أيام العرق والطين
عبدالله نور
ابن سعود في عالم الرؤى والنبوءات
البداية صارت هكذا جيء اليه برجل شيخ فانٍ هالك وهو في الأصفاد ومعه اولاده قد شاركوه في كل ضلالاته وهم في الاصفاد مثله، وكانوا جميعاً يقطعون السَّابلة
والطَّرقات، فَبَصُر به فرآه كومة من هشيم عبث فيها الموت من أصلها يوم كان شجرة، وبصر من خلل الدموع في تساكبها دمعة واحدة تومض كالنجم من بعيد بشعاع يهل
بالأريحية والنبل والطيبة المدفونة تحت الرمال والتراب والصخور فشاء الله له وثم شاء لنفسه ان يعفو عنه فعفا وأصلح وانتهت القصة,
هي عندي قد انتهت نظرياً ولكن جاءني هاتف في آخر الليل وقال لي بأن هذه الحكاية قد وردت في كتاب شيخنا المفضال عبدالعزيز بن عبدالمحسن التأريخ، وجاء في
آخرها أن عبدالعزيز أطلق أولاد الرجل بعد حين بسبب شفاعة الأهل أو القبيلة أو نحو ذلك؟!،
ومضى فأخبرني بأن عفو الأمير سعيد بن عثمان بن عفان عن الشاعر الصعلوك المعروف مالك بن الريب التميمي، وكذاك عفو أمير المؤمنين المعتصم بالله عن جميل
السدوسي، وهناك غيرهما مما يدخل في هذا الباب ولم ينس أن يعاتبني على التقصير ويقطع الكلام ويتركني في صحراء الكلام؟!،
حسناً، حسناً، يا صحراء الكلام؟! لقد عدت الى كتاب الوالد الاخ الكبير والشيخ المفضال عبدالعزيز التويجري فألفيت القصة في كتابه الوثائقي عن عبدالعزيز
وأفدت مما قرأت أن عبدالعزيز أطلق أولاده فيما بعد فكسب الحمد مضاعفاً ومقروناً بالفضل على قبيلة الشيخ وأولاده,
حسناً، إنّ هذه القصة مما علق بذهني من مرويات لي عن الشيخ المفضال القاضي ضياء الدين رجب لانه القاضي الذي له صلة بالقصة، والرجل وأولاده ليسوا من قبيلة
ذات شوكة ليتألف عبدالعزيز قلوب رجالاتها ولا يمكن بحالٍ من الاحوال قياس هذه الحالة بحالتي مالك بن الريب التميمي، وجميل السدوسي، فالأول وهو مالك لم يقع
في الأسر ولكن الأمير سعيد بن عثمان دعاه إلى رمي السلاح بشروط منها تكريمه وسداد دينه وتوليته عملاً يعتاش منه واصطحبه معه إلى بلاد خراسان، وهذا مما لا
يدخل في باب الحلم البتة, وأما جميل بن معمر السدوسي فقد كان صبياً يقطر وجهه بالجمال والحسن والبشاشة حين أحضروه ووضعوه فوق النطع لضرب عنقه فبصر به
المعتصم فرآه فوق ذلك ركيناً ثابت الجنان رخيَّ البال فاستنطقه فأنشد تلك القصيدة المعروفة وأولها
أرى الموت بين السيف والنطع كامناً
يلاحظني من حيثما اتلفّتُ
وأي امرئ يأتي بعذرٍ وحجَّةٍ
وسيف المنايا بين عينيه مصلتُ
وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي
وأي امرىءٍ مما قضى الله يفلتُ
وما جزعي من أن أموت وانني
لاعلم أن الموت شيء مؤقتُ
ولكن خلفي صبية قد تركتهم
واكبادهم من حسرةٍ تتفتَّت
فان عِشتُ عاشوا سالمين بغبطةٍ
أذود الردى عنهم وإن مِتُ موتوا
الى آخرها، فعفا عنه وأحسن إليه، وها أنت ترى أن الفارق بين القصتين وقصة صاحبنا الشيخ السعودي واسع وبعيد جداً، إذ أن العفو في الحالة الأولى قبل أن يقدر
الوالي عن الجاني، والعفو في الثانية حصيلة مواهب وقدرات خارقة عند جميل، ولا تنس شوكة قبيلته سدوس وهي من شيبان من بكر بن وائل وشوكة هذه في تلك الأزمان
لا تحتاج إلى برهان، حسناً كل هذا، وأرجو أن أكون قد أضأت على كل هذه القصص بصيصاً من نور الفجر الذي هاتفني فيه ذلك الهاتف؟!،
حسناً، فلنستمر في هذه المسامرة اللطيفة مادمنا قد ذكرنا شيخنا الوالد المفضال ضياء الدين رجب في أول الكلام فندعو له بالرحمة والغفران لأنه غادر حياتنا
الدنيا قبل عشرين عاماً على وجه التقريب، وما تزال كلمته التي يكتبها في أواخر مقالاته وهي دعاؤه بقوله: يا أمان الخائفين ما تزال ترنُّ في الآذان وقد
أحيتها وبعثتها من جديد أختنا وأستاذتنا الفاضلة الدكتورة هناء المطلق ورفعتها كالدرة في تاج مقالاتها البارعة جزاها الله خيراً,,
كان الشيخ المرحوم ضياء الدين رجب قاضياً للملك عبدالعزيز في مدينة العلا، وحدث في البادية قتال بين قبيلتين او فريقين فوقع في الفريق الاول ولنسمِّه فريق
ألف إصابة واحد أو اثنين من القتلى بسبب طلق ناري من فريق باء , ويقول القاضي رجب ان القضية بعد تحريرها رفعت الى الملك عبدالعزيز قدّس الله روحه وفيها
اعتراف القاتل الذي أطلق النار من فريق باء ولكنَّ عبدالعزيز أعاد المعاملة للتحقيق كرة ثانية,
أعيد التحقيق والتحرير كرة ثانية والكلام للشيخ القاضي رجب ولكن المعاملة أعيدت ثانية فأعادوا التحقيق والتحرير ورفعوها فأعيدت ثالثة إلى أمير العلا وإلى
شيخ العلا وفيها رأي من عبدالعزيز خلاصته أنه يَشُكّ في اعتراف الرجل القاتل من فئة ب وذلك لأن في المعاملة اسم أبيه الذي كان معهم في المعركة، فلعل الأب
هو القاتل، ولعل الابن اعترف على نفسه زوراً ليفتدي أباه فيالها من نظرة خرقت أستار الحجب والتحمت بعالم الرؤى والفراسة والنبوءات، وهكذا صار؟! فالقاتل هو
الأب وهو غير ابنه البريء الذي اعترف زوراً ليفتدي أباه بنفسه، وهذا مما لا يقدر عليه إلا الملهمون من ذوي الأحلام, بخ بخ، ذاك عبدالعزيز,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved