا وقفة والركب مغتفل
على ثرى وخدت فيه مطاياك
لو كانت اللمة السوداء من عددى
يوم الغميم لما افلت اشراكي
ان الشريف الرضي يتبدى في هذه القصيدة الذائعة الصيت اقرب الى الوصف منه الى العاشق المتيم فهو من البداية يرمز الى المحبوبة بالظبي الذي يرعى في الخمائل
وقد اصبح قلبه مرعاها والبيت ينطوي على كثير من السحر في كلمات قليلة ففيه تتناظر كلى بين الظبي الرائع في الخمائل والظبي الرائع في القلب ولكن درة هذه
القصيدة هو البيت الذي يعبر عن طبيعة الحب حيث يمتزج العذاب بالنعيم,,
انت النعيم لقلبي والعذاب له
فما امرّك في قلبي واحلاكِ
عندي رسائل شوق لست اذكرها
لولا الرقيب لقد بلغتها فاكِ
ولكن ومضات الغزل عند الشريف تظل مثل قطرات المطر في صحراء الصيف,
محمد إبراهيم أبو سنة


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved