إيحاءات التحوّل/ شفافية الغياب في مجموعة (أسماء وحرقة الأسئلة للشاعر صالح الحربي 1-2
غالية خوجة
ما بين الشعر والفن التشكيلي روح تختطف من الكون حياتها، محولة هيئة حلمها لونا غائبا في الصورة/ حاضرا في الإيحاء,,
ولتلون اللحظة الشعرية تشكيل مشاهدها، فهي تستغرق الظلال الداخلية والخارجية وتبتعد باتجاهاتها المتعددة إلى كيانات تنفر من آثارها الآن,,
على إيقاعات هذه الروح توامضت مجموعة (أسماء وحرقة الاسئلة) للشاعر (صالح الحربي) الذي وزّع اشاراته إلى سبعة عناوين اساسية، ضمت اختراعات أخرى:
،1- فاتحة : محاولة، رقابة، معاناة، كتابة، حلم، رامز، مؤامرة، ليل، كفن,
،2- مدخل : البيضة والحجر,
،3- مدخل : حمالة الحطب، لغة، الشاعر، المطلَّقة,
،4- مدخل : ثلاثية الحزن: حزن أولي، حزن ثنائي، حزن ثلاثي,,),،
،5- مدخل ثقوب في جدار الزمن: (جدار الصمت/ سيرة ذاتية/ جدران الليل لوحة تشكيلية,,),،
،6- مدخل : أسماء وحرقة الاسئلة: وفاء، وضحى، سارا، مريم، منى، رحاب، صالحة، خلود، بثينة، ريحانة، ليلى(1)، ليلى(2)، أمنية، أمل، سامية، كاثرين، سلوى,
،7- بياض الحجرة: بياض، قلب، موسيقى، ظلمة، د, محمد بشار، خارطة، العوضية، مقهى، تصريح، تحالف، هدوء، حجارة، رؤى، صعوبة,
تراوحت نصوص المجموعة بين تضاديات الحياة وتدرجات الحلم واشعاعات الحب مشكلة من الاسماء استفهامات، ومن الحواس قصائد بارقة تنوعت حركتها المنبثقة من
البنية الجوانية للشاعر واحتدمت بشفافية مع البنية الموضوعية (الحياتية بكل تشعباتها),, حيث نتراءى ما يخبئه المكتوب المتصارع، ينتفض بين رموزه الكبرى
،(الموت، الحياة، الحلم، اللغة، المخيلة، منتجا من تفاعله الواقعي والخيالي تساردا لحدثية شعرية كانت الميزة الحاملة للقصيدة - الصورة,,
فكيف لمحنا ذلك,,؟ وكيف اختزلت الذات الشاعرة أبعادها في المجموعة؟ وهل تنوعت دينامية الحلم أم انها صعدت وانخفضت تبعا لحركية القصيدة او تبعا لحركية
المجموعة,,؟ سعت مجموعة (أسماء وحرقة الاسئلة) إلى اضاءة الوجدانيات وعكسها من خلال مرآة ظلالية أضمرتها الفاتحة المرتكزة إلى كلمات أدونيس:
،(سننشب أظافرنا في غضاريف الحلم,,
،(سنسقط في فوهة المستقبل,,
سنعيش ونفكر ونكتب الشعر
تحت سقف الرؤيا وسمائها,,)،
وهكذا,, ومنذ انفتاح المجموعة على نصوصها، نشعر بأنها تشد سين المستقبل إلى زمانيتها، بذات القوة التي تشد فيها كلماتها إلى الحلم والرؤيا والكشف والتحدي,,
عبر هذا الحيز المتحرك كخلفية ثابتة للمجموعة، تناست اللحظة اليومية لتمتد بين صمتين:
،1) صمت فضائها المكتوب,
،2) صمت كلامها اللامدوّن,
ثم لتنثر هذه اللحظة المعاشة لحظتها المتصارعة مع محاور اللون: النفسي، الايقاعي، اللفظي، ومع هامش التفاصيل القابلة للديمومة وذلك من خلال ماشوشته من
ذاكرة الصور بذاكرة العلائق وبحواس الحاضر العائد على قطبيه:
أ) قطب الماضي المنزلق من الرنين الداخلي لمحاور اللون وهامش التفاصيل,
ب) قطب الآتي المنسكب من (الآن) والمغادر إلى صور القصيدة، أو إلى القصيدة كصورة كبرى,,
لقد فلسف الشاعر (صالح الحربي) ظلال حالته المتناسلة داخل استفهامات عمقي، تمثل رؤاه المشتبكة والباحثة في اللامعنى عن معنى,, من هذه البؤرة الاسية تتشظى
الدوال، فتحمل حيزها المتعدد، وتراكم آثاره في جسد النص الشعري حال فورانه من الارتكاز الثابت لمعاني (الليل، الكفن، الحب، الارض، الصبح) ومع تحولات الأنا
الشاعرة، تنبثق اشعة التواشج الناتجة من جهات تلك المعاني، والمتحررة إلى طاقة الجوبان الرومانسية تارة (قصيدة,, محاولة,, مثلا) المحترقة تارات كثيرة
،(حمالة الحطب، وفاء، لغة، البيضة والحجر,,),،
ولنستشف ما برز من شعرية النار والماء وعناصر الوهج المتصالبة، فإننا سنحاور المجموعة، مستندين إلى بارقتها النافرة من الحدث الشعري والمختفية بين:
،1) صوتيات (الأنا) الغائبة، لكنها المتداخلة كحضور مشرق في الايحاء,
،2) قزحيات الدينامي المتجادل من الضوء والظل، الموت والحياة، المجرد والمحسوس:
،( أكلما,,
تنفس صبح
نبتت حقيقة
وكشطت تجاعيد الارض؟
أكلما,,
تنفس صبح
تناسلت ذاكرتي
في محيط عميق,,؟,, ص20/19)،
انقلابات الضوء/ صوتيات الغياب:
مجمل النصوص انبنت على سردية الحدث الذي تمكن من اختزال الادهاش في نهاية القصيدة الوامضة، باعثا اختلافا غير تقابلي بين الدلالات المتخذة لنفسها علائق
جديدة استطاعت ان تنشئ بساطتها العميقة من خلال أصوات اللغة وعناصرها المتغلغلة في الصورة - الحدث، والمتنامية كتوتر ابتدأ منخفضا ثم تصاعد حتى احتمالاته
المتداخلة بين الخفوت والصعود، مشكلا درامية مركبة استمدت قيمتها الانزياحية من خلال تحويل الدلالات المتقابلة الى دلالة لا مألوفة تنافرت لتضيف فائضا
مدلوليا غير محتجز في الومضة الصادمة، ذلك لأنه المتحرر من نهاية القصيدة الى صورها السابقة، ليندغم معها ويفاعل رغائبه في حركة روحها المنسحبة الى شحنة
دافعة للحدث الشعري باتجاه الصعود، كونه الحامل الذي تتوازن فيه البنية المدلولية التي ابتدأت بأثر خافت لا يلبث ان يستجمع مخيلته الممكنة، جاعلا منها
فجوة للتقاطع الايحائي بكل حساسياته الهادفة الى ارتكاب لحظة الانكشاف وإلى خطف معطياتها ودسها هناك,, تحت اشتعالات الصور,, مما اكسبها بدائل تناظرت
إسقاطاتها بين الكوني والاسطوري والانساني: (البيضة والحجر)، (حمالة الحطب), فما استبدله الشاعر من طبيعة العلاقة على مستواها الاول، ولد دلالات جابهت
المباشرة وجسدت تضاعيف دلالية هي بمثابة الجداء لكل من الرمز (البيضة: الرحم، الام، الانثى، الخصب، الاستمرارية) ومن الرمز (الحجر: الارض، الانبعاث،
الاستمرارية), وحالما يشتبك الرمزان بما يشتركان به (الاستمرارية) نجد حركة الاسقاط تنفتح على داخلها موسعة دينامي الانساق كناتج مباشر عن انزياحاتها, ولا
يخفى ما في (حمالة الحطب) من محاكاة للنص القرآني هي بمثابة الذاكرة الجمعية التي وظفها الشاعر مستهدفا ايصال النار إلى جذورها - الحطب كمحور اول التف
عليه دوران اللهب ليصل إلى المسقط غير المرئي (البيضة، الحجر) والمستكمل لمحوره الآخر (الارض) كهدف بعيد رغب الشاعر ب(لا إيصاله) مبدئيا، وبإيصاله كدورة
أخيرة تمارسها الحركة اللانهائية للمعادلة السابقة وذلك ضمن حركتين لابد منهما:
،1) البيضة - الحجر - الارض
،2) النار - الحطب - الحجر
الاستمرارية
في هذا الاشراق الدلالي، تبرعمت الرموز لتلغي مسافة الموت، إلغاء لا يمحي,, لانه الالغاء المتحول إلى حياة تعبر من الاصوات التي تمسكها الصور الى منبعها -
الرحم الازلي عبورا يعيد تشكيل عناصره بناء على التداخل الدوراني لشيفرة الكون الاولى:
البيضة الارض النار
العماء التراب لا نار بلا هواء
الرحم/ الماء الصلصال النار
ألا يحيلنا هذا التقارب بين الرموز إلى تصيّر البنية القصيدية كحركة كونية طابقت حدي اللحظة المكتوبة واللامكتوبة إلى حد انعدام المباشرة، مما خلف
انتقالا لمتواليات الدلالة، اجتازت اولاها وحققت بعدها الاسطوري,,
لكن، إلى أي مجال احتمالي أراد الشاعر ان يشير عبر مواحدته الخفية تلك,,؟
هل أراد اضافة الواقع العربي المر,, أم أراد من ايماءات التداخل والاختراق ان يجعل اللغة تحتضن ما لم تتعود حروفها احتضانه,, أم انه هدف إلى ما يتبازغ من
تباين وراء مسافة الانصهار المتحابكة مع حدي الصورة,,؟
ربما رغب الشاعر بتوصيل كل ذلك اضافة إلى ظاهرة المجاز (الانوي) المجسدة بمركزية مجردة ضمت حول تمحورها مسافات الحضور والغياب وتحولات الرؤى,,
وهذا ما تضمره المشاهد التالية:
،(اغتسل
من لغتي
لغة تتبرأ
من صادها
لغة تتساقط
أحرفها,,
حرفا,, حرفا
كلمة
كلمة,,, ص26)،
إن العلامات الفاضحة للواقع العربي تترك وحداتها لتفاعل مضارعي يتسع مع حركية الفعلين: (تتبرأ/ تتساقك) ،كأن الاغتسال من اللغة هو عملية بحث عن لغة جديدة
لاتمارس السقوط,, بل تستحضر متحركاتها من نقيض (الضاد) الراهن، اي عن طريق مكاشفة (الآن) وانهيارات الذات الجمعية المتماوجة بين موتين: موت الذات الشاعرة
وموت الزمن الدال على يباس وعقم لا الدال على تمويت الزمن,, (أيتها المرأة الحبلى بي,, أنا رجل ميت في زمنٍ ميتٍ,,) وما من وسيلة لبلوغ الحياة سوى
باستبدالات تحققها (القصيدة) وذلك بعد مخاطبة الزمن وتشخيصه، وتحديه: (أيها الزمن العنيد,, تباغتني,, خطى القصيدة,,),, وليُدخل الشاعر ذاته إلى لغتها
الجديدة، فإنه يسقط حركة المباغتة على فعل (اغتسل) السابق، مطابقا اسقاط الحركة ذاتها على فعل (تجري) اللاحق، منجزا من خلال تلك البوتقة حدثه الشعري
المجازي المتراكم بين ظلالية (رحم/ العذراء) والتي تذكرنا باحالتها على اشعة الشيفرة التكوينية السابقة,,:
،(تجري في جسدي
في رحم
الشمس العذراء
والكلمات
,,, والقمر,,, ص29),،
ولانه لا يوجد في الشعر صورة تجريدية مطلقة، فإننا نجد اختلاطات الحس مع الذهان ضمن علاقة جدلية تفرز صورتها المركبة القابلة للترائي والاحتمالية المنتجة
لامكانية الفعل المشع من حواس هذه الصورة على انساق العناصر الاخرى المتجهة نحو تكوينيتها الغرائبية والتي استطاع الشاعر ان يستبدل الحيز المكاني المتحول
لجريان خطى القصيدة (تجري في جسدي) بذاك الحيز الفضائي الذي يغمر المكانية الاولى (الجسد) لكنه المنبث منه ايضا، وذلك بعد مسافة الحركة المدارية المتناقضة
،(الشمس/ القمر) لكن اثناء مسافة الاستبدال: (في جسدي,, في رحم الشمس العذراء والكلمات والقمر) حيث تتحايث مدلولات الانزياح (رحم/ الكلمات) لتنجب طرائق
حياة جديدة تتناسل فيها دلالات الزمن النصي لا ذاك الزمن الواقعي الميت,إن ذاك الفضاء المفتوح على التخييل ينشطر الى طاقتين: الاولى - طاقة الحلم المنعكسة
الى الخارج بتنافريه: أ) الزمن السلبي الميت, ب) الزمن النابع من جرح الرفض والحياة (الشمس، الكلمات، القمر، المرأة الحُبلى بي = الارض، الام، القصيدة
كمضمر حمله العنوان البيضة والحجر), والطاقة الثانية - طاقة الفضاء الناتج عن ومضة الحلم المتقاطعة مع ومضة المجهول والمنعكسة الى الداخل المختزل للبعد
الاسطوري، والمنبثق منه بهيئة جرح اكبر هو الحرية,
من تعارضات هذا الباطن اللامرئي تنساب دينامية الاثر في حالتي الانكفاء والانسراح لتصبح مؤسطرة لحواس صورتها ورؤاها المتشابكة في قصيدة اخرى، والظاهرة
كحدث شعري كان فجوة التوتر التي تعالت منها المكونات المركبة في (حمالة الحطب) وهذا ما دلت عليه سيرورة الاثر بجذرها الثلاثي: (النار، الشجر، العصفور) ،
وبظلالها المتزاخمة بين حركية الصفة (نارا سرمدية، عصفور أخضر) ومركباتها الثابتة: (تكرار الازمة: حمالة الحطب، اشتعلي) وذلك كزمان وفضاء ثابتين حققا
الانسجام المتصل بهما والمنفصل عنهما من خلال ايقاعات رموز الاثر الثلاثة السابقة واللاحقة عنهما, ومركباتها اللاثابتة المنشئة لفضاء ارحب (رائحة،
تتطاير، تصرخ، تتمزق المشيمة، دماء، يتدحرج، يتشظى، ينصهر،,,) ولنقف عند منعطفات الحلم والمخيلة واللازمن، فإننا سنضيف إلى معادلة التحول السابقة تأويلات
تصب في الناتج - الهدف: (الاستمرارية)، ألا وهي علائقية النار بالنسق النصي وامتلائه بالمؤول الخفي (العنقاء، طائر الفينيق، السمرمر) والذي كشف عنه المؤول
منه - الظاهر المجسد بدرامية الالتقاء والتنافر والتصارع القائمة بين طرفين مندغمين:
أ) النار ، العصفور، الشجر، اللون الاخضر,
ب) الموت، الحياة,
تبتدئ القصيدة بواطنها بظهورات حياتية متصيرة، توحي بالخصوبة وبالتحول الغامض وباحالات الفراغ المتنازع على الانوجاد وذلك عن طريق الانفصال الظاهر
للذاتين: (الذات الشاعرة، وذات القصيدة) وعن طريق الاتصال حتى إلغاء التجاور في الصوت التبادلي القائم بين الصوتين: (تصرخ,, اشتعلي,, اشتعلي,,,)،
تأخذ الطبيعة طريقها الى الكلمات منذ البدء:
يتبع


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved