أيام العرق والطين
عبد الله نور
ابن سعود في مرآة نجله وزير الداخلية
إذا كنت تريد أن تقترب الى المنهج العلمي الصحيح في دراسة (شخصانية الملك عبد العزيز) وتريد أن تقترب وتُصيب وتحكي دون أن تبطىء أو تطيل، ثم تريد أن تمسك
بالخيط الذي يفضي بك الى ما يسمونه ب(الشفرة السرّية في فهم الشخصية) أو قل ب(البنية التحتية السرية) أو قل ب(البصمة الخاصة) فعليك بدراسة باب الحلم في
شخصية عبد العزيز كمدخل للبحث، ثم عليك بدراسة باب الحلم في شخصية ابنه سمو الأمير نايف وسترى أنك اقتربت من المنهج المطلوب دون ان يتبدد وقتك في دراسة
ابواب اخرى من مكارم الأخلاق كالكرم والشهامة والنجدة وغيرها مما يطول تبيانه ولا يرهقك بيانه، وتكون بهذا اقرب الناس الى فهم (البصمة الخاصة) للملك عبد
العزيز,
إذا رأيت في شارع الملك خالد بالرياض بيتاً جدرانه الخارجية من الحجارة المنضودة المقلوعة من (ظهرة البديعة) ومكحولة بالاسمنت المخلوط برمل وادي الوِتر
،(البطحاء) ورأيت ثَمَّ أشياخاً وعجائز يجولون فيه من قدامى أهل نجد ومن أهل الفضل والجود والأريحية، فهذا هو بيت الأمير نايف بن عبد العزيز، نايف نايف هذا
الرجل الربعة الذي يعمل الآن وزيراً للداخلية، هذا بيته وهؤلاء البقية الباقية من أصحابه وأصحاب أبيه وأصحاب اجداده من آل سعود الميامين,
ولئن شئت أن تدلف كضيف من سائر الناس فإنه لا يغرب عن بصرك مشهد البساطة في البناء والأثاث والحاجيات وسائر المقتنيات وهذا هو نايف، أو هذا هو عبد العزيز,
ومن ثَمّ، فأنت لا تحتاج الى مزيد من الفراسة حين يسعدك الحظ فتلتقي بالأمير نايف وجهاً لوجه، ستراه موزوناً في كل شيء، جسمٌ مربوع وهذا مما يفاخر به
العرب وكان سيِّد العرب والعجم محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه ربعة بين الرجال، ليس بالمتمدد ولا المتردد، ليس بالأبجر السمين، ولا بالضعيف
الهزيل كأنه قد قُدَّ على وزن ما تشتهيه الفَرَس المشوال للكرّ والنزال، وأنت لا تحتاج الى من يدلُّك عليه رغم حبه للاحتباء بين اصحابه، فترى البشاشة تقطر
من وجهه وتناديك بنوع من الأحاسيس التي يجدها من تناديه سدرة المنتهى عند بحيرة فردوسيّة,
أما ان كنت ممن شاء الله له أن يلقاه في وزارة الداخلية، فذاك هو عبد العزيز لمن كان يلقاه في إمارة الرياض، ستلقاه وستلقى وستفهم معنى الحلم في أخلاق
العرب, وستضيف الى معلوماتك في (أدب الملوك) ما لم يخطر ولن يخطر على البال,
ستعجب إن رأيته خفيض الصوت على بححٍ لطيف يشبه صوت الريح حين تخطو بين الرياحين، وستعجب من ترتيبه لأموره، إذ يفهم القائمون من موظفيه ما يريده بالرمز
والاشارة والإلماحة والعبارة والتعريض، وستعجب من صبره على بعض من يراجع من الناس وهو لا يدري كيف يقول لأسباب واضحة أو غير واضحة، وستعجب من سرعة الحسم
في بعض أمور يتولاها بنفسه، وستعجب من فطنته في مسائل تجارية معقّدة ليس لها أول ولا آخر، وستعجب ويطول بك العجب ثم يزول عنك بعضه اذا عرفت ان سمو الأمير
كان في زمن أبيه أميراً للرياض، وكان بعدئذٍ رجل أعمال زاول التجارة في بواكير الشباب,
وستعجب إن قلت لك إنني ممن وقع عليهم اختيار مدير المدرسة للترحيب بسموه بعد تعيينه أميراً للرياض وإليك مطلع القصيدة
خليليّ عوجا صوب سيفين وقّعا
على نخلة فرعاء تزدان أفرعا
ولا تعجبا من نخلةٍ إن تكلّمت
وقالت: أنا عبد العزيز الصميدعا
وحين أصل الى البيت الثالث أومىء إلى الأمير نايف في الحفل لأقول عن النخلة/ عبد العزيز
فكلكمُ من زهوها ان تمايلت
وكلكمُ من مائها سال مُمرعا
وأمضي في اكثر من عشرة ابيات أمدح عبد العزيز واذكر ان نجله نايف (سرُّ أبيه) وما نسيت ان اذكر ان الأمير نايف يُلَقّب بالمنصور لأنه وُلد يوم فتح الطائف،
ويُلَقّب بالعاقل لشدِّة إطراقه في التفكير وحبه للأناة والمصابرة في إجالة النظر في الأمور قبل إصدار الحكم عليها، ويُلَقّب بالزاهد لانصرافه عمّا لا
يليق بأهل المروءات وأهل الفضل والمحمدة,
وحين أفرغ من كل هذا أعود إلى (السيفين والنخلة) وأعود إلى النبت أخضره ويابسه وأترنم بقولي في وصف الأمير نايف حين يجود علينا بالمشاركة في (العرضة
النجدية): فأقول في وصفه
كأن السيوف البيض تلمع كلها
بعينيه ان ما قام يعرض مُتلعا
وراياتنا طولى تلوح كأنها
سحائب مزن قد تقابلن وُقّعا
ولله درّي حين أمدح مثله
ويقبل لا منّانة مُتمِنِّعا
ثم أختم القصيدة حيث اشير الى مجموع الحفل وهو مكتظ بالمدرّسين من سائر الأقطار، وأترك باب العجب مفتوحاً بما هو أعجب في توحيد الملك عبد العزيز لالجزيرة
ولهؤلاء الذين هم من غير الجزيرة وأشمَعِلُّ وأتمَهلُّ بهذا الختام السادر
ومن عجبٍ ضيفٌ وسيفٌ ومصحفٌ
ونخلٌ وراياتٌ نُصَلِّي هنا معا
ولكن أعجب العجب، هو أن هذا من نظم طفل في أول المراهقة، وأول امكانيات التعليم وباللغة الفصحى، فحيِّ ذاك الزمان,أجل حيِّ ذاك الزمان!!،


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved